مدونة الأسرة تسجل حصيلة ايجابية رغم المعوقات التي تشوب التطبيق السليم لمقتضياتها بين الرضا والطموح لتحقيق الأفضل تأرجح التقييم الذي قدمه وزير العدل والحريات مصطفى الرميد لفترة عشر سنوات من دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، إذ وصف الحصيلة بالإيجابية، مقرا في ذات الوقت بوجود معوقات تعترض وتشوب التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة والقوانين ذات الصلة، والتي اعتبر أنها تتوزع بين معوقات مادية وأخرى بشرية وتنظيمية وما يحمله الواقع الاجتماعي والاقتصادي والموروث الثقافي الذي حد من فعالية وجدوى كثير من المقتضيات والمستجدات التي حددتها هذا المتن القانوني. تقييم الرميد للمدونة جاء في افتتاحه للندوة الوطنية التي تنظمها وزارة العدل والحريات بشراكة مع وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بمناسبة مرور عشر سنوات على دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، والتي تميزت بحضور محمد بوستة عضو اللجنة الملكية التي أشرفت على وضع هذه المدونة وعدد من القامات الفكرية التي ساهمت فيها، وممثلة الأممالمتحدة للمرأة، وممثلي عدد من القطاعات الوزارية والمؤسساتية ،والبرلمانيين والبرلمانيات وهيئات المجتمع المدني، وهو الافتتاح الذي أبت خلاله الحركة النسائية إلا أن تحتج وترفع خلاله وداخل قاعة الندوة يافطات تعبر فيها عن امتعاضها نتيجة إقصاء الوزارة لعدد من الجمعيات المنتمية لمجموعة من جهات المغرب والتي تعمل ميدانيا على موضوع حقوق المرأة والطفل في ارتباط مع تطبيق مدونة الأسرة، فضلا عن تغييب الوزارة للمقاربة التشاركية التي نص عليها دستور 2011، وذلك لإعداد هذه الندوة التي تعد مرحلة مفصلية في مسار تقييم تطبيق مدونة الأسرة . وأوضح وزير العدل الذي كان ينظر إلى اليافطات التي حملتها المحتجات، وبدا كما لو أنه يجيب على تطلعاتهن في الارتقاء بتطبيق أفضل لنص مدونة الأسرة، قائلا»»إنه تحققت مكاسب كبيرة للأسرة المغربية خلال هذه المدة الزمنية ، بالرغم من أن النتائج المحققة على أرض الواقع لم تصل إلى درجة الطموحات الكبرى المتوخاة» ،مبرزا المعيقات التي لازالت تعترض التطبيق السليم للمدونة والقوانين ذات الصلة ، والتي حددها في أربع مستويات أساسية مادية ، بشرية ،تنظيمية وأخرى ترتبط بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والموروث الثقافي الذي يحد من فعالية وجدوى كثير من المقتضيات والمستجدات التي حددتها نصوص المدونة . وقدم المسؤول الحكومي خلال هذه الندوة التي ستنظم على شكل ورشات من أجل طرح مختلف المعيقات التي تحول دون التطبيق السليط للمدونة ، وطرح البدائل الممكنة للارتقاء بتنزيل مضامينها ،معطيات رقمية تخص العشر سنوات الماضية والتي تمتد ما بين 2004 تاريخ إقرار المدونة وصولا إلى السنة الحالية2014،والتي تبرز إذ ما تم استقراؤها مختلف الظواهر التي يعرفها المجتمع والتي ترتبط بمؤسسة الزواج ووقائع الطلاق، والنساء المطلقات وأوضاع الطفولة خاصة من خلال قضايا النفقة، معلنا أنه فيما يخص توثيق الزواج أو ما يعرف الزواج بالفاتحة والذي انتهت الفترة الانتقالية المحددة لتوثيقه في فبراير الماضي، على فتح فترة جديدة إذا تم اقتراح ذلك وتدارسه بين مختلف المكونات السياسية والمجتمع المدني والقطاعات المعنية. وسجل الوزير أن زواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية شهد ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقل من 18 ألف و341 زواجا خلال سنة 2004 إلى 35 ألف و152 خلال سنة 2013، مضيفا أن نسبة زواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية من مجموع رسوم الزواج بقيت إلى حد ما مستقرة، حيث تراوحت بين 7.75 في المائة سنة 2004 و 11.47 في المائة سنة 2013، مسجلا أن سنة 2011 عرفت أكبر نسبة في هذا النوع من الزواج بمعدل وصل إلى 11.99 في المائة من مجموع رسوم الزواج المبرمة خلال تلك السنة. وأشار إلى أن التعدد شهد نوعا من الاستقرار خلال عشر سنوات، إذ سجل أكبر نسبة خلال سنتي 2004 و2011 بما قدره 0.34 في المائة من مجموع عقود الزواج المبرمة، فيما سجلت أدنى نسبة وهي 0.26 في المائة خلال سنتي 2012 و2013. أما في ما يتعلق بالصلح، يضيف الوزير، فتم تسجيل نسب مهمة بخصوصه على مدار عشر سنوات من تطبيق المدونة، إذ بلغ عدد حالات الصلح في قضايا طلبات الإذن بالإشهاد على الطلاق التي سجلتها المحاكم على مستوى أقسام قضاء الأسرة بمختلف ربوع المملكة خلال سنة 2013 ما مجموعه 8702 حالة صلح، وبلغ هذا العدد في نفس السنة بخصوص طلبات التطليق ما مجموعه 10 آلاف و389 حالة، وهو ما يعني، حسب الرميد، أن المحاكم استطاعت أن تحافظ على كيان 18 ألف و491 أسرة خلال سنة واحدة فقط. وبخصوص انحلال ميثاق الزوجية بالطلاق، قال الرميد إن وضعيته عرفت نوعا من الاستقرار خلال عشر سنوات، إذ تراوحت حالاته بين أدنى معدل سجل خلال سنة 2010 بمجموع بلغ 22 ألف و452 رسما، وأعلى معدل سجل خلال سنة 2005 بمجموع بلغ 29 ألف و668 رسم طلاق، مع ملاحظة وجود تراجع في حالات الطلاق الرجعي مقابل ارتفاع عدد حالات الطلاق الاتفاقي التي بلغ عدد رسومها 14 ألف و992 رسما سنة 2013 بما نسبته 59.46 في المائة من مجموع رسوم الطلاق، مقابل عدد رسوم الطلاق الرجعي الذي بلغ 1877 رسما فقط بما نسبته 7.44 في المائة من مجموع رسوم الطلاق. وفي ما يتعلق بالتطليق، ذكر الوزير أن أحكامه عرفت ارتفاعا ملحوظا على مر السنوات إذ بلغت خلال سنة 2013 ما مجموعه 40 ألف و850 حكما بالتطليق مقابل 7213 حكما تم تسجيله سنة 2004، مع ملاحظة أن التطليق للشقاق يستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الأحكام، حيث وصلت نسبته خلال السنوات الثلاث الماضية إلى حوالي 97 في المائة ، مشيرا إلى أن الإقبال عليه لا يقتصر على الزوجات فقط بل إن الأزواج أيضا ينافسونهن في الإقبال عليه، حيث سجلت سنة 2013 نسبة 56% من طلبات التطليق للشقاق قدمت من طرف النساء و44% من الطلبات تقدم بها الرجال. وسجل أن تصريف القضايا داخل أقسام قضاء الأسرة يمر بشكل مقبول اعتبارا لكون نسبة القضايا المحكومة لم تقل خلال أغلب السنوات العشر من عمر مدونة الأسرة عن 81 في المائة من عدد القضايا المسجلة، في حين أن تنفيذ هذه الأحكام وفي معظم السنوات لم ينزل عن نسبة 86 في المائة من مجموع الأحكام المطلوب تنفيذها، مؤكدا ضرورة إيلائه مزيدا من الاهتمام من أجل الوصول إلى نتائج أفضل. وأبرز الرميد أن الوزارة عملت في السنتين الأخيرتين على بلورة أوراش هامة تم تنفيذها في إطار برنامج «دعم تطبيق مدونة الأسرة من أجل تسهيل ولوج النساء إلى خدمات العدالة»، مشيرا على الخصوص إلى ورش صندوق التكافل العائلي الذي يرمي إلى تحقيق نوع من الاستقرار والأمن والتضامن الأسري، وإرساء ركائز مؤسسة المساعدات والمساعدون الاجتماعيون في أقسام قضاء الأسرة ابتداء من سنة 2009 لتمكين القضاة من معطيات واقعية وعلمية بخصوص الوضع الاجتماعي للأسر موضوع النزاع، وتكوين 68 من أطر كتابة الضبط في المجال الاجتماعي. كما عملت الوزارة ، يضيف الرميد، على التحسيس بضرورة تسوية كل زواج غير موثق، وحث المواطنين المعنيين على استصدار أحكام بثبوت الزوجية قبل انتهاء الفترة المحددة لذلك، مشيرا إلى أن هذه الجهود أسفرت عن حصيلة إيجابية، حيث بلغ عدد الأحكام الصادرة خلال سنة 2013 ما مجموعه 23 ألف و57 حكما. ومن جانبها، قدمت بسيمة الحقاوي نتائج دراسة قامت بها الوزارة حول «التغيير في التمثلات وممارسات المواطنين والمواطنات بعد خمس سنوات من مدونة الأسرة»، سيتم تحيينها هذه السنة، مشيرة إلى أن 49.5 في المائة من المستجوبين أكدوا على أهمية المساواة في كل الحقوق بين المرأة والرجل، و75.5 في المائة أكدوا مساهمة المرأة التي لها دخل في نفقات البيت، فنفقات البيت لم تعد من مسؤولية الرجل فقط، كما أن أكثر من 75.5 في المائة تعتبر أن العمل المنزلي الذي تقوم به المرأة بمفردها مساهمة مادية، وأكثر من 50 في المائة يؤكدون أن مساهمة الرجل أصبحت ضرورية ويربطون ذلك بنسبة النساء اللائي أصبحن يشتغلن خارج البيت. وأشارت نتائج الدراسة أيضا إلى أن 54.8 في المائة تؤكد بشدة أن تربية الأطفال من مسؤولية الأب والأم معا، وهو ما يعبر، بحسب الحقاوي، عن التغيير الذي حصل في توزيع الأدوار بين الجنسين، حيث أكد 80.2 في المائة من المستجوبين أن المسؤولية المشتركة بين الزوجين مسألة إيجابية وتساهم في نجاح العلاقة الزوجية وتتيح الحوار بين الزوجين. واعتبرت الوزيرة أن تنفيذ مدونة الأسرة طرح عدة إكراهات تتمحور حول بعض الإشكاليات المرتبطة على الخصوص بقضية زواج القاصرات التي تشكل نسبته حوالي 10 بالمائة من مجموع رسوم الزواج، وحماية النساء المطلقات ووضعية أطفال الطلاق من جراء تفكك الأسرة، والعنف ضد النساء الذي يؤثر على استقرار الأسرة، إضافة إلى الولوج إلى الخدمات الاجتماعية والمعلومات القضائية. وأكدت على ضرورة تعميق النقاش حول هذه الإشكالات المطروحة، واستشراف مرحلة جديدة توفر أجوبة لمجموعة من القضايا من قبيل تأهيل فضاءات القضاء الأسري، والتعبئة الضرورية للموارد البشرية، وتطوير الوساطة الأسرية لتقوم بدور قبلي للوقاية من التفكك الأسري، إضافة إلى تحسين خدمات صندوق التكافل العائلي، ومأسسة إجراءات الصلح في مسطرة الطلاق، وتسريع مسطرة النفقة. ومن جهتها، أكدت ممثلة هيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، السيدة ليلى الرحيوي، أن مدونة الأسرة تمثل نموذجا للعراقيل التي يمكن أن تطرح على مستوى فعالية القوانين والانتقال من المساواة المنصوص عليها في القوانين إلى المساواة الحقيقية التي يعكسها المعيش اليومي للنساء والرجال. وأوضحت أنه منذ المصادقة على مدونة الأسرة، ظهرت عدة تحديات في مجال تنزيلها، مشيرة في هذا الصدد إلى استمرار الصور النمطية القائمة على النوع، وضعف وعي النساء بحقوقهن وصعوبة ولوجهن للعدالة، والتأويل المجحف لبعض مقتضيات المدونة. وتضمن برنامج الندوة تقديم عروض حول القضاء الأسري وآفاق الارتقاء به ومساهمة الجمعيات في تفعيل مقتضيات مدونة الأسرة، إضافة إلى ورشات تتمحور على الخصوص حول زواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، والنفقة، والطلاق والتطليق، وكفالة الأطفال المهملين، وصندوق التكافل العائلي.