الأرض تتكلم عربي ذات صباح نهضت من نومي على أغنية الأرض بتتكلم عربي تبث من الراديو، فانتابتني نزعة قومية تملكت كل مشاعري واقشعر لها بدني، وقلت لنفسي: إذا كانت الأرض الصماء تتكلم عربي فلم لايكون كل شيء في حياتنا يتكلم عربي؟ فقررت أن أعلنه يوما عربيا بامتياز في حياتي لا استعمل ولا آكل أي شيء إلا من الإنتاج العربي، أردت أن ارتدي ثيابي فكانت البذلة تركية والحذاء ايطالي وكل شيء أجنبي. ب حثت وبحثت فلم أجد سوى جلابية مصرية مع قبقاب سوري كي ارتديه، نزلت إلى المطبخ وأخبرت زوجتي برغبتي العربية وطلبت منها أن تطعمني فقط مأكولات عربية الإنتاج والمنشأ وأخذت المسكينة تفكر بما يجب أن تقدمه لي في النهار العجيب هذا، طلبت منها الجبنة فقالت تركية عرضت علي البيض فقلت لها من الهند، وماذا عن الخبز؟ فقالت قمحه أمريكي، في آخر المطاف طلبت بضع حبات تمر قالت هذا تمر إيراني، خرجت من البيت جائعا وهممت بركوب سيارتي عندما تذكرت أنها يابانية، مالعمل ياربي، هل هناك سيارة من صنع عربي؟ فكرت وبحثت وفي النهاية قررت، فكان نصيبي عربة يجرها حمار، أوصلتني إلى عملي بزفة من أولاد الحارة. في الطريق، رن الموبايل فلم أرد عليه، لأنه من صنع فنلندي، دخلت المبنى وصعدت السلالم إلى الطابق الثامن، لأني لا أريد استعمال المصعد الياباني، وصلت إلى مكتبي وأردت أن اعمل ولكني تذكرت فلم استعمل الكمبيوتر الأمريكي ولا طاولتي الماليزية وجلست على الأرض، أحسب الفواتير بأصابع يدي لأنها الشيء الوحيد العربي الموجود في المكتب. جاء الفراش الباكستاني ليخبرني بأن المدير البريطاني لمؤسستنا الحكومية العربية يريد رؤيتي، فطلبت منه أن يخبر المدير بأني لن أتعامل مع غير العرب هذا اليوم، فوصلني توبيخ باللغة الانجليزية مع تهديدي بالطرد في حال تكرار هذا الأمر. رجعت إلى بيتي بنفس العربة والزفة وجلست في الصالة على الأرض لأني لم أرد أن استعمل الأثاث الايطالي، ثم أزحت السجادة الإيرانية من الأرض و أردت مشاهدة التلفاز ولكني عدلت عن ذلك، لأنه من صنع تايلندي وقررت أن اقرأ الجريدة، ولكني تذكرت أن ورقها من فنلندا وآلات طباعتها ألمانية، فتركتها. حملت كتابا فوجدت انه لكاتب أمريكي ومترجم إلى العربية. فكرت مع نفسي هل يعقل أننا كعرب، ليس هناك شيء واحد نستعمله ويكون عربيا ومن إنتاجنا وليس مستوردا، إذا كانت حتى قناني الماء مستوردة من فرنسا وتركيا؟ فكرت وفكرت وفكرت، حتى غفوت ثم صحوت في اليوم التالي، إنسانا طبيعيا وبدأت صباحي مع البذلة الايطالية، وقلت في نفسي تعيش العروبة بعد التعديلات! النغل في قفّةٍ صغيرة وسط دجلة الهادئ، واقفٌ أدخنُ عقْبَ سيجارةٍ وأتأملُ غروبَ الشمس بعد أن رميتُ شِباكي. كنتُ أشعرُ بمرارةٍ، فأنا لا تؤلمني الخسارةُ بقدر ما يؤلمني جهلي في قواعد لعبة الحظ. فجأةً اهتزتْ شباكي. لم تكُ ثقيلةً، لكن لابد أن شيئاً قد علق فيها. سحبتها ببطءٍ وحذر لئلا يفلتَ العالقُ كما في مراتٍ سابقة. نثرتُ شباكي في الفضاء فلم أرَ سمكة أو طحالبَ، بل شيء غريب غير واضح الملامح. ألقيتُ الشباك في قاع القفَة ورحتُ أجذف نحو الشاطئ. تفحصتُ الشيءَ على بقايا ضوء النهار. ارتجّ جسدي مثل مصعوقٍ حينما رأيتُ طفلاً صغيراً بحجم الكف، قد عَلِقَ رأسُه في إحدى فجوات الشبكة بينا تشبثتْ كفاه الصغيرتان بخيوطها. «نغل» رددتُ مع نفسي شاتماً البشرية وخالقها. فكرتُ أن أرميه في النهر وأهرب، غير أن ما منعني في اللحظة الأخيرة شيء أغربُ من الخيال، حينما دبتْ حركة في جسده. قربته من عينيّ فرأيتُ جناحين صغيرين قد نبتا في ظهره. ملاكٌ إذنْ، خرج لي من الأساطير أو حكايات جدتي. تذكرتُ حكايةَ الصياد الفقير الذي اصطادَ حوريةً أغرقته بالذهب، فاستبدّ بي الطمع. أخفيتُ الملاك تحت إبطي وأسرعتُ عائداً إلى البيت. رفضتْ زوجتي إدخال «النغل» إلى البيت «حتى لو كان ملاكاً»، غير أنها لانتْ بعد توسلي بها، بل ازدادتْ حماساً بعد أن رويتُ لها قصةَ الصياد الفقير الذي اصطاد حورية. كان الملاكُ جائعاً فراحَ يضربُ الأرضَ بجناحيه غاضباً. حاولنا إطعامه إلا أنه كان يرفض أي طعامٍ نقدمه إليه، حتى اهتدتْ زوجتي بحسّها الأمومي إلى وسيلةٍ لاسكاتهِ. تلقفَ حلمةَ ثديها بشوقٍ وراح يرضع. جلستُ أمامهما وأنا أتطلع إلى المشهد فلم أستطع إيقافَ دموعي التي انحدرتْ برغم محاولتي لأبدو أكثر صلابة، حتى نسيتُ طمعي بالذهب وقررتُ تبنيه، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى لم يرزقنا بطفل لحكمة لا يدركها إلا هو. ارتفعَ شخيره فحسبتُه قد استسلم للنوم، إلا أن الصوت لم يكن شخيراً بل لهاث. دقائق ثم راح الجسد يكبر ويكبر حتى غطى جسد زوجتي التي استسلمت لسطوته، بل إنها تشبثتْ به غارزة أصابعها في ظهره، وارتفع صوت لهاثها تقطعه كلمات بذيئة تطلقها بنشوةٍ كبيرة. استيقظتُ غاضباً وكفي مشدودة تمسك قبضةَ خنجرٍ وهميَ تهمّ بغرزِ نصلِه في صدر زوجتي الخائنة، لأغسل عاري على الرغم من أني لستُ متزوجاً، ولا أفكر في ذلك إطلاقاً.