الشاعر المناسب لحالة اليأس ضمن سلسلة الغاوون الشعرية في لبنان، صدر للشاعر المغربي نورالدين بازين ديوان شعري موسوم ب «OK» يضم 21 قصيدة ويقع في 64 صفحة. وهو الديوان الثاني بعد «على باب معاني الكلام» الصادر سنة2004، واختيار سلسلة الغاوون يتناسب واختيار الديوان الشعري، إذ أسهمت هذه السلسلة في صدور دواوين شعرية حداثية الرؤية، حرصت أن تستجيب لمقولة الشعر «هنا الآن» وقد قدمت جغرافيات شعرية من أقطار عربية مختلفة. وكان المغرب الشعري الحديث حاضرا بقوة في وقت يوازي مشروع إصدار ثان رسخته دار النهضة العربية ببيروت التي حظي فيه الشعراء المغاربة بالحضور الأبرز. ديوان نورالدين بازين ينساق لنفس واحد على اختلاف القصائد المدرجة، إذ حرص الشاعر أن يعيد تشكيل رؤيته للشعر والذاكرة والعالم الهش، من خلال نص شعري لا ينمق لغته بحثا عن مجازات واستعارات بقدر ما يشكل قولا شعريا يلتئم بالتفاصيل واليومي بلغة بصرية تمتح من الخطاب السردي طرائقها في كتابة قصيدة تحكي تفاصيل جزء مما تراه، من خلال حضور المرأة وأعلام من سياقات مختلفة، من خلال حضور الذات اللافت بحدة وهي تتأفف من هكذا عالم هش، من خلال توظيف مفارقات الأشياء في صورها المتناقضة، تنزاح قصائد الديوان الحادية والعشرين كي تختار الدخول الى زمنها الأنطولوجي في سياق شعري أعاد التفكير في الشعر ووظيفته اليوم. ويجرب الشاعر العودة الى طفولته كي يستلهم تفاصيل ذاك الكائن الذي يرى الأشياء تعيشه «اليوم»، إذ لا تتجرد الذات من هكذا ميسم، خصوصا وهو يستعيد جزءا مهما من تفاصيل استرجاعاته ويجعلها بطرق شعرية غير عابئ بالعالم الذي أمسى هشا وعديم الجدوى. هي صور من خيباته التي تتكرر اليوم، مادامت الذاكرة لازالت محملة ب»فلاش باك» يتكرر ويعيد الشاعر من خلاله إعادة الإنصات لذاته وللعالم بعيدا عن عزلته وخلف القصائد التي تخفي آلامه.. «لا أحد يشاطرني حياتي سوى موت أمي وضياع طفولة أبي في داخلي»/ص57. تنمحي ذات الشاعر خلف ذاكرته، وكأن الماضي الحقيقة المطلقة للحياة، والراهن شيء ينمحي بسرعة، لذلك تصر القصائد على جعل صور اليوم أشبه بجينيريك ينتهي بسرعة وفي لحظة. وككل مرة يعيد الشاعر ربط جسور حضوره ووجوده ب»حبل السرة» والذي لم ينقطع بالمرة. وهنا تكشف القصائد عن مقولة «التشظي المضاعف» حيث تنمحي الذات خلف الفقدان والتيه والمتاهات. ويعيد الشاعر في كل قصيدة من قصائده الواحدة والعشرين رسم نفس الصورة الملتبسة واستدعاء العدم الذي أمسى يؤطر عالما هشا بدون معنى. تعرج قصائد «OK» وحتى في تلك الحالات الإيروتيكية، على صوت المرأة. فبموازاة الأم تحضر نساء «OK» بملمحهن ونسخهن الشكلية، إذ لاشيء يغري بالمرة غير التعبير عن العجز، وهو العجز الذي توازيه حضور ذات مثقلة بالفشل وغير قادرة على فعل أي شيء. بل تظل تعيد صور الذاكرة لأنها هي الحقيقة. وكأنه «الليبيدو» الفرويدي يتكرر مرة أخرى. وهو ما جعل من قصائد ديوان الشاعر نورالدين بازين «OK»، قصائد ترتهن لحضورها من خلال نداء داخلي يظل يتكرر، بل يتحول هذا النداء الى حالات العبث اللغوي الذي يصر الديوان أن يكرر صياغاته على المستوى التركيبي. إذ في كل مرة يعيد الشاعر نفي حضوره بحضور ينفي.. وكأنه سلسلة قصائد تضاد ونفي تتحكم في رؤية الديوان مجتمعة. نموذج 1 حسبي أن أكتم أغنياتي، لأغير الطريق كما الأيام في الذات ترسو أعثر على عناوين ضاعت مني في الصغر المشكلة أننا لا نتيه ولا نحاول أن نكون سعداء نموذج 2 تعانقني الكأس.. كأنني عالم مشدود من خصره ينحني للقصيدة ويصلي/ ص19 الأسى، البحر، الطفولة، الذكرى، واللعنة هذا هو المسار التراجيدي التي تعبره الذات كي تظل بدون مساحيق، عارية. ذات أثخنتها الجراح والعدم واللعنة لأن العالم الذي تعيشه لا يدعو للفرح، لذلك تقرر مبدأ «الشعر» / القلب» وتحرص أن يكون نفيا كي تعيد القصائد الإجابة على لحظة وجودها، بما هي لحظة لإعادة الكتابة، والشعر يظل سيد اللحظات ومن خلاله نعيد تشكيل هذه الصور والحيوات، بالشكل الذي يتطهر العالم من كبواته. ولأن قصائد الشاعر الأجدر بكتابة اليأس فديوان «OK» يعيد لوشائج الذات قدرتها على الحياة من جديد. * كابت مغربي