نظم مركز الحمراء للثقافة والفكر الملتقى «الدولي» الأول لقصيدة النثر بمراكش وذلك أيام 25-26 و 27 مارس 2011، تحت شعار «قصيدة النثر والوعي الحر» عرف مشاركة أسماء من المغرب والعالم العربي. ويسعى الملتقى مستقبلا أن يمتد الى بعده المتوسطي وبعدها الكوني. وكعادة الملتقيات في دوراتها الأولى، حاول ملتقى الحمراء أن يعبر عن هويته من خلال فعالياته. لكن هذا الأمر لم يتحقق، بحكم غياب شريك حقيقي وداعم. هذا، رغم المجهود الذي بذلته الهيئة التنظيمية لمركز الحمراء للثقافة والفكر وعلى رأسهم الشاعر نورالدين بازين، والناقد محمد آيت لعميم، ويسعى الملتقى السنة الماضية البحث عن صيغة تنظيمية تساعده في تدبير فعاليات الملتقى الدولي لقصيدة النثر كي يتحول الى محطة ثقافية أساسية تتأمل جنسا أدبيا يظل عصيا عن الاستقراء. الملتقى اتخذ صبغة عربية بحكم المشاركة الفعلية لشعراء وشاعرات ينتمون لدول الجزائر والعراق، الى جانب المشاركة المغربية التي حضرت بقوة. كما عرف الملتقى تنظيم ندوتين علميتين، حاولتا تأمل موضوع «قصيدة النثر وحوارية الأجناس الأدبية»، وهي الندوة النقدية التي عرفت مشاركة فعلية للنقاد: بنعيسى بوحمالة - عبدالعزيز بومسهولي عمر العسري في جلسة أولى سيرها الباحث عبدالصمد الكباص. وجلسة ثانية نسق فقراتها الناقد محمد آيت لعميم وشارك فيها النقاد: حسن لغدش حسن مخافي عبد اللطيف الوراري- عبد الغني فنان. واحتضن قصر الباهية ودار سي سعيد فعاليات الملتقى ككل، وهو الفضاء «الأسطوري» بقيمتهما التاريخية. واللذين أعطيا صبغة ولمسة سحرية خصوصا على فقرة القراءات الشعرية. حفل الافتتاح انطلق بكلمات الهيئة المنظمة مركز الحمراء للثقافة والفكر، والمديرية الجهوية لوزارة الثقافة بمراكش، والمجلس البلدي لمراكش. وهي الكلمات التي أكدت على خصوصية تنظيم ملتقى قصيدة النثر في مدينة الشاعرة مراكش، كما توقفت عند خصوصية هذا الجنس الإبداعي «الزئبقي» والذي يتأبّى عن النمذجة. حفل الافتتاح تلته فقرة القراءات الشعرية. وكما انطلق الملتقى انتهى بديباجة البلاغ الختامي والذي كان عبارة عن نص شعري ألقاه الشاعر رشيد منسوم. القراءات الشعرية لم تؤثر غيابات بعض الأسماء الشعرية العربية والمغربية على فقرة القراءات الشعرية بحكم الحضور المكثف للأسماء، ولو أن التأثير لمس إمكانات التعرف على ملامح وسمات أكثر دقة لنماذج من «قصيدة النثر» العربية والمغربية. خصوصا أن الغياب مس أسماء لها صيتها في هذا المجال. الأمسية الشعرية الأولى احتضنها فضاء قصر الباهية، ونسق فقراتها القاص والمبدع أنيس الرافعي بمقاطع تستلهم تجارب الشعراء ونبض قصيدة النثر في الاختلاف. وذكر المبدع أنيس الرافعي الحضور بالمحتفى به الشاعر سعد سرحان والذي لم يكن أبدا طالب أوسمة الشعر، شاعر فذ خط خصوصيته بنصوصه كما رسم مساره الإبداعي والإنساني بفرادة لانهائية. وقد تناوب على جلسة القراءات الشعرية كل من الشعراء والشواعر: الشاعرة المغربية فتيحة مورشيد من خلال نص الشعري «جريحان» من ديوانها الأخير «ما لم يقل بيننا»، الشاعر الجزائري حرزالله بوزيد «يحسب قد ملأ الفضاء بمحض دقيقة»، والشاعرة العراقية ورود الموسوي تلت «وشم عقارب» و»هل أتى»، الشاعر المغربي اسماعيل زويريق قرأ نصا في مديح مراكش من «قارعة الهذيان» والشاعرة المغربية وداد بنموسى «كانت خفيفة الظل» بنصوصها الشذرية القصيرة ترصد نبض اليد والأصابع، لتختتم بسؤال «هل تعرفني؟»، الشاعر المغربي محمد بشكار قرأ نصا شعريا من ديوانه الأخير «المتلعثم بالنبيذ» وأنهى الشاعر العراقي علي البزاز الأمسية الشعرية الأولى بنصوصه الممثلة «لقصيدة النثر» في شعرية الالتباس. الجلسة الثانية من القراءات احتضنها فضاء «دار سي سعيد» ونسق فقراتها الناقد محمد آيت لعميم، وعرفت مشاركة قوية للشعراء والشواعر ممثلي كافة الحساسيات الشعرية اليوم ابتداء من الشاعر العراقي عبدالكريم كاصد، والجزائري سعيد هادف والشعراء المغاربة سعيد الباز- ياسين عدنان- محمد أحمد بنيس - نورالدين بازين- إلهام زويريق- عبد الحق ميفراني- نجاة الزباير- عبد الرحيم الخصار- رشيد منسوم - جمال أماش- مصطفى الرادقي- محمد الصالحي خالد الريسوني ابراهيم أديب... القراءات التي قوت الانطباع العام على تعدد النصوص الشعرية المغربية وغناها وهو ما لامسته القصائد المقروءة إذ قدمت لنا صورة على حساسيات شعرية تمتد من التسعينات الى الألفية الجديدة. وجلها انخرط في مشروع قصيدة النثر شعرا وقراءة. الندوات العلمية: قصيدة النثر وحوارية الأجناس احتضن ملتقى قصيدة النثر في دورته الأولى جلستين علميتين، حاولتا لملمة أرضية للتفكير في أسئلة قصيدة النثر، هذا «الشكل الأدبي الذي حير هواه التصنيف والتحديد الأجناسي»، الجلسة الأولى التي سيرها الباحث عبدالصمد الكباص عرفت مشاركة كل من الناقد بنعيسى بوحمالة والباحث عبدالعزيز بومسهولي والشاعر والناقد عمر العسري. وقد اعتبر الناقد الشعري بنعيسى بوحمالة أن الشكل الشعري رغم صرامته، لا يمكن أن يقيد قصيدة النثر التي اعتبرها بما فتحته من إمكانات لا متناهية، مرحلة الانتقال من الشفوي الى الكتابي. قصيدة النثر الموسومة ب»التعددية» بصيغها الشعرية وتعددية لغاتها ومرجعياتها استطاعت أن تحسم مع إشكال التعددية أي الاقتراب من الممكن الكتابي والقطع مع الذاكرة الشفوية للشعر العربي. وعرج الناقد بوحمالة على كرونولوجيا التاريخية لتشكل قصيدة النثر من خلال التجارب العربية (الحاج، الماغوط، مؤيد الراوي، فاضل الغزاوي...) والذين تمثلوا قصيدة النثر ولم يسقطوا في المرجعية الفرنسية كما حصل مع مجموعة بيروت. فما طرحته سوزان برنار هو أليق تطبيقا على الشعر الفرنسي لا الشعر العربي. لذلك يؤكد الناقد بوحمالة أن التجربة الشعرية في العراق استطاعت في مرحلة تاريخية مبكرة أن تتوافر لهم الإمكانات على التعرف على إبدالات قصيدة النثر من حيث هي نص كتابي تعددي. ينتهي الناقد بوحمالة الى خارج مثلث القاهرة بغداد بيروت، ليباشر الشعريات الهامشية ولو تأخرت، ويعترف أنه لا يمكن أن نتحدث عن عقد خالص لقصيدة النثر المغربية. إذ كان يلزم الكثير من الجرأة لكتابة قصيدة النثر حتى حدود الثمانينيات، فبعد مناوشات أولى للشاعر المهدي أخريف ورشيد المومني بنوع من المواءمة مع قصيدة التفعيلة. حدث تحول في ثمانينيات القرن الماضي باتساع رقعة الشعراء الذين انخرطوا في كتابة هذا الجنس الإبداعي، مع أن هناك تفاوتا ملحوظا في التجارب. يتوقف الناقد عند نقطة أساسية إذ لاحظ تدرجا في الانتقال لكتابة قصيدة النثر أي النقلة من أفق الى أفق آخر، ويرى الناقد بوحمالة فيما يشبه الجزم، أن على الشعراء أن يباشروا علاقتهم الأولية بالشعر من خلال قصيدة التفعيلة، وإلا سنكون أمام تجارب «مشكوك فيها». وينتهي بنعيسى بوحمالة الى أن ألق قصيدة النثر اليوم يأتي من الخليج، إذ أصبح الدور الريادي اليوم للأطراف الهامشية العربية، كما لا يمكننا أن نسقط في وهم أن قصيدة النثر هي نهاية الشعر. إذ ستفضي قصيدة النثر الى شكل شعري آخر. الباحث عبدالعزيز بومسهولي قدم ورقة عميقة تستقرئ قصيدة النثر من منظور مختلف يستلهم العمق الفلسفي. إذ يقر منذ البداية أن الأشكال الشعرية ليست خاضعة لنزوة بل هي تموقفات من الوجود. وحوارية الأجناس في قصيدة النثر ملامحه تنطلق من شعرية اليومي الى نصب أفق الكائن النصي. ويقر الباحث أن السؤال ليس الماهية؟، بل هو أيضا سؤال للكيفية. إذ ليست مسألة الهوية بقدر ما يمكن اختيار التجربة انطلاقا من الغيرية لتشكيل جديد مستحدث، الوجود على خلاف الوجود. يواصل الباحث عبدالعزيز بومسهولي في ما يشبه استكشاف خصائص فكرية لسمات قصيدة النثر بالحدث على أربعة أسس حول تجربة قصيدة النثر. إذ يعتبرها كيفية وجود، ومسألة التحول الذي فرضه هذا الوجود والذي أعطى حياة لقصيدة النثر. شكل جديد في ظهورها عند العالم الغربي دون استعاد إرهاصاتها في التراث الصوفي العربي. إن توقع الكائن يفضي الى انبثاق شعريات مختلفة كما يعطي للكائن كيفية تعبير مختلفة عن الشعر الذي يعتبر تحررا حتى من نمطية مغايرة. وهنا يتساءل الباحث هل نمط وجودنا اليوم هو نمط وجودنا ماقبل الحداثة..اليوم، ثمة تفاعل بين الذات والآخر. قصيدة النثر هي أيضا تعبير عن تجربة الجسد، بما هي قصيدة/رغبة مفتوحة يمكن أن نتمثل الوعي الجسدي الحر بشكل أكثر تفاعلية. كما أعادت قصيدة النثر علاقتنا باللغة وفق تجديد مغاير. إذ تجاوزنا تلك المرحلة الاستبدادية التي خضع لها الشعر العربي وفق نموذج معين ونمط محدد وفق تصور ثابت للشعر وبنية محددة للغة، بحكم أن الثقافة العربية الشعرية تنتمي الى «الأعرابي» أي لغة حسية مفتقرة الى التفاعل الحضاري. ينتهي الباحث عبدالعزيز بومسهولي الى أن تجربة قصيدة النثر أسقطت الجدار السميك للغة، فمقطع صغير «شذري» يولد الحركة، ويعبر عن انبثاق تجربة أخرى. قصيدة النثر هي رغبة بامتياز وهي ماهية الإنسان بتعبير سبينوزا وهي طريقة تعبير غير نمطية، إذ هي ليست شكلا جاهزا. هي إمكانية مفتوحة على لانهائية العالم النسبي المشترك بيننا، ومن تم تصير علاقة الكائن واليومي تجربة ممكنة، اليومي يتمثل كحاضر وما يفتأ يتكرر وليس عودته، ومن خلاله تتحول القصيدة الى تجربة وجودية وميتافيزيقية. يعمق الباحث بومسهولي في نهاية مداخلته من مفهوم «الجسدنة» في تجربة قصيدة النثر كحركة مضادة للوجود تولد العالم. الشاعر والناقد عمر العسري تحدث عن مداخل الشعري في قصيدة النثر من خلال المدخل والمكون والمستوى، فمداخل الشعر تلتبس بمفهومين متداولين ويتناولان نفس المعطيات الداخلة في مفهوم الشعر وماهيته وهما المكونات والمستويات، مكونات الشعر ومستويات النص الشعري. تلك المكونات التي تتجه الى المفهوم النظري والمستويات تتجه نحو المفهوم الإجرائي. مداخل شعرية، يؤكد الناقد العسري، لا تنفك عن مفهوم شعرية المتخيل. في جهات النظر والمداخل يعتبر الناقد العسري أن المدخل السردي يستوعب الصور البيانية ويؤطرها، المدخل التصويري القائم على الكناية والتشبيه بمعناها الأوسع يشكل التفاعل بين الاستعارة والطباق والتجنيس، المدخل التناصي هو المدخل الأمثل لبعض النصوص الساخرة والنصوص المعارضة والمناقضة، الى جانب المدخل الإيقاعي والبصري حيث علاقة الشعر بالتشكيل. يثير الناقد العسري أن قصيدة النثر تنتمي الى اللغة، لا نحوا بل ارتباطات أخرى موسيقية وتشكيلية وتناصية. وينتهي الناقد الى التباس المداخل كأحد المداخل الكبرى لشعرية قصيدة النثر ولا يقتصر النبش عن قوانين الخطاب الشعري إنما يقف عند قوانين استكشاف المكون الجمالي والرؤيوي. الجلسة الثانية التي أطرها الناقد محمد آيت لعميم، عرفت تقديم مداخلات النقاد حسن مخافي، حسن لغدش، عبداللطيف الوراري، وعبدالغني فنان. الناقد حسن مخافي قدم عرضا نظريا تعريفيا وسلسا لموضوع الندوة «قصيدة النثر وحوارية الأجناس» من خلال التركيز عن قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، إذ يعتبر الناقد حسن مخافي أن قصيدة النثر في العالم العربي هي استمرار للقصيدة العربية الحديثة وأغلب الدراسات تقفز عن قصيدة التفعيلة، وتربطها بأنماط أخرى {الشعر الحر..( أو الشعر الفرنسي مع سوزان برنار. يعود الناقد حسن مخافي في تأطيره النظري الى بدايات تشكل قصيدة النثر العربية من خلال إسهامات حركة شعر {له كتاب نقدي صادر في هذا الباب). ويعتبر في إطار نقط التقاطع بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر الى أن الأولى تمتلك الكثير من خصوصيات الثانية. فمع حركة شعر انطلقت قصيدة النثر كمحاولة لتأسيس مفهوم جديد للشعر العربي انطلاقا من محاضرة يوسف الخال سنة 56 وهي أرضية لتشكل هذا التجمع الكبير. وتوقف الناقد مخافي عند سمات محددة، كالوزن الذي اعتبره مكونا شعريا وليس ضرورة، عند الظاهرة العروضية (التدوير العروضي)، عند الرؤيا الشعرية إذ تعتبر القصيدة فكرة غيبية كبرى كناية عن عالم ينطلق من التجربة الفردية للشاعر، وهي تجربة وجودية تؤدي الى إعادة تشكل العالم، تجربة أنطلولوجية. لقد تغيرت وظيفة الشعر، كما تطور التنظير للشعر العربي وهو مسار تطوري طبيعي. أما على مستوى الإبداع فاعتبر الناقد حسن مخافي أن القصيدة العربية مرت بمرحلتين. مرحلة السياب والملائكة في إعادة النظر الى البيت الشعري، ومرحلة ثانية حيث تقترب قصيدة التفعيلة من قصيدة النثر من خلال نصوص شعرية من بحور مركبة، أو من خلال اللغة الشعرية. وإذا كان السؤال هو ماذا بقي من قصيدة النثر؟، فإنها استمرار طبيعي للقصيدة العربية الحديثة وليست منفصلة عنها. الناقد حسن لغدش توقف عند تجربة الشاعر المغربي طه عدنان «أكره الحب» كنموذج اعتبره الناقد لشاعر مهجري انتسب الى قصيدة النثر. يعتبر الناقد لغدش أن عنوان الندوة دال على تلاشي الحدود، واهتمامه بديوان طه عدنان نابع من أن «أكره الحب» هو ديوان بخصوصية مهجرية، تفكير طازج لا ينفصل عن تجربة حياتية، ليتوقف عند سمات وملامح قصيدة طه عدنان المتفردة في خصوصيتها. واقترب الناقد عبداللطيف الوراري من دراسة أنماط بناء الجملة الشعرية من خلال ثلاثة دواوين شعرية مغربية، معتبرا أن كل قصيدة تختار منطقها الخاص ونحوها وقصيدة النثر أنتجت خطابا شعريا مختلفا. الناقد عبدالغني فنان أذهل الحضور بنص نقدي عبارة عن قصيدة النثر «نقدية»، ناقد قدم مداخلته باللغة الفرنسية مركزا على حوار بين بورخيس وساباتو ليقدم في النهاية «تنويعات حرة على اللامتنهى»، إذ ركز على عنصر النص المفتوح من خلال تنويعات أولية على ما استشف من أسئلة الكتابة عند بورخيس وساباتو كي ينتقل الى خلق حوارية مفتوحة تستدعي مفاهيم وبؤر لفظية تودي في النهاية الى مآل فريد ونوعي «خصوصية قصيدة النثر» كجنس أدبي منفتح ومركب وتعددي، هو شبيه بفرحة كافكا بجملته «أنظر من النافذة». حوار بورخيس والكاتب الأرجنتيني الكبير إرنستو ساباتو عرف نقاشا من مستويات عميقة تهم الأدب. وذلك لأن أديبين من المستوى الكبير ذاته يلتقيان ويتحاوران وجها لوجه. وقد جرى التعارف بين هذين الأديبين في بداية الأربعينات من القرن الماضي وذلك خلال اجتماعات مجلة(سور) لدى سيلفينا أوكامبو وادولفو بيوي كاساريس. خلال خمس جلسات تمكن الاثنان من بحث عدة أمور ثقافية إذ تحدثا بشكل عام عن الأدب، ثم تحدثا عن الكاتب الأمريكي ادغار ألن بو وعن ثربانتس (ورائعته »دون كيخوته« التي كانت محور عدة شروح منهما)، كما تحدثا عن ستيفنسون وعن كافكا. وكان ساباتو يعرف جيدا كيف يلخص وضعه في أدب عصره. كما كانا يتكلمان عن أهمية اللغة، ولعلها نفس الموضوعات التي تسمح بخلق منظور جديد لقصيدة النثر. عموما شكلت كل من الندوة الأولى والثانية مناسبة لمساءلة قصيدة النثر التي أضحت في الآونة الأخيرة محط اهتمام النقد والملتقيات والمهرجانات، فقصيدة النثر بعنوانها الحامل للنقيضين بنص متوتر، آبق، سرعان ما ينفلت من كل تنميط، هي رغبة الشعر في أن يجدد دورته الشعرية في كل حين، هي كتابة ضد التخثر والسباحة في المياه الراكدة، إنها جموح مستمر، هي المطاردة الدائمة للمعنى واكتشاف يومي للحياة، تكتب ضد الجاهز، ضد النمط ، ضد التقاط الشيء في ذاته...» . احتفاء مؤجل بتجربة شاعر مختلف: سعد سرحان إجمالا يمكن الاتفاق مع جميع الأطراف المشاركة في الندوة الاحتفائية بتجربة الشاعر المغربي سعد سرحان، أن محطة الاحتفاء ستظل مؤجلة الى حين التمكن من تنظيم لقاء خاص وندوة تقارب منجزه الشعري. فالفقرة الأخيرة من برنامج الملتقى خصص لجلسة احتفاء بالشاعر المغربي سعد سرحان، تدخل خلالها كل من ياسين عدنان، الفرسيوي، وعبدالرحم الخصار. وإذا كان هذا الأخير قد استوقفته محطة أولية لاحتضان الشاعر سعد سرحان لأحد نصوصه ونشرها في الغارة الشعرية، وهو ما اعتبره الشاعر الخصار أبوة لافتة. فإن الفرسيوي خطاط مجلة الغارة وخراطيشها، كان تلقائيا لأبعد الحدود وعبر بنبل إنساني لافت عن علاقته بسعد سرحان. تلك العلاقة التي جعلته يغير آراءه في الأشياء والعالم ودفعته الى إعادة تحفيز ملاكاته في مجال الكاليغرافيا. أما الشاعر ياسين عدنان، رفيق دربه، فقد أعاد الحضور الى محطات أساسية من تجربة الغارة الشعرية ورسم بورتريها خاصا للشاعر سعد سرحان الشاعر والإنسان. وهو البوح الذي أمكننا معه التقرب أكثر من مسارات هذه التجربة المهمة في تشكل التجربة الشعرية الجديدة في المغرب. بقراءة البلاغ الختامي للملتقى من طرف الشاعر رشيد منسوم يكون ملتقى الحمراء العربي الأول لقصيدة النثر، قد أنهى أشغاله. على أمل الانتظام السنة القادمة. على أن مؤسسة مركز الحمراء للثقافة والفكر وإيمانا منا بمشروعية قصيدة النثر، تطمح لأن يكون هذا الملتقى تقليدا حقيقيا، وأن تستضيفه مراكش كل سنة ، فهي مدينة شاعرة منفلتة بطبعها، جامعة بين النقيضين..الملتقى بانتصاره لهذا الجنس الأدبي يكون قد فتح أفقا من أجل تبادل الخبرات والإنصات لجديد النصوص الشعرية، مع مصاحبة هذا الإنصات الشعري تأملا نقديا بغية فتح نقاش جدي حول خصوصيات كتابة قصيدة النثر..». لقد حاولت مؤسسة مركز الحمراء للثقافة والفكر أن تجعل من هذه المحطة الثقافية، موعدا لتأمل مسارات قصيدة النثر عربيا والاقتراب والإنصات من منجزها النصي.. أخفقت حينا ونجحت حينا، لكن يحسب لهم أنهم أسسوا لنواة أجندة ثقافية مهمة تحتاج للدعم الكبير.