يجب الاعتراف بجهود وتضحيات الجيل الأول من المهاجرين المغاربة إلى الديار البلجيكية رشيد مضران من مواليد العاصمة البلجيكية بروكسل في 15 أبريل سنة 1968، أصله من بني يزناسن بمدينة بركان المغربية. أبو»ليلة» درس الصحافة ببلجيكا وحاز على الإجازة في الصحافة والإعلام، ثم اشتغل صحفيا بإذاعة خاصة لمدة طويلة، قبل أن يصبح فيما بعد ملحقا صحفيا ومتحدثا باسم أحد وزراء الحكومة البلجيكية. ثم عمل مستشارا ببلدية مولمبيك وهي إحدى البلديات التسع عشر ببروكسل. هذه المهمة قادته فيما بعد إلى أن ينتخب عضوا بالمجلس المحلي بنفس البلدية، فمساعدا لعمدتها، قبل أن يصير برلمانيا باسم الحزب الاشتراكي، ووزيرا بجهة بروكسل بمكلفا بملفات التعمير، الثقافة، العلاقات الاجتماعية، النقل المدرسي والعلاقات الخارجية. كيف جاءت فكرة التحول من مجال الصحافة والإعلام إلى خوض غمار السياسة؟ المجال الإعلامي والسياسي ليسا بعيدين عن بعضهما البعض. عندما كنت صحفيا قمت بلقاء، مثل ما تفعلين الآن، مع إحدى الشخصيات السياسية. ثم عرض علي هذا الرجل أن أعمل معه كملحق صحفي بحزبه، قلت في نفسي ربما يكون الميدان جديدا علي ولكن لم لا أخوض المغامرة، فوافقت وبدأت مساري السياسي. لكن لا أخفي أنني كنت حتى قبل ذلك الوقت من أنصار الحزب الاشتراكي. لماذا الحزب الاشتراكي وليس غيره؟ لأنه الحزب الذي يهتم دائما بالمهاجرين، ويدافع عن الشباب. وكان والدي من المنخرطين في النقابة ولديه الحس السياسي والديمقراطي. إذن الأب هو الذي زرع فيكم حب السياسة؟ نعم، وبلا جدال والدي كان له الدور الأهم في حبي للنضال السياسي والمساواة بين جميع أفراد المجتمع. بالإضافة إلى أن الحزب الاشتراكي في بلجيكا، ومنذ 30 أو 40 سنة، كان أكبر مدافع عن المهاجرين المغاربة. ففي ذلك الوقت لم يكن للمغاربة جنسية ولم يكن لهم حق في الانتخاب، ولم يكن هناك من السياسيين من يهتم بهم سوى الحزب الاشتراكي. ومن هنا جاء الاتصال بالحزب وبشخصياته كالسيد فليب مورو الذي وضع قانونا ضد العنصرية في بلدية مولمبيك، لتأتي لاحقا السيدة لوغيت أونكلنكس. وبالنسبة لي كان من الطبيعي أن أنتمي إلى هذا الحزب وليس غيره، لأنه الحزب الأول الذي كان يدافع عن الجالية المغربية، وأنا أنتمي إليه منذ سنة 1985. من الثمانينات إلى الآن كيف تقيمون أداء الحزب؟ وهل من تغيير على مستوى آليات العمل ؟ نعم، فالعالم تغير، والحزب كذلك، لكن الفلسفة والقيم هي هي: المساواة، وهي القيمة الأكثر أهمية.. الحرية، المساواة بين الرجل و المرأة، الدفاع عمن هم أكثر ضعفا، والأكثر ضعفا هنا هم المهاجرون الذين يعانون من مشاكل عدم الشغل والفقر وغيرها. ونحن نحتفل هذه السنة بمرور نصف قرن على تواجد الجالية ببلجيكا. هناك إيجابيات، هذا أكيد، لكن هناك أيضا مشاكل يجب عدم تجاهلها. كيف تتعاملون مع هذه المشاكل التي تعانيها الجالية المغربية؟ أنا وزير لكل البلجيكيين، وليس للمغاربة فقط، ولكن طبعا لدي إحساس خاص تجاه المغاربة. ومن أجل ذلك قمت في سنة 2008، حتى قبل أن أكون وزيرا، بتقديم مشروع ضد العنصرية فيما يخص العمل بالنسبة للشباب من أصل غير بلجيكي، أي أبناء الجاليات. فهناك ثلاثة قوانين طبقت ضد العنصرية وهي قانون فليب مورو، وقانون لوغيت أونكلنكس، ثم قانون رشيد مضران. وبحكم موقعي كوزير، أنا أهتم أيضا بالتكوين المهني الخاص بالنسبة للشباب ببروكسل، فالعمل متوفر ولكن هناك مشكل عدم الانسجام بين متطلبات العمل ومستوى الشباب من المهاجرين. لذلك فالتكوين ضروري جدا، ويجب مساعدة الشباب على ذلك من أجل الحصول على عمل، ومن أولى الأولويات بالنسبة لي هي التعليم والتكوين المهني المتخصص. بالمقابل كان هناك مشروع قانون آخر حول التجمع العائلي، مشروع أثيرت حوله العديد من الانتقادات والمشاكل، وصار الكثير من الناس يقولون أن رشيد مضران ساهم في تنفيذ مشروع قانون حرم العديد من التجمع العائلي؟ على العكس تماما، من قال ذلك؟ لنوقف التسجيل بضع دقائق و تعالي معي الآن على الإنترنت ولنشاهد صورا بالصوت والصورة من البرلمان، تؤكد لك حقيقة موقفنا من هذا المشروع. من قال هذا الكلام أكيد أنه لم يفهم شيئا، الأحزاب الأخرى خاصة الفلامانية وضمنها برلمانيون من أصل مغربي هم من صوتوا لفائدته. كنا الوحيدين كبرلمانيين ضد هذا القرار. وكذلك كان موقفي. كل الأحزاب الأخرى قالت لا نريد التجمع العائلي، إلا نحن كنا ضد هذا المشروع الذي فرض قيودا جد صعبة من أجل التجمع العائلي. كيف تتعاملون كوزير مع هذه الانتقادات؟ في المجال السياسي لا بد من الانتقادات والكلام. أنا من جانبي أعمل، ولدي قناعاتي ولا أهتم للأقاويل. كل إنسان له أن يفكر كما يحب، وطبعا لا يمكن أن يكون رشيد مضران محبوبا من طرف الجميع، هناك من يحب وهناك من لا يحب رشيد مضران، وهذه هي الديمقراطية. ومن جهة أخرى، معلوم أن الناس نوعان، منهم من يعمل بكد، ويشتغل، ومنهم من يتكلم وينتقد. المغاربة احتفلوا بالذكرى الخمسين لتواجدهم بالديار البلجيكية، فهل تعتقدون أن الجهات المسؤولة أعطت للحدث ما يستحقه من أهمية؟ رأيي الشخصي أن الجهات المسؤولة أعطت أهمية للحدث. لكن لنتساءل أولا، لماذا هذا الاحتفاء أصلا؟ فهو تكريم لأوائل المهاجرين الذين جاءوا في ستينيات القرن الماضي. فهؤلاء لو لم يأتوا يومها، لما كنا نحن اليوم هنا. علما أنهم عملوا في المناجم، وفي السكك الحديدية، دفعوا الثمن من غربتهم وصحتهم، منهم من فارق الحياة إلى رحلة ثالثة، كما أقول دائما، ومنهم من مازال على هذه الرحلة. واليوم نريد أن نقول أيضا إن الجالية المغربية إذا كانت هنا ببلجيكا، فهي جاءت بطلب من البلجيكيين وبناء على اتفاقية مع المغرب تقضي بحاجة بلجيكا إلى عمال ليقوموا بأعمال صعبة جدا، أعمال رفض البلجيكيون القيام بها. لذلك يجب الاعتراف بجهود هؤلاء الرواد الذين قدموا في أوائل الستينات. بلجيكا استقدمت العمال من المغرب لأنه في ذلك الوقت وقعت كارثة في أحد المناجم لعمال ايطاليين ومات أثناءها 300 ايطالي. فرفضت إيطاليا إرسال عمالها إلى هنا، ولجأت بلجيكا إلى العمالة من دول أخرى على رأسها المغرب والجزائر وتونس واليونان. فإذا نسي الجميع آباءنا وتضحياتهم، فنحن لن ننساهم... هم الأوائل الذين قدموا إلى بلجيكا وكانوا يعملون على مسافة 800 متر تحت الأرض في المناجم، وفي الأعمال الصعبة والخطرة، ولولاهم لما تمكنا نحن من الدراسة والوصول إلى ما وصل إليه الكثير من أبناء الجالية. فعلا درستم وتألقتم، السيد الوزير، كما تألق العديد من أبناء الجالية واستطاعوا الاندماج، ورغم ذلك فلازالت الجالية وشبابها يعاني من العديد من المشاكل، كالمساواة في العمل، الحق في السكن، والعنصرية.. فهل تعتقدون أن المستقبل سيبتسم أكثر لمغاربة بلجيكا؟؟ أنا متفائل جدا. فعلا هناك مشاكل، ولكن المشكل الكبير بالنسبة لي هو التربية الأسرية، المدرسة، والتكوين المهني المتخصص. فهناك من الشباب من ولد ودرس هنا ببلجيكا،، ومع ذلك ليس لديه المستوى المطلوب. لذلك سنعمل على افتتاح مركز في 2015 من أجل مساعدة شباب بروكسل وتمكينهم من التخصص كتقنيين في مجالات عديدة. فالتكوين هو المهم، وهو المستقبل. وبالنسبة إلى الوسط الأسري، هو مهم أيضا، آباؤنا كانوا أميين ومع ذلك كانوا يتابعون ما نفعل ويوجهوننا، فالآباء يتحملون أيضا مسؤولية كبيرة في دعم ومرافقة أبنائهم. الجيل الأول كان ارتباطه بأرض الوطن قويا، وساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للمغرب، هل تعتقدون أن الأجيال المتعاقبة سيكون لها نفس الدور خاصة وأن جيل الشباب يفتقر نوعا للإحساس بذلك الانتماء للثقافة المغربية؟ هذا مشكل كبير فعلا. أعتقد أن مسؤولي البلدين، في المغرب وبلجيكا، يجب أن يتعاونوا فيما بينهم من أجل تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة الثقافية والزيارات المتبادلة بين شباب المغرب، والشباب من الجالية. فالمسؤولية تقع في رأيي على البلدين، خاصة المغرب الذي لا يجب أن ينظر إلى أبناء الجالية كجالبين للعملة فقط، بل يجب تشجيعهم على حب الوطن، وتيسير الأمور أمامهم.. هل من جهود تقومون بها في هذا المجال؟ نقوم بأشياء عديدة بين المغرب وبلجيكا على المستوى الثقافي وغيره من أجل تشجيع الشباب على الإبقاء على الروابط مع الوطن الأم. ولكن يبقى ذلك غير كاف. فمثلا عندما يذهب الشاب ويجد صعوبات في الباخرة، والجمارك، أو حتى على مستوى شركة الخطوط الملكية المغربية وأسعارها المرتفعة، فهناك صعوبات في الكثير من الإجراءلت على مستوى الإدارات المغربية... وكل هذه العوائق تنفر أحيانا أبناء الجالية من صلة الرحم مع الوطن. وقد التقيت شخصيا هنا بوزير الهجرة أنيس بيرو خلال تواجده ببروكسيل مؤخرا حيث وعد بالاشتغال على مشاكل الجالية ومحاولة إيجاد حلول لها. وأغتنم هذه الفرصة لأروي لك قصة وقعت لي شخصيا عندما حصلت على البكالوريا في بلجيكا. أحببت أن أذهب للمغرب من أجل الحصول على شهادة بكالوريا ثانية باللغة العربية، لم يكن لدي الإمكانيات المالية، فقصدت سفير المغرب، ولا داعي لذكر الأسماء، فالأمر يرجع إلى سنوات الثمانينات من القرن الماضي. تفاجأ هذا المسؤول المغربي وقال لي إنه لأول مرة في حياته يسمع أن هناك من يريد أن يذهب من بلجيكا إلى المغرب من أجل الحصول على شهادة بكالوريا باللغة العربية. وقال إنه ليس هناك منح من هذا النوع، ونصحني أن أسأل في السفارة المصرية، وفعلا سألت هناك وقبلوا أن يقدموا لي منحة دراسية بمصر، لكن والدي رفض لأنه لم يشأ أن أذهب إلى المجهول في ظل تلك الظروف الصعبة، ووسائل الاتصال أيضا لم تكن سهلة كما الآن. لنعد لموضوعنا، فالمغرب تغير وتطور، هذا أكيد، لكن لازالت هناك بعض العوائق. أنا أحب بلدي الأصلي ومتشبث به، لذلك نريد أن يفتح لنا المسؤولون هناك الأيادي، وأن لا نشعر أننا مهاجرون في بلجيكا، ومهاجرون في المغرب أيضا. فنحن من أبناء الوطن. وحتى على مستوى تاريخ الهجرة وفئات المهاجرين، هناك من غادر المغرب في ستينات القرن الماضي، وهناك من قدم سنوات بعد ذلك، لهذا يجب معرفة كيفية التعامل مع كل جيل حسب اختلاف العقليات والأفكار. المغرب بلد أبائنا وأجدادنا. وأنا عندما يطلب مني مثلا هل أفضل المغرب أم بلجيكا، أجيب قائلا إنه لا يمكن الاختيار بين الأب والأم، أو المشي بقدم واحدة.. لابد من قدمين.. من أجل معرفة من أين أتيت.. فلا يمكنني أن أنسى أنني من جبل يسمى بني يزناسن وبن يعلى. وأشعر بالسعادة عندما أقول إنني من مدينة بركان التي أعشقها. مدينة بركان فقط؟؟ بل كل المدن المغربية، مراكش، ورزازات، تزنيت، الدارالبيضاء... وعندما أقول بركان أعني نقطة الأصل، أو الجذر، كما نقول نحن المغاربة. لكن المغرب كله هو بلدي وبيتي. بما أن لديكم سيدي الوزير كل هذا العشق للمغرب، فالأكيد أنكم على علم بالتحولات التي يعرفها المغرب خاصة بعد المصادقة على الدستور الجديد الذي منح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، كيف تنظرون لهذا الأمر؟ أنا اشتراكي وأفضل حكومة اشتراكية، لكن أرى في نفس الوقت أن الحكومة الحالية تقوم بأشياء إيجابية، وذلك في ظل إكراهات الأزمة الاقتصادية التي تخيم حاليا بظلالها على كل مناطق العالم. ومتطلبات الشباب المغربي هي نفس متطلبات الشباب في كل العالم، فهم يطالبون بالحق في العمل والتكوين. المشكل هو أن الدولة لا يمكنها أن تشغل الجميع، تماما كما هو الشأن عندنا في بلجيكا. لذلك يجب إيجاد حلول ومعايير ملائمة لحل مثل هذه المشاكل، كاستقطاب شركات خاصة مثلا من أجل الاستثمار وتطوير فرص العمل. من جهة ثانية، من وجهة نظري كإنسان عادي، وليس فقط كسياسي، فأنا أرى أنه ليس من العدل أن يشتري مثلا الغني أو أصحاب المصانع الكبرى قنينة الغاز بنفس الثمن الذي يشتريها الفقير، هناك بعض الشركات الكبرى في المغرب التي تشتري المواد المدعمة بنفس الثمن الذي يشتري به المواطن ذو الدخل المحدود، فهل هذا معقول؟؟ ومع ذلك كله، أرى أن المغرب في تطور مهم بالمقارنة مع 25 سنة خلت. خاصة في المناطق الشرقية فيما يخص مثلا البنيات التحتية. هناك اهتمام أفضل بشكل واضح وهذا ما يجعلني دوما متفائلا. بعيدا عن رشيد مضران الوزير، لنتحدث عن رشيد مضران الإنسان، ما هي علاقتكم الخاصة بالمغرب بلد الآباء والأجداد؟ علاقتي بالمغرب هي علاقة عاطفة، وحب كبير. المغرب كالأم، الأب، الجد، أو الجدة، علاقة لا يمكن وصفها... هي باختصار علاقة عشق كبير. كلما ذهبت إلى هناك أشعر بدفء المشاعر والعلاقات، إضافة إلى جمال الجو ورائحة التربة والبلاد، وطريقة الحياة. أشعر بارتياح كبير. المغرب هو رئتي الثانية، هو الإخوة، العائلة، ابتسامة الأطفال، هو أيضا مشاعر التعاطف التي نحس بها أمام الفئات المحتاجة ومعها الإحساس كذلك بالسعادة التي يولدها ما نلاحظه من تضامن اجتماعي بين المغاربة. المغرب أيضا هو الشرفات التي تطل على البحر، كؤوس الشاي، الجلباب التقليدي. أنا أعشق الحديث مع كبار السن لدى تواجدي بالمغرب. هناك أيضا استرجع أيام العطل والطفولة. لذلك كنت جد متأثر عندما كنت في زيارة رسمية إلى المغرب مند شهر تقريبا خاصة عندما وجدت حوالي 1500 شخص ينتظرونني في مدينة بركان، جاءوا من بعيد فقط لكي يسلموا علي. تأثرت جدا وبكيت فرحا بهذه الحفاوة. وشعرت بافتخار كبير. فأنا أعشق المغرب لأنه قدم لي الكثير. ماذا قدم لكم المغرب؟ قدم لي القوة، وعزة النفس وعدم طأطأة الرأس، الافتخار، وإرادة النضال المستمر. رغم أنكم ولدتم وتربيتم هنا ببلجيكا؟؟ نعم، ولكننا تربينا على الطريقة المغربية، كنا أناسا بسطاء، ولكن أبدا لا نحني، دائما مرفوعي الرأس. تربينا على الارتباط الوثيق بالأصل والجذور. وكان والدي دائما يقول لنا نحن فقراء ليس لدينا شيء في أيدينا أو جيوبنا، ولكن لدينا عقول نفكر بها. والغنى ليس بالمال، ولكن بالتربية والعلم. كلمة أخيرة من رشيد مضران لمغاربة العالم سواء داخل أو خارج الوطن؟ سأقول لكل أحبتي المغاربة ما قاله كندي»لا تسأل وطنك ماذا يمكن أن يفعل من أجلك، بل اسأل ماذا يمكن أن تقوم به أنت من أجل وطنك». سعدت جدا بحواري معكم، وعبركم أبعث بتحياتي وحبي لكل المغاربة.