يكاد يجمع الفرقاء السياسيون والمراقبون لسير حياتنا السياسية والحزبية على أن الخطاب السياسي بلغ أسفل المدارك، ونفس الاتفاق موجود أيضا حول نفور فئات واسعة من شعبنا، وخصوصا في أوساط الشباب والنخب، من السياسة والعمل السياسي، ولكن هذا التشخيص صار من الضروري إنزاله من طابعه المجرد والنظري ليتجسد اشتغالا عمليا على واقعنا السياسي، وليفضي إلى رصد الاختلالات بشكل ملموس، والعمل من أجل معالجتها. السياسة حقا هي خطاب وفكر، وهي أيضا برامج ومنجزات تحقق على الأرض لفائدة الناس، لكنها كذلك هي أشخاص وزعامات و... أحزاب، ولا توجد تجربة واحدة في العالم نمت فيها الديمقراطية وتطور العمل السياسي بداخلها من دون أحزاب قوية أو في غيابها. في بلادنا أيضا لا يمكن إعادة الاعتبار للسياسة، ولا يمكن تحقيق تصالح الشباب معها ومع ممارستها إلا من خلال أحزاب قوية ومنظمة وذات قرار مستقل، وتتوفر لها الوحدة الداخلية وإمكانات العمل وجدية المواقف ووضوح الرؤية والخطاب، وآنذاك سيكون في إمكانها ليس فقط الفعل في الصيرورة السياسية والمجتمعية، ولكنها أيضا ستقوي دورها باعتبارها صمامات الأمان الحقيقية التي تحمي البلاد وتصون مكتسباتها واستقرارها العام. من دون شك توجد اليوم عوامل موضوعية تأثرت بها مجتمعات مختلفة نتيجة انتشار قيم جديدة وسط الناس، وفي ظل تحولات كبرى عاشتها الإنسانية في العقود الأخيرة، وكل هذا ربما أفضى إلى إنتاج سلوكات لم تكن موجودة في السابق، وتغيرت نظرة الأجيال الجديدة للشأن العمومي وللالتزام الفردي والعمل المنظم، ولكن بقدر ما يتحتم اليوم حسن قراءة كل هذه التغيرات السوسيولوجية والثقافية والقيمية على صعيد مجتمعنا، وبلورة أشكال التفاعل معها من لدن الفاعل السياسي الوطني، فإنه أيضا من الضروري تقوية الوعي العام بحاجة بلادنا وشعبنا إلى... السياسة، وإلى إعادة امتلاك قدرة الفعل من طرف شعبنا وقواه الحية والحقيقية. المغرب ليس بلا تاريخ أو تجارب في السياسة وفي العمل الحزبي والمجتمعي، وقد كان دائما يعتز بثراء هذه التجربة وتفردها على مستوى الجوار العربي والإفريقي، ولهذا، فإن التحديات المطروحة عليه اليوم تفرض عليه الإصرار على هذا التميز والارتكاز عليه من أجل تمتين مساراته الديمقراطية والمؤسساتية، وأيضا من أجل تقوية منجزه التنموي والإصلاحي، وبالتالي لاستنهاض شعبه وتعبئة كل إمكاناته لكسب رهانات الوحدة والاستقرار والديمقراطية والتقدم والتنمية. واضح إذن أن البداية لابد أن تكون من خلال تأهيل حقلنا الحزبي الوطني أولا، ومن خلال صيانة التعددية السياسية الحقيقية، ومن خلال دعم مسلسلات تمتين البناء الذاتي للأحزاب الجدية والحقيقية، وإسهام مختلف الأطراف في الرقي بمستوى الخطاب والممارسة السياسيين في بلادنا، وكل ذلك من أجل أن يعود المغاربة بقوة إلى... السياسة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته