نشرت «جريدة الاتحاد الاشتراكي»، مساهمة قيمة للأستاذ محمد حبيب طالب تحت عنوان «مقدمة تمهديدية للمناقشة الجماعية» في عدديها المؤرخين ب 29 و30 أكتوبر 2009. وكمثيلاتها السابقة، فإن هذه المبادرة تحفز على استيعاب مضامينها، نظرا لما تطرحه من أفكار وتحليلات تستعرض مرحلة بأكملها ابتداء من دستور 1996 وكذا مناقشتها بشكل متواضع وموضوعي. وفي هذا الاطار، يتبين أن الورقة تحمل خطابين مختلفين ومخالفين أحدهما للآخر، إن لم نقل متناقضين وتحتمل - بالتالي - قراءتين متباينتين ومتعارضتين بالرغم من إبداء نوع من الوثوقية في الموقف المدافع عنه، والذي صيغ على النحو التالي: «هل كان اختيارنا لما أسميناه ب «مرحلة الانتقال الديمقراطي» وب «منهجية التوافق الوطني»، وما ترتب عنهما من تصويت ايجابي لصالح دستور 96، ثم مشاركة القوى الديمقراطية في حكومة التناوب التوافقي وبعدها المشاركة في الحكومتين التاليتين... هل كان هذا الخيار صائبا وضروريا؟ بدون العودة إلى أدبياتنا، وأدبيات القوى الديمقراطية التي تموقعت في هذا الاختيار، والتي عللت وشرحت معانيه وظروفه وملابساته، فإننا مازلنا على قناعة تامة بصوابية هذا الاختيار بمفاهيمه المؤطرة وبالخطوات المترتبة عنه ». بالرغم من ذلك، يمكن الفصل بين خطابين اثنين وهما في نظرنا: خطاب الاستمرارية في الموقف السابق خطاب القطيعة مع الموقف السابق. وفي هذا المقال، سنحاول إبراز ملامح الخطابين من خلال ما جاءت به المقدمة التمهيدية. ينطلق خطاب القطيعة مع الموقف - حسب وجهة نظرنا - من تحديد مقومات الانتقال الديمقراطي المنشود كما يلي: «إن تصورنا للانتقال الديمقراطي، كان ولايزال، تصورا تاريخيا وجدليا. تاريخيا، من حيث أنه لا يقتصر على مطلب نزاهة الانتخابات، ولا على تناوب حكومي منقوص السيادة، إن صح التعبير، ولا على نمو لا يغير في الهياكل الاقتصادية - الاجتماعية - الثقافية، ولايؤسس لفوز الديمقراطية واستقرارها. إن تصورنا، كان ولايزال يبتغي الوصول الى مؤسسات منتخبة نزيهة وذات مصداقية، وحكومة قوية وذات سيادة سياسية، ونمو يضمن الديمقراطية الاجتماعية والحداثة الثقافية. وهي كلها مهام مازالت في جلها أمامنا لا وراءنا». وجدليا، من حيث أن الانتقال الديمقراطي هو سيرورة مركبة ومتناقضةلا تنمو مركباتها على وتيرة واحدة، فمنها ما يتقدم، ومنها ما قد يسير ببطء أو يتراجع، كل بحسب موازين قوى المجتمع كافة، وفي هذا المجال أو ذاك». هذا تصور نظري مبدئي من قبيل البرنامج السياسي الذي تناضل من أجله الاحزاب التقدمية. و هو في ذات الوقت بمثابة نقد ضمني لما هو موجود، إذ لا الانتخابات نزيهة ولا التناوب الحكومي كامل السيادة ولا تغيير أفرزه النمو في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إن هذه المهام وغيرها« هي كلها مهام مازالت في جلها أمامنا لا وراءنا». فهي تعني القوى اليسارية بشكل مباشر وعليها ابتكار الاشكال النضالية الملائمة من أجل تغيير موازين القوى على الساحة السياسية، وتحقيق هذه المهام. فالمعضلة تتعلق إذن بكيفية تصريف هذا البرنامج ليجد طريقه الى التطبيق. وهنا وجب الاجتهاد لبلورة سبل إنجاز المهام تلك. سيما إذا أضفينا على هذه الوضعية صورة أكثر تعقيدا وحولناها الى ظاهرة مزمنة عابرة لتاريخ المغرب المستقل حسب هذا الطرح: «إذن نحن أمام نفس السؤال الإشكالي، سواء عندما كانت التقدمية في المعارضة أو عندما شاركت في الحكومة. والسؤال كان ولايزال هو التالي: لماذا يعجز المجتمع المغربي عن تحقيق قفزته الديمقراطية طيلة خمسين سنة ونيف؟ ورغم أنه تميز بوجود قوة سياسية ديمقراطية، تمتعت بحضور فاعل في الحياة السياسية مقارنة له (أي المغرب) مع تجارب أخرى معاقة»؟ في هذه الحالة، تصبح مسؤولية الاحزاب اليسارية مضاعفة، ومؤداها تحقيق القفزة الديمقراطية المأمولة. وهذا ما يفترض في هذه الاحزاب أن تكون في مستوى التحديات المطروحة عليها، ومن ذلك أن تتصرف طبقا للتصور التالي: «ووفق هذه الحقيقة التاريخية، فإن التوافق مع المؤسسة الملكية خيار لا بديل عنه، شريطة ألا يفهم من ذلك ممارسة انتظارية ذيلية، تلغي أو تحجم في الواقع العملي مسؤولية وأدوار القوى الديمقراطية واستقلاليتها في التعبير عن مصالح القوى الاجتماعية التي تمثلها، فضلا عن المصلحة الوطنية العليا. وبالرغم من العوائق المجتمعية القائمة، فلا أحد يستطيع أن يتكهن مسبقا بالتفاعلات التي من شأنها أن تستنهض الحركة الجماهيرية وتخرجها من عزوفها الراهن. ولا خيار للقوى الديمقراطية في هذا الوضع المحجوز سوى خيار الممارسة الجماهيرية، فهي وحدها الكفيلة بالخروج من المأزق الحالي» إذ كان خيار التشبث بالتوافق بمثابة لازمة لا محيد عنها، فإن هذا لا يجب أن يجر الاحزاب التقدمية الى الانزواء في الانتظارية التي قد تصل الى درجة ذيلية وعليها عكس ذلك أن تعتمد على «خيار الممارسة الجماهيرية» باعتباره الخيار الوحيد لتجاوز الوضع المحجوز الذي تعيشه بلادنا. ها قد وصلنا الى تبني خط الجماهير لكونه الطريق الوحيد الذي تبقى لنا إن نحن عقدنا العزم على الخروج من المأزق الحالي. وبهذا نكون قد أقدمنا على تغيير التاكتيك المعتمد في العقد السابق والمؤسس على انتظار الاصلاح من فوق، من خلال التواجد في الحكومة، واستبدلناه بالتعبير عن مصالح القوى الاجتماعية في الواقع العملي أو لربما انتقلنا الى الانخراط في أسلوبين متكاملين، وهما الاصلاح من فوق والاصلاح من تحت لتفادي السقوط في الاخطاء السابقة المتمثلة في فقدان التواصل والصلات مع القواعد الحزبية، بل حتى مع الاجهزة القيادية بما فيها المكتب السياسي. إن هذا الواقع قد أثر تأثير سلبيا على عمل الاحزاب اليسارية الحكومية الى درجة أنها وجدت نفسها في هذا الوضع: «لكن الحقيقة أننا كنا أمام جمود تنظيمي حزبي شبه مطلق، مبعثه هو الآخر، أن القوى الاشتراكية دخلت المشاركة الحكومية بلا تحليل معمق لاستراتيجية الانتقال الديمقراطي، ودون تثقيف مسبق لقواعدها وأطرها بما كان ينتظرها من احتمالات وتحديات، وما كان الظرف يستدعي منها من استعدادات تكتيكية ومؤهلات جماهيرية حماية للتجربة ودعما لها وتقليلا للخسائر الواردة». هذه الوضعية غير الصحية ليست في صالح القوى التقدمية وهي مدعوة للعمل على استنهاض طاقاتها المبدعة والنضالية ليكون لها حضور وازن في ما ينتظرها من مهام جسيمة. وتأتي الإصلاحات السياسية والدستورية في مقدمة هذه المهام بالنظر لحاجة الوطن لها في الظرف الراهن، وذلك بسبب ان الوضع الدستوري الذي عليه الحكومة ، من حيث صلاحياتها ومسؤوليتها على الجهاز الإداري وعلى العديد من المؤسسات، مبتور في النص والعمل. وقد عبر الاستاذ عن ذلك بما يلي: «نحن إذن بحاجة ماسة الى دستور جديد، يأخذ العبرة من التجربة الدستورية الحالية، ويستهدف الرقي بالتوافق الجاري الى وضع مؤسسي ديمقراطي أكثر نجاعة وعصرنة، ويأتي في مقدمة هذه التغييرات المطلوبة، منح الحكومة كهيئة دستورية مستقلة كامل صلاحياتها في أن تحدد «السياسة العامة للدولة وتديرها» كما ورد في مذكرة الكتلة لسنة 1996. وكذلك، بمنح مجلس الحكومة حق اقتراح التعيين في الوظائف المدنية السامية، وحق إعفاء الوزراء من طرف الوزير الاول. فالهدف المتوخى من الدستور المبتغى هو إضفاء طابع الوضع المؤسسي الديمقراطي الأكثر نجاعة وعصرنة على التوافق الجاري، وهذا لن يتأتى إلا ب«منح الحكومة كهيئة دستورية مستقلة كامل صلاحياتها» ومنح الوزير الاول حق إعفاء الوزراء. لكن هذا المطلب يصطدم بعقبة يصعب التعامل معها. ومن هنا تنبع تعقيدات الشأن الدستوري في المغرب وتتخذ هذه الصبغة. «ان الاشكالية الدستورية بوجه عام، أننا مازلنا بحاجة الى دور دستوري قوي للمؤسسة الملكية، ولكننا ايضا بحاجة لدور دستوري قوي لحكومة ذات شخصية سياسية مستقلة ومتضامنة، ويمكن محاسبتها، شعبيا ومؤسساتيا، على أفعالها الحقيقية لا المجازية. ونعتقد أن هذه الاشكالية قابلة للحل دستوريا وسياسيا وعمليا» فكيف الوصول الى معادلة سياسية تحتفظ للمؤسسة الملكية بدور دستوري قوي وتلبي حاجة الحكومة الى دور دستوري قوي؟ في نظر الاستاذ الطالب، هناك قابلية لحل دستوري وسياسي وعملي. لكنه يبقي هذا الحل معلقا. المهم يكمن في تحديد الاشكالية وطرحها. مع ذلك، فإنه يقترح صيغة للتعامل مع هذه الاشكالية وفق المحددات التالية: «ان الطرح الدستوري الذي نقدمه لا يتقيد بموازين القوى التقليدية، كما جرت العادة في الماضي، ولكنه يتطلع الى حساب المصلحة الوطنية العليا، والتي أمست في حاجة الى توافق جديد يخرج البلاد من مآزقها السياسية المتجددة، والتي تعوق انتقاله الديمقراطي، وسترتد وبالا في المدى المتوسط أو البعيد على الاحزاب والنظام والمجتمع جميعا. نعم للجهوية المتقدمة، ونعم للاتمركز، ونعم للمفهوم الجديد للسلطة... لكن، لا هذه، ولا تلك يمكنها أن تثمر أغراضها، وأن تنقذ مصداقية المؤسسات والدولة والاحزاب، إلا في ظل دستور جديد يحقق طفرة حقيقية في حياتنا السياسية». في إطار التفكير في الحلول الممكنة لهذه الاشكالية، يتعين وضع موازين القوى جانبا. وبالمقابل، يتوجب استحضار حساب المصلحة الوطنية العليا التي أضحت في أمس الحاجة الى توافق جديد من شأنه اخراج البلاد من مآزقها السياسية المعيقة للانتقال الديمقراطي، والمهددة بالارتداد وبالا على الاحزاب والنظام والمجتمع. وكل ما يتعلق بالجهوية المتقدمة أو اللاتمركز أو المفهوم الجديد للسلطة، كل هذا لا يمكن ان يقوم مقام التوافق الجديد في ظل دستور جديد يحقق طفرة حقيقية في حياتنا السياسية. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي - إذن - تجاوز التوافق الجاري من أجل إرساء دعائم توافق جديد من خلال تجاوز الدستور الجاري، من أجل دستور جديد، قادر على تحقيق طفرة حقيقية في الحياة السياسية المغربية. ما يهم هنا هو أن التوافق الجاري والدستور الجاري، قد استنفدا أغراضهما وأضحيا معيقين لتقدم الحياة السياسية ببلدنا. هذان الموقفان من التوافق ومن الدستور لهما انعكاس - كذلك - على الموقف من الحكومة، وان كان هذا الأخير مؤجلا الى ما بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2012 كما تم التنصيص على ذلك من قبل. وعليه، وبخصوص المناقشة حول البقاء أو الانسحاب من الحكومة الحالية، يقول الاستاذ: «ومع ذلك هناك بعض الفائدة في هذه المناقشة، من جانب أنها فرصة للتأكيد على رؤيتنا في المبدأين التاليين: أولا، أننا سنكون بالضرورة مع المشاركة في أية حكومة قادمة شرط أن تكون منسجمة ومتضامنة وذات برنامج سياسي واضح، ولها صلاحيات فعلية لتنفيذه، وتعكس ميزان قوى انتخابي حقيقي لصالح قوى التقدم. ثانيا: وفي الوضعين، المعارضة أو المشاركة، إن فرضت الضرورة السياسية أيا منهما، فإن مركز الثقل في العمل الحزبي اليساري ينبغي أن يتوجه الى إصلاح الاوضاع الذاتية جذريا، وبما يستهدف استنهاض المشاركة الشعبية وإعادة الارتباط بها. لكي لا تتكرر مآسي كل التجارب الحكومية السالفة، بل والتجارب النضالية السابقة عامة». ان الغرض من هذه الفقرة هو التأكيد على مبدأين مرتبطين بالمشاركة في الحكومة مستقبلا وبالعودة الى العمل الحزبي وإيلائه الاهمية التي يستحقها من اجل ترتيب شؤون الاحزاب التقدمية وتقويتها، بما يمكنها من الارتباط مجددا بالجماهير الشعبية واستنهاض قدراتها الكفاحية. وفي كلتا الحالتين، يبدو التأكيد واضحا وصريحا. إن المشاركة في الحكومة القادمة مشروطة بانسجامها وتضامنها وتوفرها على برنامج سياسي واضح ، وعلى صلاحيات فعلية لتنفيذ برنامجها وهي انعكاس لميزان قوى انتخابي لصالح قوى التقدم. بقي أن نتساءل حول ما إذا كانت هذه الشروط مجتمعة ام متفرقة. اما في حالة كونها مجتمعة، فيمكن الجزم - منذ الآن - بأن هذه الشروط لن تكون متوفرة بهذه التدقيقات في سنة 2012 هذا علما بأن المحطة الانتخابية لسنة 2012 ستكون لصالح الوافد الجديد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، تغطيته الحالية للجماعات والغرف المهنية ومجالس الاقاليم و الجهات، وكذا مرتبته الاولى في مجلس النواب ومجلس المستشارين التي حصل عليها حتى دون ان يشارك في انتخاباتها كحزب قائم الذات.. فهو المؤهل - تبعا لهذا - لأن يقطف ثمار الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستظل علامة الاستفهام مطروحة حول نزاهتها وتموقع السلطة منها وبالتالي، فما على احزاب اليسار - الحكومية خاصة - سوى الاستعداد لعدم المشاركة في الحكومة المقبلة والقيام بدور المعارضة المناضلة ضدها. وعليها ان تتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها، وذلك بترتيب بيوتها وبعث روح النضال داخلها لكي تتمكن من تعبئة الجماهير والدفاع عن مصالحها ومصالح الوطن. وحتى يكون اليسار في الموعد، يرى الاستاذ أنه: «وعلى النقيض من هذه الذرائع والتبريرات، وبدون الدخول في تفاصيل تقييماتنا عن كل فصيل، فإننا ندعو لتصور وحدوي جذري وفوري، يفضي الى الوحدة الاندماجية في حزب اشتراكي واحد وموحد...». وبما ان اليسار التقدمي مهدد في وجوده، فلم يعد له من خيار آخر غير الوحدة الاندماجية، ولرص صفوفه وصهرها فكريا وتكوين أطره ومناضليه ، يجب على اليسار التقدمي العمل على إيلاء الايديولوجيا الاشتراكية الاهتمام اللائق بها. وهذا ما صاغه الاستاذ كما يلي: «ما نود استخلاصه في النهاية، أننا بحاجة الى إرجاع الاعتبار للايديولوجيا في حياتنا الحزبية، والى إغناء وتجديد تفكيرنا الاشتراكي، و الانكباب على عملية تثقيف واسعة ودائمة لأطرنا وقواعدنا الحزبية. وهذا لن يتأتى على أحسن وجه إلا من خلال القيام بمراجعة جماعية فكرية للتراث الاشتراكي بكل تفرعاته، قديمه وجديده. ومن خلال إعادة ربط الصلة العضوية بين الحداثة وبين المشروع الاشتراكي، وكذلك بإيجاد صلات الوصل بين الايديولوجيا الاشتراكية وثراتنا التقدمي». وحتى يوفر اليسار حظوظ النجاح لنهجه المستقبلي، من الضروري بلورة «البرنامج المجتمعي النهضوي» ذي السمات التالية: «ان البرنامج المجتمعي الذي نعنيه هو العصب الحي لعمل كل الهيئات القيادية والقاعدية. وهو نهج تعبوي، تنظيمي وسياسي وإيديولوجي، متماسك ومتكامل الاهداف، ينطلق من التحليل الموضوعي للتحولات الاجتماعية في كل مرحلة، ومن مطالب وأهداف وأساليب عمل مع كل فئة أو مكون من المكونات المجتمعية. ويجيب عن الاسئلة المستقطبة التي طرحتها الممارسة المجتمعية على الحزب في كل مرحلة ولدى كل فئة. ولأن التراجع في الحياة السياسية العامة هو طابع المرحلة، فإن الهدف المركزي الذي وضعناه للبرنامج المجتمعي المرحلي، نتوخى منه استنهاض القوى الشعبية وإعادة ارتباط القوى الاشتراكية بها. وهذا ماجعلنا نسميه ب «البرنامج المجتمعي النهضوي». فكما هو واضح من الفقرة، فإن الغاية من «البرنامج المجتمعي النهضوي» هي تمكن اليسار من الاداة الكفيلة بجعله قويا ومتراصا، وبإمكانه التطبيع مجددا مع النضال الجماهيري المنظم لتحقيق الديموقراطية. هكذا نكتشف ان الاستاذ محمد حبيب طالب يوجه خطابا يقطع مع موقف الاستمرارية في «التوافق الجاري» ويدعو الى توافق جديد مؤسس على دستور جديد، مفروض فيه ان يحقق طفرة حقيقية في الحياة السياسية المغربية ويضمن الصلاحيات الكاملة للوزير الاول.. وفي ذات الوقت، يعلن ان الخيار الوحيد المتبقي لليسار التقدمي هو تبني «خط الجماهير». من أجل ذلك، فما على اليسار سوى السير في طريق الوحدة الاندماجية وإعادة الاعتبار للإديولوجية الاشتراكية وترتيب البيت، وإعادة الارتباط بالجماهير في سبيل الخروج من المأزق الحالي. كما حدد موقفه المبدئي من المشاركة في الحكومة القادمة، واضعا شروطا محددة لذلك، لا نعقد أنها ستتوفر بعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2012. خاتمة لقد حاولنا أن نبرز ملامح الخطابين اللذين يخترقان المقدمة التمهيدية حسب رأينا. وعملنا على التركيز على ما يهم اليسار التقدمي بالاساس. وتجب الإشارة الى أننا لاندعي الاحاطة بكل ما كتبه الاستاذ محمد حبيب طالب في هذا المجال، أو أن باستطاعتنا الإلمام بكل تحاليله واجتهاداته في هذا الصدد. ولعلنا تمكنا - قدر الامكان - من إبراز أن خطاب الاستمرارية في الموقف السابق يستند الى التوافق بين المؤسسة الملكية والبقاء في الحكومة مع اعتبار إنجازاتها ومساندة مشاريعها ومخططاتها الجديدة.. كما عملنا على ملامسة مكونات خطاب القطيعة مع الموقف السابق، من خلال الدعوة الى توافق جديد والمطالبة بدستور جديد، ومن خلال الانخراط في «خيار الممارسة الجماهيرية» بما تتطلبه من ترتيب بيت اليسار التقدمي، وتوحيده وإعادة الاعتبار للايديولوجية الاشتراكية، وتكوين مناضليه.. هكذا، فالخطاب الاول يكرس عمليا «الجمود التنظيمي الحزبي شبه المطلق» والانتظار الى حدود سنة 2012 على الاقل، فيما يبدو أن الخطاب الثاني - وفق هذا التحليل - هو موجه الى مرحلة ما بعد سنة 2012. فما المانع من سلوك نهج «خيار الممارسة الجماهيرية» من طرف الاحزاب اليسارية من الان فصاعدا مادام أمر الحكومة مثلا لن يعالج حسب المبدأ المعبر عنه أعلاه، وما المانع من العمل على ترجمة المطالب والاقتراحات المصرح بها الى تدابير وإجراءات على أرض الواقع؟ أم أن علينا ان ننتظر الى أن تحين ساعة أفول «المرحلة الجارية في الانتقال الديمقراطي»؟