ملْمس حنان في زمن قاس لَكأنّ كتاب سامي مهدي «في الطريق إلى الحداثة، دراساتٌ في الشِعر العراقيّ المعاصر» الصادر عن دار ميزوبوتاميا ببغداد عام 2013، في أربعمائة صفحة. أقول لَكأنّ هذا الكتاب آتٍ من زمنٍ سعيدٍ بعيدٍ، يومَ كان العراقُ مؤهَّلاً للريادة في أكثر من مَنْشَطٍ. كانت تلك الفترةُ، محتدَمَ جدلٍ، في السياسة والثقافة، واختيار الطريق الأمثل. وعندما يحتدمُ الجدلُ ويحتَدُّ، يولَدُ النقدُ. إذْ لا نقدَ في الأدبِ، إنْ لم يكن ثمّتَ نقدٌ في السياسة والنظرةِ العامّة إلى العالَم . اليومَ، باستثناء الأكاديميا العراقية، وحالتِها الخاصّة، يختفي النقدُ تماماً، لأنّ جدل الخيارِ الأمثلِ، أمسى خطَراً وحظْراً. من هنا احتفائي بالكتاب، لأنّ فيه ما يُذَكِّر ( إنْ نفعت الذكرى ! ) .
يتناول سامي مهدي، سبعة أسماء يرى أنها قدّمتْ جهداً في الطريق إلى الحداثة: عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، بلند الحيدري، سعدي يوسف، محمود البريكان، حسين مردان، صفاء الحيدري . أمّا بدر شاكر السياب فقد أفردَ له مكانةً خاصّةً في كتابٍ سوف يصْدرُ.
لي أن أقول ( بل عليّ )، إن الأمانة والدقّة التي تحلّى الكاتبُ بهما، نادرتان في زمنٍ يتعجّلُ فيه الناسُ المعنيّون بمتابعة هذه الظاهرة الثقافية أو تلك، حتى لا يكاد المرءُ يثِقُ بما قيلَ أو استُنتِجَ. ولقد فرحتُ، حقّاً، لمكانةٍ أُفْرِدَتْ في الكتاب، للشاعر صفاء الحيدري. في أيّامنا، أيام الفتوّة، كنا نرى في صفاء الحيدري، أمثولةً للحرية والتجديد، والمسْلكِ اليومي للشاعر كما تصوّرْنا .
شخصيّاً، أتوجّهُ إلى سامي مهدي، بالتحية ... لقد أرهقتُه، بسببٍ من تقلُّبِ وجهي في المسار الشِعريّ، حتى كلّفتُه خمسين صفحة من كتابه المرموق، لكن الرجل تحلّى بصبرٍ نادرٍ، حدَّ أنه رأى في مسيرتي الشِعرية ما يستحقُّ التقدير الاستثنائي: أصبحت القاعدة الذهبية التي يعتمدها في كتابة شِعره هي: اللاقاعدة. فهو يُشَكِّلُ قصيدته بناءً على ما تلهمه به اللحظةُ الشِعرية، وهو يفعل ذلك بحرية مطْلقة هي حرية الشاعر الواثق من نفسه والمطمئن إلى سلامة خطواته.