دوار «أنمل».. حكاية مواطنين اتخذوا من الجبال بيوتا لم تكن الزيارة المنظمة يوم الأربعاء الماضي إلى دوار أنمل بالجماعة القروية النزالة، في إطار الدورة 16 لخميس الإعلامي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لعمالة إقليم ميدلت يومي الأربعاء والخميس الماضيين، زيارة استطلاعية، للوقوف، فحسب، على المنجزات التي أحدثتها المبادرة الوطنية بهذه المنطقة المتواجدة بجبل على ارتفاع يقدر بحوالي 2000م عن سطح البحر، بل الأمر هنا يتعلق برغبة قوية في التعرف على نمط حياة ساكنة هذا الدوار التي تعيش حياة صعبة والتواصل معها بخصوص المشاكل والمعاناة التي تتحملها مقابل الحياة في هذه المنطقة المتميزة بتضاريس وعرة ومناخ قاس. طريق وعرة في اتجا ه تصاعدي لدوار إنمل على طول المسافة الرابطة بين الطريق الوطنية 113 ودوار إنمل، وهي عبارة عن طريق غير معبدة تم إصلاحها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية، كانت تترآى لنا هنا وهناك على مسافة بعيدة، تجمعات سكنية قد لا يتعدى عدد البيوت فيها ثلاثين إلى أربعين منزلا في أحسن الأحوال، وهي بيوت متقاربة بينها في مكان ومتباعدة في مكان آخر. ونحن على متن سيارات رباعية الدفع نقطع هذه الطريق المجردة التي كلفت تهيئتها مبلغ 1060000.00 درهم، كنا قليلا جدا ما نصادف مرور مركبة بنفس الاتجاه أو الاتجاه المعاكس، وكان نادرا، أيضا ما تلوح لناظرنا الحقول الفلاحية ونحن في عز موسم الأمطار، مجرد أراض شاسعة تكسوها أعشاب متفرقة. وعلى قلتها الشديدة، لم تكن الأنشطة الزراعية التي صادفتها أعيننا، تتجاوز في مساحتها هكتارا أو هكتارين من المزروعات . كان المسار إلى دوار انمل تصاعديا وغير مستو بتاتا، تتخلله منعرجات ومنحدرات خطيرة، تلزم السائق من حين لآخر، بالتخفيف من سرعته والانتباه إلى مخاطر الطريق التي تمتد عبر التواءات حلزونية إلى الأعلى بمحاذاة جبل شاهق. ما إن وصل الوفد يتقدمه عامل الإقليم إلى دوار إنمل الذي تبلغ عدد ساكنته 840 نسمة، حتى انطلقت الزغاريد لتكسر صمت المكان ويتردد صداها عاليا في الأفق، ومع هذه الزغاريد التي تبعث على الفرح، دبت الحركة في أجساد بشرية مصطفة عند خيمة منصوبة لاستقبال الوفد، لتصنع بعد ذلك أجواء احتفالية رسمت لوحة فنية عبارة عن رقصة محلية نالت إعجاب الجميع. هذه الرقصة تعبر عن مشاعر المودة التي يكنها هؤلاء القريون لكل زائر كبير. وسائل النقل تتجنب استعمال الطريق رغم تهيئتها لم تكن الرغبة من النقاش الذي فتحته بيان اليوم مع عدد من ساكنة هذا الدوار المنسي، مجرد تحصيل حاصل وتقييم سطحي لما أنجزته المبادرة الوطنية بالمنطقة التي تعج بالمتناقضات. وعلى هذا الأساس، كانت الأسئلة المطروحة من قبل الجريدة موضوعيه وبعيدة عن أيه مجاملة، وكان التجاوب معها أيضا من قبل القرويين تجاوبا عفويا وبلا تصنع. ادريس بن قاسم أحد ساكنة الدوار، الذي تحدث لبيان اليوم، عن تهيئة المسلك الرابط بين الطريق الوطنية 13 ودوار أنمل، لم يتناول فقط مزايا هذا المشروع الهام الهادف إلى فك العزلة عن مجموعة من المداشر التي تعيش تقريبا نفس الأوضاع، وإنما، أشار أيضا إلى المساوئ التي يتعرض لها الركاب والمتمثلة في رفض سيارات الأجرة وأصحاب النقل المزدوج استعمالها، لأنها تكلفهم الكثير من الإصلاحات وعلى رأسها استبدال الإطارات ثلاث مرات أو أكثر شهريا. وأضاف أن أغلبية السكان دوار أنمل والدواوير المجاورة لا يستطيعون تأمين نقلهم إلى المدينة عبر هذه الوسائل لأن ثمنها غاليا قد يفوق 400 درهما. هذه الإكراهات، يستطرد بن قاسم، تجبر السكان المناطق النائية، على تقليص عدد المرات التي يكونون فيها في أمس الحاجة للذهاب للمدينة من أجل التسوق، بحيث لا يقومون بذلك إلا مرة أو مرتين مشيا على الأقدام أو عبر الدواب. مدرسة مهترئة بدوار انمل تتسبب في الهدر والانقطاع المدرسيين في الواقع، فإنه وإن اختلفت أعمار هؤلاء القرويين الذين تحدثت إليهم بيان اليوم، فإن وجهات نظرهم بشأن الوضعية التي يعيشونها تكاد تكون متطابقة. محماد رجل في متوسط العمري يقطن بنفس الدوار، يقول إن مشروع الماء الصالح للشرب الذي تم إحداثه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بغلاف مالي يقدر ب 768960.00 من أجل تزويد البيوت بهذه المادة الحيوية، سيحدث بلا شك، تغييرا كبيرا في نمط عيش ساكنة دوار أنمل التي كانت تعاني كثيرا من شح المياه الذي يضطر الأسرة الواحدة إلى إناطة مهمة البحث عن الماء وجلبه لاثنين أو ثلاثة من أفرادها. غير أن محماد، أضاف أن استدامة استخراج الماء من هذا الخزان الذي تبلغ سعته 50 مترا مكعبا ويتوفر على قنوات للتوزيع بطول أربعة كلمترات، تتطلب كلفة مالية لشراء الطاقة– مازوت أو كهرباء- لتشغيل المضخة، مما يعني مصاريف إضافية ستثقل، يلاشك، كاهل السكان الذين قد يعجزون على المواكبة فيضيع المشروع ويعود الوضع إلى ما كان عليه سابقا، ولتفادي، هذا الاحتمال السيء، عبر محمد عن رغبة الساكنة في تزويد هذا المشروع الهام بالطاقة الشمسية، كما عبر أيضا على مطلبها بتسريع تزويد منازلها بمادة الكهرباء في إطار الكهربة القروية وهو المشروع الذي يوجد في طور الانجاز في نطاق التأهيل الترابي. في الحقيقة، هي كثيرة الحاجيات الأساسية التي يفتقر إليها هذا الدوار ودواوير أخرى توجد في مناطق جبلية عميقة، من بين هذه الحاجيات، يقول أحد الساكنة، مدرسة نموذجية تلبي الطلب المتزايد للأطفال الذين يبلغون السن القانوني للتعليم. فالمدرسة الوحيدة بالدوار مكونة من قسمين اثنين، يتناوب على استعمالها ثلاثة أساتذة يسهرون على تعليم سبعين تلميذا موزعين على المستويات الإبتدايية. يحدث أن تهطل الأمطار فترغم التسربات التلاميذ على مغادرة الصفوف الدراسية ليلتحقوا بمنازلهم، أما إن ساءت الأحوال الجوية فالتلاميذ لا يأتون بالمرة إلى المدرسة مما يساهم في الهدر والانقطاع المدرسيين، مضيفا، أن عرفا يسود بين آهالي القرية، تمنع بموجبه الفتاة من متابعة الدراسة حتى وإن هي رغبت في ذلك، أو استحقت المنحة عن نيلها الشهادة الابتدائية بامتياز، وهو تقليد أعمى يجبر الفتيات على المكوث في البيت لمساعدة امهاتهن في تربية الصغار وتحمل أعباء الحياة البدوية، من كنس طهي وجلب الماء الحطب ورعي للأغنام، في انتظار فارس الأحلام. المرأة معروفة في هذه المناطق بالصمود في مواجهة كل ما هو شاق، أما الرجل فغالبا ما يهاجر المنطقة للبحث عن فرصة للعمل، لأن إمكانيات المنطقة في المجال الفلاحي وتربية الماشية ضعيفة وضعيفة جدا، كما أن تطويع الأرض من أجل استثمارها يتطلب تكلفة باهضة. قساوة الطبيعة والمناخ تمنع نقل المرضى والحوامل للمستشفى ويبقى إحداث مستوصف بالمنطقة من بين أهم المطالب التي تلح عليها ساكنة دوار أنمل،إذ أن جميع من تحدثوا إلى بيان اليوم بخصوص هذه النقطة بالذات، استحضروا المشاكل والتعقيدات الصحية التي يتعرض لها المرضى والمصابون والحوامل المقبلات على الوضع، أثناء نقلهم من قبل أهاليهم إلى المستشفى الإقليمي من أجل العلاج . وأشاروا إلى أن بعد المسافة بين دوار انمل في أعلى الجبل والمستشفى المتواجد بالمركز( ميدلت المدينة)، يفرض على العائلات الفقيرة نقل مرضاها على المحمل أو فوق الدواب واجتياز تضاريس وعرة عبر مسالك ضيقة للغاية توجد في الاتجاه المؤدي إلى تالسنت، مبرزين في هذا السياق، أن المعاناة تتضاعف أكثر في حال قساوة الأحوال الجوية التي تقضي على أية فرصة لنقل مريض أو مريضة في وضع حرج، من أجل تلقي العلاج، أو امرأة حامل مقبلة على الوضع تستدعي حالتها تدخلا طبيا، حيث تبقى هذه الحالات العويصة تواجه قدرها المحتوم في البيت... دار المسنين في حاجة للدعم والتوسعة من جهة أخرى، فقد تميزت هذه الدورة أيضا بالزيارة التي قام بها الوفد الاعلامي لمركز استقبال المسنين بحي إيرومليل بمدينة ميدلت، ويشكل المركز الوحيد الذي يقدم الرعاية الاجتماعية لهذه الفئة من المجتمع التي تعرضت للتهميش، وقد تم إحداث هذه المؤسسة سنة 2008 في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بغلاف مالي يقدر ب 757012.00 درهما، إلا أن بداية استغلالها لم تتم إلا في بداية سنة 2010 وهي السنة التي تم فيها إحداث عمالة ميدلت. وقد وقف الوفد على أهمية مثل هذه المشاريع التي تقدم خدمات إنسانية للمسنين الذين هم في حاجة ماسة إليها. وفي تصريح لبيان اليوم، أفاد سعيد أسريري نائب رئيس الجمعية الخبرية الإسلامية التي تشرف على تسيير المركز، بأن المؤسسة تقدم الرعاية الكاملة لحوالي 12 مستفيدا ومستفيدة، من المسنين الطاعنين في السن الذين يوجدون بدون مأوى، وأنها حاليا قد استنفدت طاقتها الاستيعابية ولم يعد فيها مكان للمزيد، مشددا في هذا الصدد على ضرورة توسعة هذه المؤسسة الاجتماعية. وأضاف أسريري، أن المركز يواجه حاليا إكراهات التمويل، مرجعا ذلك، لضعف الغلاف المالي الذي ترصده الوزارة الوصية على القطاع وقلة مبادرات المحسنين. إنجاز359 مشروعا لفائدة95205 وقد عرفت هذه الدورة الإعلامية عقد لقاء يوم الخميس الماضي خصص لتقديم حصيلة المبادرة الوطنية بنفس الإقليم بين سنة 2010و2013. وتميز اللقاء بكلمة نذيرة الكرماعي العامل منسقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أكدت فيها على قيم التضامن بين الأفراد والجماعات والمشاركة والتشاركية والتكامل والالتقائية بين عمل الدولة والجماعات المحلية والمجتمع المدني وكذلك على الشفافية من أجل انخراط والتزام القوى الحية للجهة بمختلف برامج ومناهج المبادرة الوطنية للتنمية. وأضافت الكرماعي، أن قيم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يتم ترسيخها بالتدريج بطريقة فعالة وبواسطة تفعيل إستراتيجيتين أساسيتين وهي التكوين ودعم القدرات المحلية وتواصل القرب. من جانب آخر، فقد أفاد تقرير لقسم العمل الاجتماعي بعمالة إقليم ميدلت حول حصيلة المبادرة الوطنية تم تقديمه خلال نفس اللقاء، بأن هذه الأخيرة عرفت تطورا ملحوظا سواء في ما يخص الاعتمادات المالية المبرمجة أو فيما يخص طبيعة المشاريع المنجزة، وكذلك ارتفاع عدد الفئات المستهدفة حيث تنوعت هذه المشاريع بين المساعدة للولوج للخدمات الأساسية وفك العزلة عبر المسالك، الطرقات، التزود بالماء الصالح للشرب، الكهربة القروية، دعم التمدرس القروي، الصحة والتعليم... إضافة إلى دعم المشاريع المدرة للدخل باعتماد مقاربة النوع الاجتماعي عبر دعم النساء والشباب خاصة منهم حاملي الشواهد العليا. وأضاف نفس التقرير، أن هذه المشاريع بلغ مجموعها في الأربع سنوات الماضية 359 مشروعا، بتكلفة إجمالية محددة في 136059156 درهما، ساهمت المبادرة الوطنية فيها بمبلغ 108348140.04 درهما، واستفاد منها حوالي 95205 شخصا. الحاجة إلى مؤهلات وكفاءات متشبعة بالحس التطوعي والمواطناتي وعلاقة بالموضوع، أفاد حساين اوزني، رئيس جمعية أخيام وعضو اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تصريح لبيان اليوم، بأن حصيلة المبادرة الوطنية في السنوات الأربع الأخيرة بالخصوص، تركت وقعا إيجابيا على المنطقة التي كانت مغمورة لعدة عقود عانت خلالها من الإقصاء والتهميش. اليوم، يقول نفس المتحدث، المنطقة تعيش طفرة مهمة بفضل الاهتمام الذي يولى لها وبفضل مشاريع المبادرة الوطنية المنجزة منها أو تلك في طور الإنجاز. إلا أن اوزني، لم يخف الحديث عن إشكالية ارتفاع نسبة الفقر والأمية بالإقليم والتي ربطها بقساوة الظروف الطبيعية والمناخية، مبرزا، أن كل ذلك يسهم في الهدر والانقطاع الدراسيين، وبالتالي يحد من إمكانية بروز مؤهلات وكفاءات متشبعة بالحس التطوعي والمواطناتي، قادرة على مواكبة برامج الدولة والمبادرة الوطنية، من خلال العمل الجمعوي أو الجماعات المحلية. وشدد المتحدث في هذا السياق على ضرورة مضاعفة الجهود في دعم وتأهيل قدرات الشباب الحامل للمشاريع.. للإشارة، تم إحداث عمالة إقليم ميدلت سنة 2010. حيث كانت الجماعات الترابية التابعة حاليا لعمالة إقليم ميدلت، تابعة لكل من عمالة خنيفرة والراشيدية وهي 29 جماعة منها 27 جماعة قروية وجماعتين حضريتين هما ميدلت والريش، بمساحة تبلغ 14 الف كلم مربعا.