بلغت مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، منذ انطلاقتها في سنة 2005، إلى حد الآن، حوالي 33 ألف مشروع، أنجز منها حوالي 80 في المائة، واستفاد منها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، حوالي 8 ملايين شخص. وأعلنت نديرة الكرماعي، العاملة المنسقة الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أن عدد المشاريع المدرة للدخل، بلغ 5 آلاف مشروع، معتبرة أن هذا المعدل مهم جدا، باعتبار أن الأنشطة المدرة للدخل، تمكن السكان من تحقيق الكرامة والعيش الكريم، عن طريق خلق مشاريع تمكنهم من توفير دخل قار، وهذا إيجابي جدا. وأوضحت الكرماعي، أول أمس الثلاثاء، بدوار إنمل بالجماعة القروية النزالة، التابعة لإقليم ميدلت، أن المبادرة حققت مجموعة من المشاريع التي كان لها وقع إيجابي على السكان، سواء من حيث إحداث فرص الشغل، وتعزيز الثقة بالنفس لدى المستفيدين، وكذا تقليص نسب الفقر والهدر المدرسي. وأبرزت أن المرحلة الثانية من المبادرة لفترة 2011 2015، تتميز ببرنامج خاص، وهو البرنامج الخامس، الذي يهم التأهيل الترابي، يتضمن 5 محاور، تشمل الطرق، والصحة، والتكوين، والماء الصالح للشرب، والكهرباء. وقالت الكرماعي، على هامش تنظيم الدورة 16 للخميس الإعلامي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم ميدلت، تحت شعار "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتعزيز الخدمات والبنيات التحتية الاجتماعية الأساسية بالمناطق المعزولة"، إن "هذا البرنامج يشمل 22 منطقة جبلية يعتبر ولوجها صعبا، نوجد اليوم في واحدة من هذه المناطق، التي استفادت من هذا البرنامج الخامس، لأنها تعاني مسالك وعرة ومناخا صعبا، وكان سكانها منعزلين عن العالم الخارجي، لذا جاء هذا البرنامج لفك العزلة عن هؤلاء السكان، من خلال فتح المسالك الطرقية، وتزويدهم بالماء الصالح للشرب، وربطهم بالشبكة الكهربائية". وأوضحت العاملة المنسقة أن الميزانية المخصصة خلال الفترة الأولى من عمر المبادرة 2005 2010، انتقلت من 10 ملايير درهم، بعدما شملت حوالي 300 جماعة قروية، و240 حيا حضريا، إلى 17 مليار درهم، مخصصة للفترة الثانية 2011 2015، منها 5 ملايير درهم مخصصة لبرنامج التأهيل الترابي، وتستهدف حوالي 702 جماعة قروية، و520 حيا حضريا، واستهدفت 10 فئات في حالة هشة. وأضافت أنه جرى في ظرف 3 سنوات تهيئة حوالي 600 كلم من المسالك القروية، مشيرة إلى أن هناك محاولة للرفع من هذا المعدل، حتى لا يظل السكان منعزلين عن عالمهم الخارجي. وذكرت العاملة المنسقة الوطنية أن المندوبية السامية للتخطيط كشفت في إحصائياتها أن الفقر تقلص بنسبة 41 في المائة في الجماعات التي استفادت من مشاريع المبادرة، مقابل 26 في المائة في الجماعات التي لم تستفد من المبادرة. فقط 28 كلم تعيد الحياة إلى دوار إنمل خلف جبال شامخة، ووسط تضاريس وعرة، يتوارى دوار إنمل، المكون من حوالي 840 نسمة، قبل مدة كان سكان هذا الدوار شبه معزولين عن العالم الخارجي، بل لا يزورون إقليمهم ميدلت، أو مدنا مجاورة، إلا لماما لقضاء مآربهم، نظرا لبعد المسافة، ولصعوبة المسالك، بيد أنه مع فتح المسلك الطرقي الرابط بين الدوار، والطريق الوطنية 13، على مسافة 28 كلم، جعلت الحياة تدب من جديد في أوصال هذا الدوار المنزوي وسط السفوح. المسلك الطرقي حمل في ركابه خيرا للمنطقة، كما يقول أهلها، فبمجيئه، جاء مشروع الماء الصالح للشرب المنجز في إطار محاربة الفقر بالعالم القروي، وكانت لحظة تشغيل محرك ضخ المياه، لحظة تاريخية سينقشها السكان في سجل دوارهم، الذي رغم صعوبة الظروف المناخية، وغياب أي أنشطة مدرة للدخل، يأبون أن يهجروه، متحدين الطبيعة، متمسكين بآمال عريضة لتحقيق تنمية منطقتهم بكل السبل، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية واحدة هذه السبل. يقول محمد، أحد أبناء الدوار، "نحن فرحون جدا بهذه المشاريع، التي أنجزت من خلال فتح المسلك الطرقي، وتوفير الماء الصالح للشرب، ونشكر المبادرة على هذه الالتفاتة، بعدما كنا نعاني الأمرين في جلب الماء من العيون في الجبال، لذا نتمنى أن يكتمل هذا المشروع، حتى نحصل على الماء، وهو مصدر الحياة، بطريقة سهلة مثلنا مثل من جميع الناس". الماء ليس المطلب الوحيد لسكان هذا الدوار، الذين خلدوا زيارة مسؤولي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لدوارهم، جسدته تلقائية الكبار في كرم وفادة الضيوف، وبراءة الصغار الذين تجمعوا حول علم بلادهم بكل فخر واعتزاز، وشرعوا في ترديد أناشيد، تعبيرا عن الفرحة الغامرة. وفي هذا الإطار يضيف محمد "ننتظر، أيضا، وصول أعمدة الكهرباء التي شرع في تثبيتها على طول المسلك الطرقي، الذي فك العزلة عن دوارنا، فإذا رجعنا سنوات إلى الوراء، نجد أنفسنا اليوم أحسن بكثير، وأن ملامح العزلة بدأت تتكسر، بيد أن غلاء أسعار التنقل إلى ميدلت أو بعض "الفيلاجات" لجلب احتياجاتنا اليومية يبقى مرتفعا، ونحتاج في هذا الإطار إلى التفكير في توفير وسيلة نقل لسكان الدوار بمواعيد محددة، وبأسعار تناسب وضعيتهم المادية، خاصة أيام تنظيم السوق الأسبوعي". وبخصوص استفادة الدوار من برنامج الكهربة القروية، فمن المتوقع أن يتحقق هذا الحلم في شهر يونيو المقبل، وهو ما أكده شكري عبد الهادي، مسؤول بعمالة ميدلت، الذي قال إن المشروع يدخل في إطار برنامج التأهيل الترابي لإقليم ميدلت، ويشمل 52 دوارا، وستستفيد منه 1400 أسرة، ومن المتوقع أن تنتهي الأشغال في 30 يونيو المقبل". سكان يتطلعون إلى مشاريع مدرة للدخل يكاد جميع السكان بدوار إنمل يتفقون على أن المشكل الأساسي الذي بات يؤرقهم اليوم، بعد مجيء المبادرة، برمجة مشاريع مدرة للدخل، لإعانتهم على ضمان مدخول يؤمنون به لقمة العيش، فاليوم جميع الأسر تعيش على مدخول أفرادها الذين يغيبون شهورا وأسابيع للعمل في البناء ومهن أخرى في مدن بعيدة مئات الكيلومترات عن الدوار. يقول محمد إن "المشكل الأساسي هو غياب الأنشطة مدرة للدخل، ما يدفع جل سكان الدوار إلى التوجه نحو المدن للعمل قصد توفير لقمة العيش، وهناك من يغيب شهورا، لذا نقترح أن يجري التفكير في حل لهذه المعضلة، ونقترح في هذا الإطار مساعدتنا على حفر آبار قصد تسخيرها في زراعة الأراضي الصالحة للزراعة هنا، إضافة إلى مساعدة النساء على إنشاء مشاريع صغيرة مدرة للدخل، تناسب خصوصية المنطقة". بدورها ضمت فاطمة، 50 عاما، أم لأربعة أولاد وبنت، صوتها إلى صوت محمد، وعبرت عن فرحتها بهذه المشاريع، التي غيرت حياة الدوار، ونفضت الغبار عنه لتدب فيه الحيوية من جديد، وقالت "اليوم أحسن بكثير من أمس، اليوم يتحقق حلم، لكن نطالب المسؤولين بتوفير وسائل نقل للدوار تكون قارة، وبأسعار مناسبة، خاصة مع فتح هذه الطريق الجديدة، فقد كنا نعاني للذهاب إلى ميدلت، ونستيقظ مبكرا، وننتقل ساعات لكي نجد وسيلة نقل تقلنا، وهذا يتطلب وقتا كبيرا". فاطمة تطالب وبإلحاح هي الأخرى ببرمجة مشاريع مدرة للدخل، مبدية استعداد كافة السكان لإنجاحها، لإخراج أنفسهم من شرنقة الفقر، كما تطالب بمستوصف صحي، وعناية خاصة بالنساء الحوامل خاصة خلال دنو فترة الولادة. مركز سوسيو ثقافي بآفاق واسعة داخل مدينة ميدلت، كان حيا عثمان أو موسى وأيت غيات، على موعد مع ميلاد مركز سوسيو ثقافي بآفاق واسعة، خلق فضاءات متعددة، لشباب وتلاميذ متعطشين لعالم الإعلاميات، وولوج الأنترنيت ولعب الشطرنج، وأيقظ في نفوس نسوة المنطقة قريحة خوض معركة ضد الأمية. داخل فضاء الأنشطة الموازية، كان المهدي، 12 سنة، يدرس بالسادس ابتدائي، وزميله، أنس، منهمكين في لعب الشطرنج. المهدي وجد كباقي شباب الحي ملاذا في هذا الفضاء خلال أوقات فراغه، للعب الشطرنج، أو "البينغ بونغ"، أو تعلم الإعلاميات، وممارسة أنشطة أخرى. يقول المهدي "يساعدنا الحاسوب هنا في إنجاز بحوث تطلب منا في الدراسة، كما أشغل فيه وقت فراغي بتعلم أشياء مفيدة، ونحن فعلا مسرورون بميلاد هذا الفضاء، لأننا كنا في حاجة ماسة إليه". في قاعة دروس الدعم ومحاربة الأمية، غصت الطاولات بالنساء من مختلف الأعمار، بعضهن كن مرفوقات بأبنائهن الصغار، رفعن جميعهن شعار "العلم نور والجهل عار". وطفقت صفية، 32 سنة، كانت تضع على حجرها ابنتها الصغيرة، وخطت فوق لوحتها الخشبية بعض الحروف "تعلمنا مجموعة من الأشياء هنا، تعلنا قراءة القرآن الكريم، تعلمنا قراءة الرسائل القصيرة، وقراءة فاتورة الكهرباء وأنا سعيدة بهذا الإنجاز". لم يسبق لصفية، وزميلاتها، أن ولجن المدرسة، لكن بفضل الدروس التي يتلقينها، أصبحن اليوم يحسن القراءة والكتابة، وهو ما غير مجموعة من الأمور في حياتهن، وجعل طموحهن يكبر في المطالبة، أيضا، ببرمجة مشاريع مدرة للدخل، للمساعدة في مصاريف البيت، خاصة أن جل الرجال لا عمل لهم، أو يعملون بشكل موسمي. سرعة التلقي والتفاعل مع الدروس كانت كبيرة لدى هؤلاء النساء، وهو ما أكدته الأستاذة زينب، التي قالت "رغم أن أغلبهن يتحدثن الأمازيغية، فقد تفاعلن مع الدروس بشكل سريع، معلنات تمردهن على عزلتهن في البيوت". الطفل المكفوف وسيم بوزيدة، 6 سنوات، كان حاضرا هو الآخر داخل الفضاء يبحث لنفسه عن موطئ قدم، فرغم إعاقته، فإنه يتميز بذكاء كبير، معلنا بكل فخر رغبته في تحقيق حلمه بأن يصبح مهندسا، جعل الحاضرين يتفاعلون مع حالته، ويحاولون المساعدة في البحث له عن مركز لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، والالتفات إلى وضعية هذه الفئة، وتخصص برامج خاصة لها ضمن المشاريع المستقبلية. أربع حافلات لمحاربة الهدر المدرسي في دوار إنمل تحدث لنا السكان على أن أغلبية التلاميذ ينقطعون عن الدراسة في المستوى السادس، لأن الإعداديات بعيدة، ولا يجدون مكانا في الداخليات لكي يواصلوا مسارهم الدراسي. ولدعم التمدرس في العالم القروي، والتصدي للهدر المدرسي، حاولت المبادرة أن تحد من هذه المعضلة في بعض المناطق بالإقليم، وعبأت 4 حافلات مدرسية لهذا الغرض، تشمل عدة دواوير. وثمن مصطفى السليفاني، نائب وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بإقليم ميدلت، هذه المبادرة، وقال إنها ستساهم في محاربة الهدر المدرسي، وضمان تكافؤ الفرص، والحد من المعيقات السوسيو اقتصادية، وتشجيع التمدرس بالوسط القروي خاصة بالنسبة للفتاة. "جار علينا الزمن والدار آوتنا" "لو لا هذه الدار لكنت اليوم في الشارع، أعاني البرد، والجوع، والتشرد"، بهذه العبارة استقبلنا الحسن مركاز، 61 سنة، في دار المسنين بميدلت. ليس للحسن أبناء أو عائلة، لكنه وجد في المشرفين على تسييرها، وباقي النزلاء، أهله وذويه، يقول الحسن متأثرا، وقد اغرورقت عيناه بالدموع "مخاصني حتى خير هنا، واكل، شارب"، ويضيف "وجدت الخير في هؤلاء الناس، ولولاهم لضعت". لكل نزيل بالدار، 8 رجال، و4 نساء، قصة حزينة قادته إلى النزول بها، قصص مبكية يرددها النزلاء، الذين جار عليهم الزمن، ونال منهم الشيب، وأكثرها حزنا قصة حبيبة، 96 سنة، التي قالت وهي تكفكف دموعها، بين يدي الممثل المغربي محمد بسطاوي، الذي رافق الوفد، ودمعت عيناه لحالتها وهي تردد على مسامعنا "ليس لدي أبناء، عندي فقط أبناء أخي، لم يعودوا يسألون عني، بعدما تخلصوا مني برميي في هذه الدار التي وجدت فيها الخير، وأجد فيها العناية اللازمة من أكل ولبس ومبيت". قصة أخرى كانت أشد حزنا ودراما من قصة حبيبة، حكاها لنا مشرفون على الدار، وهي قصة حادة، تتحدر من أيتزر، والتي تخلى عنها ابناها بسبب مشاكل عائلية، حتى قادها قدرها إلى هذه الدار في نونبر القارس من سنة 2013، حيث تكمل ما تبقى من حياتها، متحسرة على ما تلقته من فلذتي كبدها، اللذين لم يحسنا إكرام كبر سنها، ولسان حالها اليوم يؤكد على المشرفين على الدار بألا يسمحوا لأحد منهما بزيارتها. وكانت فرحة نزلاء الدار كبيرة، عندما قدمت لهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مساعدات إضافية لمواجهة البرد القارس، وتتكون من غطاء، وملابس وجوارب، وهي المساعدات التي أدخلت البهجة والسرور في أنفسهم.