يخشى الكثيرون اليوم أن يتفاقم المناخ السلبي المميز لمشهدنا السياسي الحالي، ويستمر تدني السلوك السياسي والحزبي، خطابا وممارسة وعلاقات، الى أن يصير معرقلا لمسار الاصلاحات في بلادنا. من البدهي أن انجاح الاصلاح يرتبط عضويا بوجود مناخ وبيئة محفزين عليه، ذلك أن اتخاذ خطوات وقرارات في مختلف الميادين، اقتصادية أو اجتماعية أو حقوقية، والانكباب على تنفيذها، يقتضي انخراط المنظومة السياسية والمؤسساتية بكاملها، والعمل الجماعي من أجل تقوية الدينامية العامة الساعية للإصلاح. لا يعني هذا الدعوة الى تغييب الاختلاف أو المعارضة، ولكن يتعلق الأمر بحاجة بلادنا الى تبلور قناعة واسعة بأهمية الإصلاح، وبحرص المعارضة على معارضة السياسات العمومية عبر طرح بدائل والدفاع عنها ضمن الأنساق المعروفة، وذلك بدل اعتبار المعارضة هي خلق مناخ عام من التوتر والصراخ وتبادل الشتائم، أي عرقلة الانجاز في الأساس، وجعل البلاد تدور حول نفسها، ولا تؤسس إلا للجمود، ولبؤس العقليات والخطاب. ان ما تنقله يوميا صفحات جرائدنا ومواقعنا الالكترونية، وما يصدر عن جزء كبير من طبقتنا السياسية، وما أصبح يميز جلسات غرفتي البرلمان واجتماعاته، كل هذا لا يحمل لشعبنا إلا المزايدات والشتائم المتبادلة بين الفرقاء، كما أنه ساهم في توتير العلاقات، ويهدد بتحويل المناخ العام الى مناخ طارد للإصلاح ومعرقل له، وهنا تتجلى خطورة المنحدر الذي يتم اقتياد السياسة اليه في بلادنا. ان من يعتقد أن بلوغ هذا المنحدر سيكون ضد حزب معين أو أن ذلك قد يحمل مكاسب انتخابية لهذا الطرف أو ذاك، يكون كمن يقود البلاد برمتها الى المجهول. اغراق البلاد في كل هذه الدناءة، وشل مسيرة الإصلاح، وجعل المناخ السياسي العام منفرا من السياسة والأحزاب، كل هذا لن يكون إلا ضد البلاد ومستقبلها الاجتماعي والتنموي والسياسي، ولابد اليوم من وقف فوري لهذا الانحدار، والتعبئة من أجل انقاذ مسار الاصلاحات التي لا يريد شعبنا سوى انجاحها ضمن صيانة استقرار البلاد وتميز نموذجها الديمقراطي. البلاد اليوم مطالبة بإنجاح اصلاح صناديق التقاعد في أقرب وقت، ومطالبة بإصلاح منظومة المقاصة والنظام الجبائي الوطني، وهي كذلك مدعوة لخلق انتعاشة في الاقتصاد الوطني ودعم المقاولات، وفي نفس الوقت تحقيق تقدم ملموس في الملفات الاجتماعية: التشغيل، الصحة، السكن والتعليم، وعلى صعيد تقوية شروط العيش الكريم لشعبنا، كما أن البلاد مطروح عليها تحدي تمتين شروط دولة القانون والمؤسسات وكسب الرهان الحقوقي والديمقراطي، وتسريع وتيرة تنزيل مقتضيات الدستور، وتفعيل اليقظة الوطنية دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة... كل هذا لا يمكن النجاح فيه إلا من خلال الحرص على توفير مناخ سياسي ومؤسساتي وحزبي داعم للإصلاح، واعتمادا أيضا على تقاسم قناعة قوية من لدن مختلف الأطراف الحزبية بضرورة حماية فرادة النموذج الديمقراطي والتنموي لبلادنا. البلاد في حاجة اذن لمناخ الإصلاح، وهذه مسؤولية الجميع، وفي المقابل، فان الامعان في قيادة البلاد والمجتمع نحو منحدر الانحطاط الواضح اليوم في الخطاب السياسي وفي العلاقات بين الأطراف الحزبية من شأنه أن يفتح كل الأبواب على المجهول.