أعلنت واشنطن أنها علقت مساعداتها العسكرية التي تصفها ب»غير الفتاكة» إلى المعارضة السورية في شمال البلاد في أعقاب سيطرة جماعات متشددة على مخازن عسكرية تابعة للجيش الحر. وفيما يقلص الغربيون دعمهم ما يزيد من إضعاف موقف الجيش الحر أمام النظام والمجموعات المتشددة في آن واحد، أعلنت القمة الخليجية التي اختتمت أشغالها أمس بالكويت دعمها للائتلاف الوطني السوري ومشاركته في مؤتمر جنيف2 وقالت مصادر مطلعة إن الخطوة الأميركية جاءت بمثابة الإجراء الأولي والعاجل، بانتظار تنفيذ مخطّط أشمل، يجري الترتيب له بمشاركة عديد الأطراف المعنية بالملف السوري ويهدف إلى التصدي للجماعات المتشددة في سوريا، ضمانا لأمن الإقليم خلال مرحلة ما بعد مؤتمر جنيف 2. وانضمت لندن بدورها إلى قرار واشنطن بوقف المساعدات، فقد صرح متحدث باسم السفارة البريطانية في أنقرة أنه «ليست لدينا أية خطط لتسليم أية معدات طالما بقي الوضع غير واضح». وفيما دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس من طهران الدول المسؤولة «إلى التحرك حتى يفضي المؤتمر «إلى نتيجة»، حذّر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، من انتشار التطرف في سوريا في حال توقفت بلاده وحلفاؤها عن العمل مع الجماعات الراغبة في إقامة الديمقراطية هناك، مؤكدا في الجلسة البرلمانية الأسبوعية أن بلاده «تنخرط بشكل كامل في جميع الجهود الرامية إلى جلب الأطراف المشاركة بالحرب الدائرة على أراضيها إلى طاولة المفاوضات في مؤتمر جنيف 2». وجاء كلام المسؤول البريطاني، بعد أن كان وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل قد أكد من العاصمة القطرية الدوحة على دعم الولاياتالمتحدة للمعارضة السورية المعتدلة. ويقول مراقبون إن تصريحات هؤلاء المسؤولين تفضي إلى حقيقتين: الإجماع على خروج مؤتمر جنيف 2 بحل للقضية السورية، وتحوّل قضية الجماعات المتشدّدة إلى هاجس مشترك لدى القوى المعنية بالملف السوري. لكن المراقبين لم يستبعدوا أن تندرج الخطوة الأميركية البريطانية في سياق الضغط على الائتلاف المعارض ومن ورائه الجيش الحر لأجل دفعهما إلى إعلان مشاركة صريحة في مؤتمر جنيف ودون اشتراطات مسبقة، مثل المطالبة بتنحي الأسد. يشار إلى أن المعارضة الوطنية تجد دعما من السعودية ودول الخليج التي تتمسك بتقديم ضمانات بألا يكون جنيف 2 مناسبة لإعادة تأهيل الأسد في المجتمع الدولي. وهو ما أكدت عليه قمة الكويت أمس حيث دعا قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى انسحاب «كافة القوات الاجنبية» من سوريا. ودان البيان الختامي الصادر عن القمة «استمرار نظام الاسد في شن عملية ابادة جماعية ضد الشعب السوري». كما اكد «دعمه لقرار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري، المشاركة في مؤتمر جنيف 2». وجاء القرار الأميركي أمس بوقف المساعدات للمعارضة السورية، بالتزامن مع قرار تركي بإغلاق معبر «جيلوه غوزو» المقابل للمعبر الحدودي باب الهوى شمال سوريا على إثر خلاف بين المجموعات العسكرية المعارضة المسيطرة على المعبر. وأثار القرار الأميركي على وجه الخصوص انتقادات المعارضة السورية، حيث قال محمد السرميني، مستشار رئيس الحكومة المؤقتة في المعارضة أحمد طعمة، ل»العرب» إنه «لا يمكن إيقاف المساعدات بسبب حادث»، مؤكدا وجود «معلومات بأن النظام السوري واستخبارات إيرانية وغيرهما اخترقوا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لأجل تقويض الثورة». وقالت مصادر مقربة من قيادة الجيش السوري الحر إن المخازن التي استولت عليها الجبهة الإسلامية، كانت تحتوي على مساعدات غذائية وطبية، وبعض أجهزة الاتصالات العسكرية وعدد من الشاحنات، ضمن برنامج أميركي بقيمة 16.9 مليون دولار لدعم المعارضة السورية المعتدلة «بأسلحة غير قاتلة». ولفت مصدر معارض، رفض الكشف عن هويته، إلى أن تلك المخازن ضمت أيضا كميات كبيرة من ذخائر الأسلحة الخفيفة غير معلومة المصدر. وأشار دبلوماسي أميركي إلى أن دوائر صنع القرار في واشنطن دخلت في حالة من الارتباك، بعد استيلاء الجبهة الإسلامية على معبر «باب الهوى» في الشمال السوري، وأجبرت معه على تعليق كافة المساعدات التي كانت الولاياتالمتحدة قد تعهدت بها تجاه الفصائل المعتدلة من المعارضة السورية. ورفض الدبلوماسي الأميركي التعليق على ما إذا كان القرار يتضمن تعليق المساعدات السرية التي تتلقاها قوات الجيش الحر عبر الأردن في الجنوب السوري، وهي مساعدات تتضمن أسلحة خفيفة وكميات من الذخيرة. وذكر محللون أنه من الغريب أن تصر واشنطن على إمداد قوات الجيش الحر في الجنوب بالأسلحة، بينما لا تفعل نفس الشيء تجاه القوات التابعة له في الشمال. وتأتي عملية الاستيلاء على معبر «باب الهوى» في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بين الائتلاف الوطني المعارض ومجموعات إسلامية مقاتلة، بهدف ضمها تحت مظلة الائتلاف. فيما قالت مصادر قريبة من المعارضة السورية أن الائتلاف يجري حاليا مفاوضات مع الجبهة الإسلامية لاستعادة المعدات والأسلحة التي كانت مخازن الجيش الحر تضمها، قبل الاستيلاء عليها. ويثير تقدم مجموعات إسلامية متشددة مخاوف الولاياتالمتحدة التي شرعت في محاولة تنفيذ مخطط شامل للتصدي لتلك المجموعات، حتى لا تتحول سوريا إلى «أفغانستان جديدة». وكانت مصادر مقربة من قيادات المعارضة السورية الموجودة بإسطنبول أكدت ل»العرب» أن مسألة تحييد بشّار الأسد من أي دور في المرحلة الانتقالية المراد إطلاقها في مؤتمر جنيف 2 حول القضيّة السورية، أصبحت محسومة، ومحلّ توافق أميركي روسي، بانتظار موافقة سعودية على ترتيبات مرحلة ما بعد المؤتمر، رجّحت المصادر حدوثها إذا حصلت الرياض على ما يكفي من تطمينات من قبل موسكووواشنطن. وكشفت ذات المصادر لصحيفة «العرب» أن من أولويات حكومة الإنقاذ الوطني التي ستتشكل من وزراء من المعارضة، وآخرين من النظام غير مورّطين في التقتيل، تأسيس جيش مشترك بين قوات النظام والجيش الحر والجبهة الإسلامية، لمقاومة المجموعات المتشددة متمثلة أساسا بداعش وجبهة النصرة. وشرحت أن الترتيبات العسكرية التي يعلن عنها من جانب المعارضة تصب في اتجاه إعادة تنظيم صفوف قوّاتها استعدادا للانخراط في ذلك الجيش. وصنّفت ضمن تلك الترتيبات ما تم إعلانه الثلاثاء بشأن إنشاء تحالف عسكري جديد من ألوية تابعة للجيش الحرّ. كما كشفت المصادر من مدينة إسطنبول التركية عن جهود موازية لإقناع الجبهة الإسلامية، التي ظهرت مؤخرا كقوة وازنة على الأرض تضم جيشا قوامه 45 ألف مقاتل، للانضمام إلى المؤتمر.