70سنة في خدمة الوطن والشعب بيان اليوم تحاورالأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله بمناسبة الذكرى 70 للحزب في خضم ديناميات الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس حزب التقدم والاشتراكية، انتزعنا الرفيق محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام للحزب من زحمة المشاغل والاجتماعات المتواصلة واللقاءات الحزبية التي تكاد لا تنتهي، وطرحنا عليه بعض الأسئلة المرتبطة أساسا بدلالات تخليد هذه الذكرى، وكان الحوار التالي: يحتفل الحزب بمرور سبعين سنة على تأسيسه، ما هي دلالات هذا التاريخ بالنسبة لكم؟ يخلد اليوم حزبنا برمته وبسائر مناضليه وهياكله ذكرى مرور سبعين سنة على تأسيس الحزب الشيوعي المغربي، الذي يعد حزب التقدم والاشتراكية وريثه الشرعي وامتداده الطبيعي ومستكمل مشواره النضالي الشاق والطويل، وذلك في إطار من الانفتاح والإبداع، أي في ظل ما نسميه بجدلية الوفاء والتجديد، وهي جدلية قائمة على عدم التفريط في الهوية الأصلية والأصيلة، والتشبث بالمبادئ الأساسية مع القدرة، في الآن ذاته، على التجديد المجدي، والتكيف الخلاق مع الواقع المغربي والتطورات المتلاحقة للمجتمع. ولعل من الدلالات البارزة لهذه المناسبة، التي يحق لآلاف المناضلات والمناضلين في الحزب تخليدها بفخر واعتزاز، بالنظر لما راكمه الحزب من رصيد نضالي غني، خدمة لقضايا الوطن والشعب، ولما صار يحتله من مكانة في المشهد السياسي الوطني، ولما حققه من توسيع لرقعة إشعاعه الفكري والسياسي وامتداده التنظيمي.. قلت لعل من أبرز دلالات المناسبة أنها دليل ساطع على مدى الارتباط الوثيق لحزبنا بالتربة المغربية، نشأة وتطورا، وبرهان دامغ على تملكه لمناعة سياسية قوية، وقدرة هائلة على الاستمرار والتطور، والصمود والتصدي، رغم كل الصعاب، خلافا لما حصل، على سبيل المثال، لأحزاب، في ما يعرف بالعالم الإسلامي والعربي، كانت لها نفس المرجعية. على أن الحزب لا يحتفي بهذه الذكرى المجيدة لمجرد التباهي برصيده التاريخي وإنما يتوخى من استحضار مساره النضالي المديد والمرير، وتضحيات أجيال من المناضلات والمناضلين، جعل ذلك نبراسا يهتدي به في الحاضر ويستشرف في ضوئه المستقبل في أفق مواصلة معركة استكمال بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي المنشود. فقد كان للحزب قصب السبق والريادة في حمل لواء مثل سامية وأفكار نيرة من قبيل الفكر الاشتراكي بمنظور مغربي، والقيم التقدمية والديمقراطية، خاصة ذات الصلة منها بحقوق الطبقة العاملة، والعمل النقابي، والمساواة بين الجنسين، والحريات الفردية والجماعية، والتعددية السياسية والتنوع الثقافي، والحقوق الإنسانية على العموم بما فيها الجيل الجديد من هذه الحقوق، وكلها مسارات عرفت تقدما ملموسا، وإن كان بدرجات متفاوتة، وباتت محور تقاسم بين قوى سياسية عديدة، والحال أنه عشنا مرحلة كان فيها البعض يعتبر جملة من هذه القيم وكأنها غريبة عن حضارتنا ودخيلة على مجتمعنا... ماذا يعني وجود حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية، اليوم، في المغرب وفي هذه الألفية الثالثة؟ ليس من المبالغة في شيء القول بأن حزبنا أضحى رقما أساسيا وصعبا في المعادلة السياسية المغربية. هذا أمر يشهد به كل مراقب موضوعي، وهو نابع من واقع أن حزبنا، المحافظ على استقلالية قراره والمتصدي لكل المحاولات التحكمية والاستهدافات الهيمنية، تمكن من أن يتبوأ مكانة رئيسية ضمن الخريطة السياسية الوطنية، ويبقى، بما يتميز به من عقلانية ورصانة وواقعية وجرأة في اتخاذ المواقف مهما كانت الظروف صعبة والملابسات معقدة، حزبا ضروريا ولا مندوحة منه في كل ما يهم الدفاع عن قضايا الوطن والشعب، وتكريس المكتسبات الديمقراطية وتوسيعها في اتجاه بناء مغرب التقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فحزب التقدم والاشتراكية حزب تاريخي عريق، حزب متجذر في المجتمع حاضرا، وسيكون لا محالة حزب المستقبل بامتياز. يتزامن تخليد سبعينية الحزب مع مشاركته في حكومة يرأسها حزب إسلامي؛ وهذا ما طرح في الساحة الوطنية جدلا كبيرا حول منطق هذه المشاركة، وحول تناقض الهوية والمرجعية بينكم وبين الحزب الإسلامي. كيف تنظرون أنتم إلى كل هذا؟ لقد شكل موضوع التحالفات محورا مركزيا في تفكير وسلوك الحزب منذ كان، حتى أنه يصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تجد وثيقة من أدبيات الحزب الأساسية، عبر مساره النضالي الطويل، خالية من معالجة موضوع التحالفات. فمسألة التحالفات بالنسبة لحزبنا نهج استراتيجي، وهو يقاربها مقاربة ديناميكية تأخذ بعين الاعتبار الظروف المميزة لكل مرحلة على حدة، وتراعي ما يمكن أن يطرأ على المشهد السياسي من تغيرات.. لكن مع الحرص دائما، طبقا لما هو مثبت، على سبيل المثال، في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الوطني الثامن، أي الأخير، للحزب (ماي 2010) على ضرورة أن تكون تحالفات الحزب «وفقا لما تقتضيه مستلزمات توطيد المسار الإصلاحي في أفق بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي المنشود». من هذا المنظور، اعتبر حزبنا، بعد نقاش واسع ومعمق وإعمال تام للمقتضيات الديمقراطية داخل الحزب، وأساسا لجنته المركزية، المشاركة في التجربة الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بصفته الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2011. وبقدر ما كان قرار الحزب هذا صعبا، فإنه اختيار واع ومسؤول أوجبته مصلحة البلاد، ولا تناقض فيه مع هوية حزبنا الاشتراكية والتقدمية واليسارية، مع التنبيه إلى أن الأمر يتعلق بتحالف سياسي لا إيديولوجي، والتذكير بأن مساعينا وتحركاتنا من أجل التصدي للممارسات المنحرفة الرامية إلى التحكم في المشهد السياسي الوطني وبسط الهيمنة ضدا على استقلالية قرارات الأحزاب السياسية، إنما كانت تجد (مساعينا وتحركاتنا) معها في ساحة المعركة، ودون تنسيق مسبق، تلاقيا موضوعيا مع حزب العدالة والتنمية. وحزبنا في التعاطي مع موضوع المشاركة من عدمها في أي تجربة حكومية، ينطلق، كما حصل أيضا لدى اتخاذ قرار الاستمرار في الحكومة الحالية برئاسة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بعد التعديل الاضطراري المعلوم، من واقع أن المعارضة في حد ذاتها ليست اختيارا. فالأحزاب في الدول الديمقراطية لا تختار التموقع في المعارضة وإنما يفرض عليها ذلك، لأن الارتكان إلى المعارضة يكون اضطراريا، أي في حالة الفشل الذريع في الانتخابات، أو عندما تنتفي كل مسوغات المشاركة في ائتلاف حكومي معين . بمعنى أن الذهاب إلى المعارضة يكون أسهل من اختيار المشاركة في الحكومة على أساس برنامج حكومي مضبوط، يتجاوب، في جوهره، مع توجهاتنا، ومن شأنه أن يتيح إمكانية الدفاع عن مكتسباتنا، بل وتكريسها، ولم لا توسيعها. وتبعا لذلك، فإن خيار المشاركة لم يطرح إلا في سياق ربطه، وجوبا، بتوفر نوع من «دفتر تحملات» يكون في التعهد بتنفيذه التزام واضح بمواصلة الإصلاحات، وتنزيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد تنزيلا ديمقراطيا وفعليا، أي على أساس «عقد برنامج» واضح، مدقق، ويقوم على أساس التلاقي الكبير لبرامج الأحزاب المكونة للأغلبية، خاصة في مجال الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، ومكافحة الفقر والهشاشة، والحد من الاختلالات الاجتماعية والمجالية، في ظل تكريس المكتسبات والحريات الديمقراطية، وتوسيعها وتطويرها. وهذا لا يمنع، بالطبع، من أن يكون للحزب نبرته الانتقادية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، والأمثلة في هذا المجال عديدة ومعروفة. وبما أننا بصدد تخليد مناسبة تاريخية، يبدو من المفيد التذكير بما حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما طرحت فكرة التناوب التوافقي وقدم عرض رسمي مهم بشأنها، حيث اتخذ الحزب، تحت قيادة أمينه العام آنذاك الرفيق المرحوم علي يعته، مواقف جريئة، لم يشاطرنا فيها حلفاؤنا في الكتلة الديمقراطية، وتبين لاحقا، بالملموس، صواب هذه المواقف التي دفعت البعض، سامحه الله، إلى محاولة عزل حزبنا، الذي عرف، على كل حال، كيف يصمد، حيث حافظ على هدوئه، واستمر في التعامل مع الحلفاء على أساس أن الاختلافات لا تفسد للود قضية، حتى عادت المياه إلى المجرى الطبيعي، وكان ما كان من تجربة حكومية مشتركة أنجزت الكثير. مشاركتنا في الحكومة إلى جانب حزب العدالة والتنمية، واستمرارنا في خوض التجربة طبقا لقرار اللجنة المركزية لحزبنا الذي اتخذ بالإجماع تقريبا (امتناعان اثنان فقط)، تم ويتواصل على أساس تعامل سياسي لا إيديولوجي واستنادا إلى برنامج إصلاحي، وفي ظل عدم إقدام الحكومة على أي تراجع عن المكتسبات المحققة في مجال الحريات الفردية والجماعية، ولا اتخاذ أي قرار يسير في اتجاه معاكس لما تم الاتفاق حوله والتعاقد بشأنه. أعلنتم مؤخرا عن الشروع في الإعداد للمؤتمر الوطني المقبل، ماهي رهانات هذه المحطة التنظيمية؟ هي محطة تنظيمية ضرورية بمقتضى القانون الأساسي للحزب الذي ينص على وجوب عقد المؤتمر الوطني كل أربع سنوات، والذي لابد من التقيد به إعمالا للديمقراطية السائدة داخل الحزب. ولذلك ستعقد اللجنة المركزية للحزب دورتها المقبلة في نهاية شهر نونبر الجاري على أساس جدول أعمال يشمل، بالإضافة إلى تدارس الوضعية السياسية العامة، الشروع في الأعمال التحضيرية لتنظيم المؤتمر الوطني التاسع للحزب، المقرر التئامه قبل متم سنة 2014. المؤتمر سيكون، إذن، دوريا وعاديا من حيث برمجته الزمنية، لكن بالتأكيد، وهذا كان دائما شأن المؤتمرات الوطنية للحزب، سيكون مناسبة مواتية من جهة لتدقيق وإثراء أطروحات الحزب وبرنامجه، بما يلزم من تقييم موضوعي وقراءة نقدية، في ضوء المستجدات الحاصلة منذ المؤتمر الوطني الثامن المنعقد في ماي 2010، ومن جهة ثانية سيوفر الحدث فرص التفعيل اختيارات الحزب التنظيمية وتأهيل مختلف التنظيمات الحزبية والمنظمات والفضاءات التابعة أو الموازية. ومن دون شك أن اجتماع الدورة المقبلة للجنة المركزية، في تزامن مع إحياء الذكرى السبعين لتأسيس الحزب، سينكب، بما يتعين من تفصيل، على دراسة أنجع السبل ووضع الأولويات التنظيمية الملائمة لتمكين الحزب من التوفق في سعيه إلى بناء مستقبله انطلاقا من مساره التاريخي الطويل، وذلك على أساس أن التنظيم ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لمقاربة الواقع في تعقيداته وحركيته، ولمد الجسور مع المحيط المجتمعي للحزب، كما أنه أداة للتوظيف العقلاني والأمثل للموارد وللجهود، قصد تحقيق الأهداف المرسومة، والمتمثلة في خدمة المشروع المجتمعي للحزب..