لا تمانع في دهسك بابتسامتها الصباحية،ورميك بأريج عطرها المدوخ.. أسرت لي يوما،أنها تجلبه من «باريس» عاصمة العطور والجمال والروعة المدهشة.. كم أعجبتني هذه السيدة؟ وكم كانت سببا في اتخاذها موضوعا مستفزا ومستوفزا.. موضوعها أخذ مني كل مأخذ،وجرني لعوالم من التأمل والإعجاب.. والإحساس حتى بالدونية.. إنها سيدة فاتنة وقاتلة بأناقتها، وحرصها الكبيرعلى قوامها وقدها.. سخية في ابتساماتها، التي لن تجد منك إلا أن تسايرها في خطوطها وفواصلها... من هذه السيدة استقي العديد من الصوروالإختيارات والأذواق.. أرجع لذاتي مأنبا.. ناصحا.. موبخا؟ ما الذي ينقصني- ينقصنا- حتى لا نحايث حياتنا بروعة جمالها.. نرتمي في أحضان مباهجها وبريقها.. نغتسل من بهاء عيونها المنبجسة من صخور الصفاء والنقاوة... أفكار وأحاسيس أوحت لي بها سيدة العطور، ومطربة الأنفس..تدخل جليسي متسائلا: - هل تعرف السيدة جيدا؟ - أعرفها كما أعرف نفسي.. عرفتها منذ كانت تلميذة في مدرسة «الإمام مالك بن أنس» لم أكن لأتفطن وقتها لما كانت عليه من الحضوروالعناية، إلا أني أذكربأن التلميذة الصغيرة كانت لا تحب الإختلاط والإنحشارمع جموع التلاميذ من الأصدقاء والأتراب.. تحرص على الوقت بشكل غريب أثار انتباهي.. وفي القسم تتأخرلدقائق ريثما تخرج مجموعة القسم.. سلوك الفتاة الصغيرة سبق زمانها. انتقلنا من قسم لآخر، ومن المدرسة الإبتدائية للإعدادية، للثانوية.. سافرت لمدينة «الرباط» لاستكمال مساري الجامعي.. أجد الطالبة واقفة بجانبي تنظر لملصقات وإعلانات على سبورة نصبت عند مدخل الكلية.. عادتها أن لا تمانع في إهدائك ابتسامة على القد والمقاس..صافحتني بحرارة.. سرت في كل جسمي وخزات لم أستطيع تبين سببها.. لا أخفي أن راودني شك، بأن الطالبة قد تحمل سرا خفيا، وجاذبية خاصة، بهما ستفتح صفحات كتاب التأملات والخواطر. طارت السنوات الأربع في الكلية.. حالف الحظ بعضنا.. حصلت على وظيفة.. عينت باحدى الثانويات التابعة لمدينة «الجديدة» تدبرت أمري..رتبت أوراق أقداري الجديدة.. تجولت في مدينة «الجديدة» مرات ومرات.. استقرت نسبيا. عند اللقاء الأول الذي جمعني بمجموعة من الأساتذة والأستاذات بالثانوية.. رمقت السيدة الأستاذة.. كم كانت فرحتي واستغرابي..؟ بانتشاء طفولي، وإحساس رجولي، لم أدري كيف ارتميت على السيدة حاضنا ومصافحا.. أأنت معي حتى في المهنة والقدر؟مصادفة عجيبة.. وقدر غريب.. - لا.. لا،المسألة بسيطة لها وشاجة بقطعة الخبز، وباقي أثقال الحياة من المطالب والحوائج - بالنسبة لك قد تكون بسيطة، أما أنا فالأمر مختلف،والمسألة جسيمة وثقيلة،إذ كيف لي أن أختزل ذكريات الطفولة والشباب،وما هو آت في قطعة خبز وكأس شاي..؟ إن الأمر يتجاوزني..أجدني منتفخا بما رسمته من علامات وحروف الذكريات.. مع التذكر والإسترجاع أشعر بالمتعة والإكبار.. أتيه فيك وأنت محملة بعبق أيام الماضي والطفولة.. ظفائر الرغبة والخصوبة،وأنت يافعة يانعة.. تختزلين كل الأعراس والفواكه. الآن السيدة لم تعد بعيدة.. ضائعة في تفاصيل حيرة الطفولة والبدايات، لقد حان وقت الصلاة في محرابك الفكه والعطر.. هي قارورة عطر، لكن ليس ذلك الذي ألفت جلبه من عاصمة العطور «باريس»، بل السيدة بلحمها ودمها وأنفاسها..بماضيها وحاضرها، ولم لا بمستقبلها. انقلبت وتحولت قارورة عطرأبدي، تدوخ كل من تاخمها وحايثها.. فما أبهى عطرك؟ وما أحوجنا لمثيلاتك في زمننا المقيت والعطن والعديم العطور. * كاتب مغربي