رغم أن مسقط رأسه، وطفولته..هما هناك بجبال الأطلس المتوسط ، فإن سبو ، ذاكرة وتاريخا وجغرافية ، يقترن أكثر وأكبر ببساط جهة الغرب. ربما لأنه ترعرع وشمخ ..حتى حل بمحطته الأطلنتية، بهذه الجهة. وربما لأنه يحتضن ويلم كل أبنائه / روافده ( من الأطلس والريف معا..) بهذا الغرب، وربما لأنه يعشق ويهيم في هذه الجهة أكثر، بدليل كثرة تعرجه وطوافه في أديم ديارها..ولا غرو إذن من أن يخترق الأقاليم الثلاثة للجهة (سيدي قاسم وسيدي سليمان والقنيطرة)..لكني أتوقع شدة آساه وحسرته في القادم من « الجهوية الموسعة» التي ستبدل نسب وانتماء أهله إلى عدوتي أبي رقراق. أفترض أن كل جيل غرباوي له معك يا سبو ذاكرة شفوية ثرية بالقصص والحكايات، وبالخصوص أجيال القبائل المتاخمة لضفتيك .. بل وأميل إلى التسليم أن بعض القصص العجائبية قد تكون عابرة للأجيال الغرباوية ( وربما للأجيال والجهات المغربية ذات الأنهار الكبرى..)، من قبيل قصة سيدتك ومولاتك عيشه التي تدوخ بجمالها ضيوفك الأحياء والغرقى، لولا عيب نهاية قدميها بفراقش البقروقصة هارون الواد، هارونك طبعا، الذي قبض عليه أولاد يعقوب (دوار غرباوي ) وذبحوه ثم طبخوه..لكنه تحول أثناء الطبخ إلى دم قاني يفيض من الأواني..ثم قصة حمار الليل الذي إذا ما صادف صاحب دعوته ساريا، فإنه يقترب منه ويدعوه إلى ظهره ويسري..ومع سريانه يعلو..ويعلو ..ولما يصل حافتك يرمي بالمسكين في مهواك..غبيرظهير. بعض الدواوير، والى عهد قريب كان سبو هو مصدر ارتواء أنامها ، وطبعا بهيمتها وزرعها ..وأقصد ( بالعهد القريب ) لما أمسى مجرى النهر حمّالا حاملا لما يضر ويعدي ويسمّ من النفايات، حتى أصبح سمك البوري التليذ اللذيذ ، كالضفادع ، يبحلق سقيما قاعيا على قارعة السوق..وأما قبل وبعد هذا العهد ..فقد كان ومايزال الغرب « هبة سبو «. سبو ظل دوما بلسما رطيبا لطفولة أصيافنا القائظة ..لكن قليلة هي العائلات التي لم تكو بنار التهامه لأحد أبنائها، وكأن ذلك قربانا يناله أبدا، ثمنا لمدرسته التي تعلمنا السباحة باكرا..كم أذكر من مناحاتك ونذوبك فينا يا سبو..كم أذكر من أسماء الأهل والناس ..أذكر أن الناس تناولوا شجاعة غطس جدي فيك قرابة ساعة بحثا عن أحد ذويه..وكم أذكر من محكيات ضيافة مولاتك عيشه لعدد من الأسماء الشابة وطلبها الزواج منهم في أغوارك .. كم أذكر من القصص التي تسقطتها النساء عن العرافات والشوافات بشأن مصير هذا الزواج / الغرق..قبل أن تفرج مولاتك عن هذه الأسماء جثتا طافية منطفئة..وبالمناسبة كان الناس يحكون ويصدقون أن أحد القياد الكبار النافذين بالجهة تزوج للا عيشه وكان يدلف إلى قصرها داخلك عبر سيارته..لكنهم لم يذكروا هل رزق منها ذرية أم لا ؟ المعمرون سيجوا ضفتيك في كل ربوع انعراجاتهما (..بعد أن أخلوهما من ساكنتهما..)بضيعات الحوامض ، فوفروا لأهلك ، أول مرة ، العمل الزراعي الأجير..ولنا الأطفال متعة عبورك السري لسرقة البرتقال .وليس المجال هنا لسرد مغامراتنا مع العساسة.. الضيعات تحولت الى ( صوديا) و ( صوجيطا ) خلال السبعينيات ..الشركتان فسدتا وأفلستا بالتمام والكمال..الضيعات تخوصصت ..البرتقال أصبح مرّا غالي المنال..وسبو ، فقط ، يشهد ويشهد في صمت ..كما يشهد على سقوط قنطرة الإستقلال على محياه، بينما قناطر الاستعمار ماتزال شغالة شاخصة بعيونها في وجهه.. المعمرون في أول عهدهم اتخذوا مجراك دربا سالكا لإنتشارهم في رواسبك الخصيبة بالتربة الغرباوية، فأقاموا موانئ وأرصفة صغيرة على ضفتيك ، ونشطوا ملاحتك التجارية تراقصا مع ميناء ليوطي في سافلتك..وما فضل من كل هذا اليوم غير أطلال بئيسة تتحسر متنهدة على حياة سبو التي كانت أيام لفرنسيس.. أكثر ما يحزنني يا سبو(ويحزنك طبعا..) هو الشحوب والهزال الشديد الذي يصيبك في أعوام الجفاف والرمضاء. يجف سريرك ويضمر..تنهدم أنيابك وتسقط ..كأسد هرم عليل ، فيستبيحك الجميع ، وتعود مسرحا فقيرا مغلوبا..لكن سرعان ما تسترجع زهوك وعنفوانك وصولتك ( فأفرح ..)، بل وقسوتك على الكثير من أهلك، وكأنك بفيضاناتك عليهم تذكرهم / تمدهم بما نقص من ريك أوقات الجفاف، حد الغرق.