تعيش تونس خلال اليومين الأخيرين على وقع أزمة سياسيّة وجنائيّة جديدة، فجّر خيوطها هذه المرّة الطيب العقيلي الناطق الرسمي باسم «المبادرة من أجل كشف الحقيقة حول اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي». فقد اتّهم قيادات عليا في حزب «حركة النهضة» الإسلامي الحاكم بالتواطئ، مع إحدى الجماعات الإسلاميّة الليبية، في الاغتيالات السياسيّة الأخيرة في تونس. واتهم وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية التونسي سمير ديلو، أمس، المحامي الطيب العقيلي ب»الكذب والافتراء والاحتيال» بشأن اتّهاماته لقيادات عليا في حزب حركة النهضة، بأنّها على علاقة وثيقة بعبد الحميد بلحاج زعيم «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا، رغم علم تلك القيادات بارتباط تلك الجماعة، حسب ما ذهب إليه العقيلي، بتنظيم «أنصار الشريعة»، المصنّف في تونس تنظيما إرهابيّا والضالع في اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. وكان الطيّب العقيلي قد اتّهم، في مؤتمر صحفي أمس الأوّل، وزارة الداخلية التونسية بتعمّد إخفاء الحقيقة عن تلك الجماعة الليبية، التي اتّهمها بأنّها ضالعة في تدريب تنظيم «أنصار الشريعة» وتسليحه بغاية إقامة دولة الخلافة الإسلامية في تونس، ذاهبا إلى أنّ وزارة الداخلية التونسية تلقت معلومات دقيقة في هذا المضمار، وكاشفا النقاب عن مذكرة صادرة عن الأجهزة الأمنيّة التونسيّة قبل بداية تلك الاغتيالات بشأن الخطر الذي يُشكّله عبد الحكيم بلحاج وجماعته على الأمن الداخلي في تونس، وفق ما ذهب إليه الحقوقي التونسي. ولتأكيد ما ذهب إليه بشأن اتّهاماته لحركة النهضة، كان الطيب العقيلي قد كشف عن صور قال إنّها تجمع عبد الحميد بالحاج بقيادات عليا في حركة النهضة على رأسها زعيم الحركة راشد الغنوشي وأمينها العام حمادي الجبالي والقيادي فيها سمير ديلو، متّهما وزارة الداخلية بالامتناع عن تسمية الجماعة الإسلامية الليبيّة، في تحقيقاتها بشأن الاغتيالات، لارتباطها بحركة النهضة على حد قوله. في هذا الخصوص، كان ردّ الوزير سمير ديلو أمس لاذعا، لا فقط إزاء الطيب العقيلي الناطق الرسمي باسم «المبادرة من أجل كشف الحقيقة حول اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي» وإنّما أيضا حيال العديد من رموز المعارضة التونسيّة التي ساندت العقيلي في اتّهاماته لحركة النهضة، قائلا إنّ «حركة النهضة لن تسقط في الفخّ الذي رُسم لها، فقد فشلت كلّ تحرّكاتهم لإيجاد حلّ للأزمة الراهنة». وأكّد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، في تصريحات لإذاعة موزاييك المحليّة، أّنّ الصور الكاملة التي روّجها الطيب العقيلي على أنّها تجمع راشد الغنوشي وهو شخصيّا بعبد الحميد بلحاج هي صور كاذبة، وأنّ القيادي الموجود في الصورة هو جمال السعداوي أحد رجال الأعمال الليبيين والقيادي بحزب الوطن الليبي الذي يتزعّمه بلحاج، قائلا «من كذب في الجزء فقد كذب في الكلّ». ومن جهته أعلن جمال السعداوي، المُتَحدَّث عنه، أنّه هو الموجود في الصورة المعروضة خلال المؤتمر الصحفي وأنّه التقى فعلا الغنوشي وديلو يوم 26 غشت في مدينة جرجيس بالجنوب التونسي، للاحتفال آنذاك بهروب زعيم النظام الليبي السابق معمر القذافي من قاعدة باب العزيزية بطرابلس. ونفى القيادي اّلإسلامي الليبي أن تكون الجماعة الإسلامية الليبية تقوم بتدريب تونسيين قصد إرسالهم للقتال في سوريا، معتبرا أنّ ذلك يندرج في نطاق محاولات تشويه بعض قياديي الثورة الليبية. أمّا سمير ديلو فقد دافع عن عبد الحميد بلحاج ووصفه بأنّه «رمز من رموز الثورة الليبية» وبأنّه «قام بدراسات تصحيحيّة في الجهاد والحسبة»، واصفا الطيّب العقيلي ب»الجاهل بالجماعات الإسلاميّة وتفريعاتها»، ومعتبرا أنّه يُمثل «خطرا على الديمقراطيّة في تونس». كما انتقد ديلو بشدّة مساندة القيادات السياسيّة المعارضة للعقيلي، قائلا «من العيب توجيه اتهامات لحركة النهضة بعد خمس دقائق من انتهاء الندوة الصحفية». من جهته قال سليم اللغماني أستاذ القانون الدستوري المعروف في تونس، تعقيبا على تصريحات الوزير ديلو، إنّ «الخطأ في الصورة هو أفضل هديّة قُدّمت لحزب حركة النهضة». واعتبر اللغماني، على صفحته في فيسبوك، أنّ «سمير ديلو قد حلّ إشكالا شخصيّا يتعلق بصورته ولكنّه لم يحلّ مشكلا سياسيّا عميقا وخاصّة حين يؤكد أنّ رئيس حزبه (راشد الغنوشي) ورئيس الحكومة السابقة (حمادي الجبالي) سبق لهما أن التقيا بلحاج، مضيفا أنّه من الأجدى التساؤل إن كان قياديو النهضة قد التقوا بعبد الحميد بلحاج زمن صدور مذكرة أجهزة وزارة الداخلية التي تعتبر أنّ بلحاج يُشكّل خطرا على الأمن الداخلي في تونس. كما اعتبر اللغاني أنّ سمير ديلو اهتمّ متعمّدا بالجزئيات وهمّش الجوانب الأهمّ. والجدير بالذكر أنّ عبد الحكيم بلحاج رئيس حزب الوطن الليبي والرئيس السابق للمجلس العسكري في طرابلس إبّان ثورة 17 فيفري كان قد نفى أمس الأوّل بشكل قطعيّ الاتهامات التي وجّهها إليه الطيب العقيلي. وأكّد بلحاج، في تغريدات على صفحته في موقع تويتر، أنّه لا يرتبط بأيّ علاقة بتنظيم «أنصار الشريعة» السلفي المتشدّد. وقال بلحاج، الذي يُعدّ من مؤسّسي الجماعة الإسلاميّة المقاتلة في ليبيا وأحد «المجاهدين» القدامي في أفغانستان، إنه لم يلتق مطلقا بزعيم هذا التنظيم سيف الله بن حسين المكنى ب»أبو عياض»، حسب قوله، مؤكدا أنه ضدّ كلّ ما تدعو إليه جماعة «أنصار الشريعة» من وسائل وأفكار ومنهج، على حدّ تعبيره.