تختتم، اليوم، بالرباط، فعاليات المؤتمر الرابع لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، والذي عرف مشاركة حوالي ثلاثة آلاف مشارك يمثلون أكثر من 100 دولة من مختلف القارات. وقد شكل هذا المؤتمر الذي يعقد لأول مرة في بلد إفريقي وعربي، فرصة لتعميق النقاش بخصوص العديد من القضايا التي تستأثر باهتمام الفاعلين المحليين من منتخبين وسلطات محلية من قبيل اللامركزية والحكم الذاتي المحلي وموضوع المساواة بين الجنسية وسبل تعزيز دور النساء في تدبير الشأن المحلي وإشكالية الحكامة وسبل تجويد حياة سكان المدن وتدبير التنوع ومواضيع أخرى شكلت تيمية هذا المؤتمر، تمحورت حول موضوع «تصور المجتمع وبناء الديمقراطية» وتمت مقاربتها من خلال مجموعات العمل وعلى مستوى الندوات والورشات التي احتضنتها فضاءات المؤتمر. وقد تميزت الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، بالرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس للمشاركين في هذه التظاهرة العالمية، أكد من خلالها على أن «النهوض بالتنمية الاقتصادية، وتشجيع الاستثمار في الرأسمال البشري، وتقوية التضامن بين الجماعات الترابية، واعتماد الابتكار لتدبير التنوع في أوساطها، والتحكم في مستقبل النمو الحضري بها، تشكل كلها انشغالات آنية تفرض نفسها بحدة، في وقت يشهد فيه العالم تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة ومتواترة، تجسد الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية أحد أهم تجلياتها». وأضافت الرسالة السامية التي تلاها عمدة مدينة الرباط فتح الله ولعلو، أن ذلك «يقتضي تضافر جهود الحكومات المركزية والحكومات الجهوية والمحلية، من أجل العمل على تجاوز الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة». ووقفت الرسالة الملكية على الإصلاحات الجوهرية التي تبنها المغرب، والمتمثلة بالخصوص في دسترة الجهوية المتقدمة التي تهدف، بحسب جلالة الملك» إلى إقرار تنظيم ترابي متكامل، يؤسس لمرحلة جديدة في مسار تقوية الديمقراطية المحلية، وترسيخ مكانة الجماعات الترابية كشريك أساسي، بجانب الدولة والقطاع الخاص، في تدبير قضايا التنمية». وفي ذات السياق، أشار جلالته، إلى المبادرة الجريئة التي قدمها المغرب والمتمثلة في تخويل «أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، يتيح لسكان المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، في إطار وحدة المملكة وسيادتها على كامل أراضيها، ويراعي خصوصياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وأصالتهم الثقافية، باعتبارها من روافد الهوية المغربية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها». وأكد جلالة الملك على «أن الحكم الذاتي يعد جوابا عصريا وفعالا، على تطلعات ساكنة المنطقة لتحقيق المصالحة، والنهوض بالتنمية، والعيش في إطار الحرية والكرامة، وفي ظل الأمن والاستقرار». كما تطرقت الرسالة الملكية إلى مجموعة من المواضيع الأخرى ذات الصلة بالتدبير المحلي وبنظام اللامركزية الترابية والتدبير الديمقراطي للجهات والجماعات الترابية وعلاقتها بالحكامة الجيدة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، وكذا الشراكة مع المجتمع المدني وتمكين المرأة وتعزيز مساهمتها في مختلف المجالات. من جانبه، اعتبر عمدة اسطنبول ورئيس منظمة المدن والحكومات المحلية قادير توباس، في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية، أن الدورة الرابعة التي تنعقد بالرباط، تشكل محطة أساسية لكل المشاركين من أجل بلورة تصور مشترك في أفق مراجعة أهداف الألفية من أجل التنمية لما بعد سنة 2015، مؤكدا على أهمية الدور الذي تضطلع به الحكومات المحلية في هذا الاتجاه باعتبارها قاطرة للتنمية في بعدها المحلي والوطني. وبخصوص الإشكالات والتحديات التي تواجهه مدن اليوم، ذكر قادير توباس، بإشكالية التمدن المتسارعة التي يعرفها العالم، والتي تفرض على الحكومات المحلية إعمال سياسة القرب مع المواطنين دون تمييز وتوفير الخدمات وتجويد حياة عيش ساكنة هذه المدن. وفي ذات السياق، حث جون كلوس مساعد الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمنظمة الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية، في كلمة له بالمناسبة، الحكومات الملحية على ضرورة الانكباب على الاشكالات الكبرى التي باتت تعرفها المدن وذلك في أفق القمة العالمية الثالثة للإسكان والتي ستعقد في غضون سنة 2016، مبرزا في هذا الصدد أن الارتفاع المضطرد لوتيرة التحضر التي يعرفها العالم، تحتم على المدن وخاصة في البلدان النامية العديد من التحديات الكبرى المرتبطة أساسا بالبنيات التحتية ونوعية وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وخلال مؤتمر صحفي عقده بشكل مشترك مع رئيس منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة وعمدة اسطنبول قادير توباس، ذكر فتح الله ولعلو عمدة مدينة الرباط، أن هذا المؤتمر الذي يعقد لأول مرة في بلد إفريقي وعربي، سيجعل من عاصمة المملكة، بوصلة في تاريخ الجماعات المحلية والحكومات المحلية، مشيرا إلى أن مدينة الرباط أضحت على مدى أربعة أيام، فضاء لتبادل الخبرات والتجارب العالمية في مجال حكامة المدن والحكومات المحلية، كما مكن هذا المؤتمر المغرب، يضيف ولعلو، من التعريف بالإصلاحات الكبرى التي باشرها منذ مدة، وجعل المشاركون يطلعون على المغرب المنفتح والحامل لقيم التسامح والانفتاح والتنوع الذي يشكل المغرب جوهره بالنظر إلى مقوماته التراثية والثقافية والحضرية وكذا بالنظر إلى موقعه الجغرافي المتميز. وشدد فتح ولعلو على التحديات الكبرى التي تواجهها الإنسانية، والتي باتت تفرض على المدن والحكومات المحلية، البحث عن الوسائل والإمكانات اللازمة من أجل الاستجابة لحاجيات الساكنة، مبرزا أهمية تعزيز دور المنظمة داخل هيئة الأممالمتحدة وأهمية عمل السلطات المحلية والمنتخبين إلى جانب المجتمع المدني من أجل تسوية المشاكل المطروحة على المديين المتوسط والقصير.