ليست المحاذير التي تضمنتها تصريحات ومواقف وكتابات ومناشدات أطراف كثيرة حول تأخر المشاورات الجارية من أجل تشكيل أغلبية جديدة، منبعثة فقط من الوعي بحاجة البلاد إلى وجود حكومة، وإلى تأمين السير الطبيعي لمؤسسات الدولة من دون «انتظارية» قد تكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد وعلى المجتمع وعلى تطلعات المواطنات والمواطنين، وإنما هذه المطالب والتنبيهات، أو بعضها على الأقل، كانت تنطلق من قراءة أكثر إستراتيجية لمستقبل بلادنا، أي أنها تروم الدفاع عن... «النموذج المغربي». من دون شك، يقر الجميع اليوم أن المغرب نجح فعلا في إعمال نموذج مغربي متفرد قياسا لما جرى أو يجري في المنطقة، وهو النموذج التي تبلور من دون إسالة أي قطرة دم، كما أنه نجح بسبب توفر البلاد على مؤسسات راسخة وذات شرعية، وبسبب التفاعل الذكي والسريع لجلالة الملك مع مطالب الشارع، وثالثا بسبب انتصار قوى سياسية وازنة في البلاد للخيار الواقعي، وللحرص على ثوابت البلاد، وعلى اعتبار الاستقرار خطا أحمر لا يمكن التفريط فيه مهما كانت الحسابات السياسية. اليوم لابد أن تعود هذه التعبئة الوطنية إلى زخمها، وأن تنتج دينامية سياسية حقيقية في البلاد، من شأنها تقوية الانكباب على أوراش الإصلاح المستعجلة، والتي يبقى النجاح فيها هو الكفيل بتمكين بلادنا من المضي قدما في مسارها التنموي والديمقراطي، والتجاوب السريع والفعال مع التطلعات المشروعة لجماهير شعبنا وفئاته الشابة في الشغل والكرامة والعدالة الاجتماعية... وللتذكير فقط، فإن قوة النموذج المغربي وفرادته توجدان بالذات في كونه قام في الأصل على الحرص الجماعي على دولة المؤسسات، وعلى التغيير عبر الآليات الديمقراطية المتعارف عليها كونيا، ومن خلال توافق سياسي واسع في المجتمع، وهذا يجعل اليوم أي ميل لاستنساخ نماذج أجنبية وإسقاطها على واقع بلادنا بمثابة لعب بالنار، ولا يعدو كونه تفكيرا عبثيا بلا أي أفق. بلادنا اليوم يجب أن تخرج من واقع «الانتظارية» بسرعة، ويجب كذلك أن تستعيد الوعي الجماعي بثوابت نموذجها الذي اختارته من البداية، وتحرص على تجديد التشبث به والإصرار عليه، علاوة على أن الأولوية اليوم يجب أن تستهدف الإصلاحات المستعجلة المطروحة، والتي تجسد المطالب والتطلعات المشروعة لشعبنا. البلاد مدعوة للخروج إلى العمل بلا أي انتظارية، هذا هو المطلوب اليوم، وأن يتم في إطار احترام دولة المؤسسات وثوابت اختياراتنا المجتمعية ونموذجنا المتفرد. إلى العمل إذن.