العالم كله يترقب الضربة العسكرية المرتقبة ضد سوريا، وبرأي عدد من المحللين فهي يمكن أن تقع في أي لحظة، كما أن المؤشرات والمواقف الصادرة هنا وهناك تفيد بوجود إرادة أمريكية واضحة للقيام بذلك حال تلقي الرئيس أوباما «الضوء الأخضر» من الكونغريس، وذلك رغم تنامي التحفظات بين الدول الأوربية، وتزايد اتجاهات رفض الحرب وسط الشعوب في مختلف أرجاء العالم. بداية لابد من التأكيد على أن التدخل الأجنبي، أمريكيا كان أو في إطار تحالف دولي، يعتبر فعلا مرفوضا من حيث المبدأ والقانون، ذلك أن استعمال القوة في العلاقات الدولية يعتبر خارج القانون، إلا عند الدفاع الشرعي، أو في إطار الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. ومن جهة أخرى، فان الحرب لن يكون ضحيتها سوى الشعب السوري ومقدرات بلاده، فضلا عن السلم والأمن الإقليميين في منطقة هي اليوم الأكثر سخونة في العالم كله، علاوة على أن التدخلات العسكرية الأجنبية لم تؤد في السابق إلى حل الأزمات»العراق وأفغانستان مثلا»، وإنما لازالت تداعياتها ومآسيها مستمرة إلى اليوم تكتوي الشعوب بنيرانها. وبينما يحبس العالم هذه الأيام أنفاسه مترقبا بداية الحرب، فانه يجدر أيضا تجديد التأكيد على مسؤولية النظام الديكتاتوري الدموي السوري في الوصول بالبلاد إلى هذا المآل، فبشار الأسد لم يتردد في ممارسة التقتيل في حق شعبه طيلة شهور، وقد ساهم في تدمير البلد وبنياته التحتية، كما أنه لم يرد الاستماع إلى نصائح ومناشدات أحد، وقبل أيام لم يتردد كذلك في استعمال السلاح الكيميائي ضد شعبه في مناطق بريف دمشق، ما أدى إلى تقوية اتجاه المدافعين عن الحرب في العالم، وقدم لهم المبرر اللازم من أجل تنفيذ الضربة العسكرية. إن دموية الديكتاتور السوري هي التي أدخلت بلاده والمنطقة في هذا المنغلق المأساوي، تماما كما فعل من قبل القذافي في ليبيا، وقبلهما صدام حسين في العراق، كما أن الشعب السوري، للتذكير فقط، كان قد بدأ ثورته من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية، وبالذات ضد ديكتاتورية النظام البعثي واستبداديته، لكن هذا الأخير، وبدل الإنصات لنبض شعبه، والتفاعل الايجابي مع المطالب المشروعة، أخرج الدبابات والقنابل والرصاص الحي و»الشبيحة»والطائرات والصواريخ ليواجه الصدور العارية، ويسقط الضحايا من المواطنات والمواطنين الأبرياء، ودفع الأحداث والوقائع نحو كثير من التطرف والالتباس، إلى أن صارت في الطرف المقابل أيضا كثير فصائل وخلايا ومصالح، وتعقد الوضع العام، ولم يعد في المكان حيز للعقلاء. اليوم لم يعد التعقيد والغموض يميزان فقط واقع المعارضة السورية وثورتها ضد نظام الأسد، وإنما صار كذلك ميزة الموقف الدولي مما يجري. ففي حين لا يمكن للنظام السوري أن يفلت من العقاب بشأن استعمال السلاح الكيميائي ضد شعبه، ولا حسابات السياسات الأمريكية الداخلية تسمح للرئيس اوباما أن يظهر أي عجز أو تردد عن القيام بفعل ضد ذلك، فهناك أيضا تزايد مشاعر التخوف في العالم من جدوى الضربة العسكرية، وما إذا كان بإمكانها أن تحدث أي تغيير جدي في موازين القوى، وما إذا كان الشعب السوري نفسه هو ضحية الحرب وليس النظام. إن الوضع ليس سهلا، وفيه كثير تعقيدات، خصوصا في ضل التشتت والالتباس المميزين لفصائل الثورة السورية حاليا، وأيضا رفض النظام القيام بأي تنازلات أو مبادرة جدية لوقف المأساة، ولكن يبقى النداء دائما موجها لعقلاء البلاد والمنطقة، ولقوى الشعب السوري، بأن يواصلوا البحث عن مخرج سياسي وطني مستقل، من شأنه أن يقي البلاد ويلات الحرب والتدخل الأجنبي، ويؤمن لسوريا الانتقال نحو بناء الدولة الديمقراطية القائمة على التعددية والانفتاح والاستقرار والوحدة واحترام حقوق الإنسان، والسعي لتحقيق مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والأمن والعيش الكريم. عدا هذا، فالبلاد تواجه، مع التدخل الأجنبي، خطر الدخول في حرب أهلية لن يكون الخاسر منها سوى الشعب، وقد تتحول سوريا إلى أفغانستان ثانية، أو أنها ستعيد تكريس السيناريو العراقي.