في الوقت الذي استأنف فيه مفتشو الأممالمتحدة عن الأسلحة الكيميائية مهمتهم في سوريا، بعد تعليقها بسبب مخاوف أمنية، ينصبّ الاهتمام نحو البيت الأبيض في انتظار القرار الحاسم للرئيس الأميركي باراك أوباما. كثر الحديث وتعدّدت التصريحات الدولية الرسمية عن اقتراب توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا كردّ على استخدام نظام بشّار الأسد للأسلحة الكيميائية ضدّ شعبه في ريف دمشق. ويبدو موقف الرئيس الأميركي، الذي تجنّب على مدى أشهر التورّط عسكريا في سوريا، صعبا. بعد عشر سنوات على قرار الرئيس الأميركي السابق جورج بوش اجتياح العراق دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، وجد الرئيس أوباما نفسه مدفوعا إلى ضرب النظام السوري دون اللجوء إلى الأممالمتحدة. وأكد تقرير لمجلة »فورين بولسي« الأميركية أن الاستخبارات الأميركية متأكّدة من استعمال القوات النظامية في سوريا للأسلحة الكيميائية والدليل على ذلك تسجيل لمكالمة تم التنصّت عليها. هذه المكالمة الهاتفية جرت بين مسؤول في وزارة الدفاع السورية وقائد وحدة السلاح الكيميائي. ونقلت المجلة الأميركية أنه »يوم الاربعاء الماضي، وفي الساعات التي تلت الهجوم الكيميائي في شرق دمشق، أجرى مسؤول في وزارة الدفاع مكالمات هاتفية وهو مصاب بالذعر مع رئيس وحدة الأسلحة الكيميائية وطلب منه تفسيرات حول الضربة بغاز الأعصاب التي أدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص«. الاستخبارات الأميركية على يقين من أن النظام السوري ستخدم الأسلحة الكيميائية في 21 آب ?اغسطس، وتعتبر المكالمات الهاتفية التي تم التنصت عليها دليلا إلى جانب، تصريحات الأطباء المحليين والشرائط المصورة التي توثّق لهذه المأساة، »السبب الرئيسي الذي يجعل المسؤولين الأميركيين يؤكدون على أن هذه الهجمات يقف وراءها نظام بشار الأسد ولهذا السبب أيضا يستعد الجيش الأميركي لشن هجوم ضد هذا النظام في الأيام المقبلة«، وفق » فورين بولسي«. ومع ذلك لا يزال أمام الإدارة الأميركية انتظار الأدلة التقليدية، التي بحث عنها بعثة الأممالمتحدة في سوريا، وهي الأدلة التي تعبر المعيار الدقيق في حالات استعمال الأسلحة الكيميائية: التربة، والدم، والعينات البيئية الأخرى التي يتم اجراء اختبارات عليها لبيان تفاعلاتها مع الأعصاب. ولا يزال النقاش دائرا داخل إدارة أوباما حول ما ضرورة توجيه ضربة للأسد فورا أو انتظار تقرير مفتشي الأممالمتحدة في محاولة لجمع تلك البراهين قبل أن يبدأ القصف. وفي ظل غياب توافق في مجلس الأمن يتوقع أن ينفذ العملية في سوريا »تحالف متطوعين« مثل ذلك الذي أطاح بصدام حسين في العراق. وعمد الفريق المعارض للتدخل العسكري في سوريا، على غرار حليفتا دمشقموسكو وطهران، إلى التذكير بأن اجتياح العراق في 2003 كان مستندا على معلومات خاطئة حول وجود أسلحة دمار شامل. في المقابل يؤكد الأوروبيون والأميركيون بشكل علني أن الجيش السوري يقف وراء الهجوم المفترض بالأسلحة الكيميائية في ريف دمشق الأسبوع الماضي. وأكد ريتشارد غوان من جامعة نيويورك، أن »هذه المرة الأمر مختلف«. وقال »وحده المؤيد لنظرية المؤامرة يمكنه القول إن أوباما أراد الوصول إلى هنا، في حين أن إدارة بوش كانت راغبة بشكل واضح باجتياح العراق في 2003«. وآنذاك كانت ألمانياوفرنسا تعارضان العملية فيما ساندت لندن جورج بوش. وفي الحالة السورية أبرز القوى الأوروبية تؤيد العملية. وسبق أن استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد ثلاثة مشاريع قرارات عرضها الغربيون للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد. وقال ريتشارد غوان إن »موسكو وبكين ستدينان دون شك أي عمل عسكري لكن واشنطن مقتنعة بأن التحرك ضد دمشق مبرر أخلاقيا وأن ضبط النفس الذي أبداه أوباما حتى الآن يرتقب أن يساعده على دعم قضيته«. قال ريتشارد هاس رئيس المجلس حول العلاقات الدولية والدبلوماسي الأميركي السابق إن »مجلس الأمن لا يمكن أن يكون الضامن الوحيد لما هو مشروع وقانوني«. وأضاف »هذا الأمر سيتيح لدولة مثل روسيا أن تكون لها الكلمة الفصل في القوانين الدولية وبشكل أشمل حول العلاقات الدولية«. وأوضح أن واشنطن »تسعى إلى إيجاد توازن« بين عمل عسكري قوي بما فيه الكفاية »لفرض الفكرة القائلة إنه توجد فعليا خطوط حمراء يجب عدم تجاوزها« دون أن يكون قويا أو طويل الأمد كثيرا »حتى لا تصبح الولاياتالمتحدة طرفا في هذه الحرب الأهلية«. ومثلما لجأت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى حلف شمال الأطلسي دون المرور بالأممالمتحدة لقصف صربيا في 1999، فيمكنها مجددا بحسب ريتشارد هاس »تأمين دعم متعدد الأطراف« عبر الاستناد إلى حلف شمال الأطلسي أو دول عربية معارضة للرئيس السوري بشار الأسد. وبالتالي يمكن بحسبه لعشرات الدول أن تشكل »تحالف متطوعين«. وترجح التوقعات أن يكون هدف أي ضربة توجهها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى سوريا هو تلقين الرئيس بشار الأسد وإيران درسا بخصوص عواقب تحدي الغرب لا تغيير دفة الحرب الأهلية. ويقول مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن شن هجوم قصير ومركز قد يقتصر على استخدام صواريخ كروز هو أفضل رد على ما يعتقدون أنه مسؤولية الأسد عن هجوم بالأسلحة الكيميائية تعرضت له مناطق تسيطر عليها المعارضة. و من المستبعد أن تحدث الضربة المحدودة تغييرا جذريا على أرض الواقع في العوامل التي تحرك الأزمة منذ أكثر من عامين وتجاوز عدد القتلى فيها المئة ألف. كذلك فإمكانية أن تؤدي إلى جمع الأطراف المتقاتلة على طاولة المفاوضات بعيدة كما أن بروز جماعات إسلامية متطرفة في أوساط مقاتلي المعارضة ليس فألا طيبا لما قد يأتي بعد بشار الأسد. ومن المرجح أن يكون التدخل مكلفا. فالمقاتلون الذين لم ينخرطوا في التطرف حتى الآن قد يصابون بخيبة أمل إزاء الطابع المحدود للضربة ويمكن أن يتألموا مما قد يسقط من ضحايا بين المدنيين. وسيكون الرد الانتقامي من جانب سوريا ومؤيديها الأجانب مكلفا. فالصراع في سوريا يضر بالأردن حيث كان الاقتصاد الهش بالفعل يعتمد على المساعدات الخارجية قبل طوفان اللاجئين السوريين. وروسيا التي تزود تركيا بأربعة بالمئة من وارداتها النفطية يمكن أن تحاول معاقبتها لدعمها الضربة. وهذا قد يزيد الضغط على الليرة المتهالكة. كما أن الآمال في ذوبان الجليد في العلاقات مع القيادة الإيرانية الجديدة قد تضعف أيضا. وعلاوة على ذلك فإن تأجيج التوترات السنية/ الشيعية في المنطقة بأسرها يؤدي إلى توترات دائمة في سوق النفط. بالفعل فإن الامتناع عن القيام بعمل سيكون له أيضا ثمنه. وقد يمتد الصراع السوري إلى دول مجاورة حتى من دون التدخل العسكري الخارجي ويؤدي في النهاية إلى نفس النتائج. وفي المقابل على الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين أن يعرفوا أنهم سوف يضطرون إلى مواجهة عواقب وخيمة أيا كان اختيارهم. يتعالى صوت الحرب بين الأوساط السياسية الدولية لتوجيه ضربات لأهداف سورية كرد على اتهام النظام باستخدام الأسلحة الكيمائية، فيما لا أحد يبالي بالأصوات الرافضة للحرب، وهي في أغلب الأحوال غير متعاطفة مع نظام بشار الأسد، فقط ترى أن طريق الحرب لا يقود إلى السلام أبدا. مهما علت الأصوات الرافضة للحرب في الأوساط الغربية، فأن لا أحد سيسمعها، ستعرض الشاشات التظاهرات، وسيسمح لآراء المعلقين الرافضين، وستنشر التصريحات، لكن الحرب أقوى حتى هذه اللحظة. واختارت صحيفة «اندبيندينت» في عددها الصادر الاربعاء عنوانا لعب على التاريخ القريب وعلى وقع التناغم في اللغة الانكليزية عندما نشرت صورة كبيرة على صدر صفحتها الأولى لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون المتحمس لشن الحرب، وفوقها جملة «وريث بلير» (The heir Blair) في دلالة عن الأكاذيب التي تصاعدت مع حرب العراق بل عشرة أعوام. «تحالف أوقفوا الحرب» الذي تظاهر الملايين من مناصريه في المدن البريطانية ضد الحرب التي شنت على العراق عام 2003، دعا إلى مظاهرة طارئة أمام مكتب رئاسة الحكومة البريطانية «10 داوننغ ستريت» مساء الأربعاء، للاحتجاج على مهاجمة سوريا. وقال التحالف إن «بريطانيا والولاياتالمتحدةوفرنسا تتجه لارتكاب تدخّل عسكري كارثي آخر»، معتبرة أن «أي هجوم على سوريا سيؤجج فقط حرباً أهلية كارثية ويزيد من مخاطر جر قوى إقليمية أخرى لها، بصرف النظر عن الخسائر التي لا مفر منها». وأضاف أن معظم الناس في بريطانيا تعلموا الدروس من كوارث العراق وأفغانستان وليبيا، فيما اعتبر سايمون جنكينز أشهر كتاب الأعمدة في الصحافة البريطانية، التهديد الحقيقي لطريقة البريطانيين في حياتهم، ليس الإرهابيين أو الطغاة في البلدان البعيدة، بل السياسيين الذين انتخبهم الشعب البريطاني. ونبه جنكينز في مقال له في صحيفة الغارديان الأربعاء إلى قناعة شاعت اليوم أكثر من أي وقت مضى حول الخطر الذي يهدد الأمن القومي أثر محاكاة التعصب من قبل الحكومات الغربية. وذكر الكاتب الذي تحظى مقالاته في صحيفتي «ايفينيغ ستاندر» و»الغارديان» باستخدام توني بلير مرارا وتكرارا لاستخدام الإرهاب لتبرير سلطات مكافحة الإرهاب الصارمة في بريطانيا، في سياق حربي العراق وأفغانستان. في وقت حذّر جاستين ويلبي زعيم الكنيسة الانغليكانية ورئيس اساقفة كانتربري الأربعاء، من أن العمل العسكري ضد سوريا ستكون له «عواقب لا يمكن التنبؤ بها» في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي. وعبر ويلبي على خطى سلفه روان وليامز، عن خشيته من عواقب رهيبة محتملة لا يمكن وصفها للتدخل العسكري، محذراً النواب البريطانيين الذين سيصوتون الخميس، على ما إذا كانوا يؤيدون التدخل العسكري في سوريا، من «عدم التسرّع في اتخاذ القرارات». وأضاف أن أول الأشياء التي يتعيّن على النواب البريطانيين وضعها في الاعتبار خلال نقاشهم، هو «التأكد من الحقائق على أرض الواقع، والثاني إمكانية اتخاذ رد مدروس، بما في ذلك القوة المسلّحة عند التأكد من الحقائق على الأرض من دون وقوع تداعيات لا يمكن التنبؤ بها في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي». وأشار رئيس أساقفة كانتربوري إلى أنه أجرى محادثات عديدة خلال زيارته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، و»يعتقد أن الشعور الطاغي يتحرك حقاً إلى جانب إحساس رهيب من الخوف بشأن ما يمكن أن يحدث فيها في غضون الأسابيع القليلة المقبلة». في حين اعلن وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز الأربعاء ان بلاده «ما زالت غير مقتنعة» بشرعية التدخل العسكري في سوريا وتطالب الدول التي تؤكد حيازة إثباتات على استخدام نظام دمشق أسلحة كيميائية مشاطرة معلوماتها. وصرح وزير الخارجية عبر التلفزيون الرسمي «ار تي بي اف» «ما زلت غير مقتنع. ما نطالب به هو ان نتلقى معلومات تثبت من استخدم هذه الأسلحة» الكيميائية». وأضاف ان بلجيكا تطالب بتوضيحات «اولا من الأممالمتحدة، ان تمكن المفتشون في المكان من تنفيذ مهمتهم». لكنه اكد انه «اذا كانت فرنساوالولاياتالمتحدة وبريطانيا تملك معلومات بهذا الخصوص فلتشاطرها مع حلفائها في الحلف الاطلسي». أما الاخضر الابراهيمي المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية لسورية فعبر عن رفضه القاطع للتدخل العسكري في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. واعترف الابراهيمي الأربعاء أمام مجموعة من الصحفيين في جنيف بوجود بعض العلامات على استخدام أسلحة كيمائية في محيط العاصمة السورية دمشق. وأضاف أن القانون الدولي ينص على ضرورة موافقة جميع الدول الخمسة عشر الأعضاء في مجلس الأمن قبل شن هجوم على سورية لكنه أشار إلى أنه شخصيا يرفض التدخل «من حيث المبدأ». وأكد الدبلوماسي الجزائري «لقد قتل ما يكفي في سورية ولا أحد يريد المزيد من القتل بل نريد وقف القتل». ونشرت كالة رويترز مقالا لاونا جالاني من دون ان تتبنى محتواه، حيث قالت «على القوى الغربية التي تتأهب لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا أن توازن بين ثمن الامتناع عن القيام بعمل والأثر السلبي المحتمل للتدخل. وسيكون لشكل التدخل العسكري أهميته لكن كل الخيارات محفوفة بالمخاطر في هذه الحرب الطائفية». وقالت «على الارجح ستهدف الضربات الدقيقة التي يجري التفكير فيها لإضعاف قدرة النظام على نشر الأسلحة الكيماوية لا استهداف مخزونات الأسلحة نفسها بسبب المخاطر الجلية التي ينطوي عليها ذلك». وتساءلت عما سيكون للغرب القدر على تحاشي التصعيد وطول المعركة». واستبعدت أن تحدث الضربة المحدودة تغييرا جذريا على أرض الواقع في العوامل التي تحرك الأزمة منذ أكثر من عامين وتجاوز عدد القتلى فيها المئة الف. واستبعاد إمكانية أن تؤدي إلى جمع الإطراف المتقاتلة على طاولة المفاوضات بعيدة كما أن بروز جماعات اسلامية متطرفة في أوساط مقاتلي المعارضة ليس فألا طيبا لما قد يأتي بعد الرئيس بشار الاسد. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن النزاع السوري «وصل إلى المرحلة الحرجة»، ولكنه أكد أيضا على ضرورة منح السلام والدبلوماسية فرصة. وقال في مؤتمر صحفي في لاهاي «ما من شك في أن استخدام الأسلحة الكيماوية من أي طرف يمثل انتهاكا شنيعا ينبغي معاقبة مرتكبه.. ولكن في هذا الوقت لابد من الوقوف على الحقائق».