ضرورة خلق الاستثمارات المنتجة وملاءمة التعليم مع حاجيات سوق العمل لامتصاص العطالة أجمع المشاركون في لقاء حول «أي سياسة تنموية من أجل تشغيل لائق» نظمته اللجنة الاقتصادية لحزب التقدم والاشتراكية، أن السياسات العامة في مجال التشغيل يجب أن تأخذ في اعتبارها الإكراهات التي تحول دون خلق فرص الشغل، للحد من ظاهرة البطالة في أوساط الشباب الذين يشكلون نسبة مهمة من المجتمع ومن الباحثين عن العمل. وفي مستهل اللقاء الذي نظمته اللجنة الاقتصادية لحزب التقدم والاشتراكية مساء أول أمس الخميس بالرباط، أكد عبد السلام الصديقي، أستاذ جامعي وعضو الديوان السياسي للحزب على أن المبادرات المطروحة حاليا أتبثت محدوديتها، بفعل أن سوق الشغل بالمغرب لازال مجزء، كما أن قطاعات حيوية لا تساهم في خلق فرص الشغل، مستدلا بذلك على القطاع الصناعي الذي لا يساهم إلا في خلق 3 في المائة من مناصب الشغل المحدثة. وذكر الصديقي بأن النمو لا يؤدي بالضرورة إلى خلق فرص الشغل، وربما قد يؤدي إلى نقص مناصب الشغل، داعيا إلى ضرورة إيلاء الأهمية للاستثمارات الإنتاجية. وقال لو افترضنا أن نقطة إضافية في معدل النمو تؤدي إلى خلق ما بين 25 إلى 30 ألف منصب شغل، فإن المغرب يحتاج إلى تحقيق أكثر من 6 في المائة كمعدل نمو سنوي للوصول إلى امتصاص الوافدين على سوق الشغل، دون احتساب الفائضين من العاطلين الباحثين عن العمل. وشدد عبد السلام الصديقي على أن تحقيق 6 في المائة كمعدل نمو ليس مستحيلا، ولكنه مستعص في الوقت الحاضر. ويبقى الطموح الإرادي وحده القادر على المساهمة في خلق نحو 100 ألف منصب شغل. وحول موضوع العطالة وسوق الشغل، قدم عبد اللطيف إد ماحما رئيس ديوان وزير التشغيل والتكوين المهني معطيات تفيد بأن العدد الإجمالي لطالبي العمل بالمغرب يصل إلى 180 ألف شخص سنويا، وهو ما يرفع من أعداد الساكنة النشيطة إلى 11.5 مليون شخص، من أصل 32.6 مليون نسمة حجم سكان البلد. ويتصدر القطاع الفلاحي قائمة القطاعات المشغلة بالمغرب حيث يشغل حوالي 39 في المائة من مجموع الساكنة النشيطة، متبوعا بقطاع الخدمات بحوالي 29 في المائة، فالقطاع الصناعي، ثم قطاع الأشغال العمومية، بينما تحتل الإدارة العمومية المراتب المتأخرة، حيث لا تشغل سوى 10 في المائة من مجموع الساكنة النشيطة بالمغرب. وأبرز المتحدث أن القطاع الخاص هو القطاع الذي يخلق فرص شغل أكبر من القطاع العام، حيث أن حوالي 90 في المائة من السكان النشيطين يعملون بهذا القطاع الخاص، بينما لا يشتغل بالقطاع العام سوى نسبة 10 في المائة. وقال عبد اللطيف إد ماحما إن البطالة في المغرب تمس الشباب والنساء أكثر، ذلك أن هاتين الفئتين هما اللتان تعرفان أكبر نسب العاطلين. ويضيف أن هناك تباينات كبيرة بين الجهات من حيث معدل البطالة، حيث ترتفع نسبتها في الجهات التي تعرف نشاطا فلاحيا أقل وتنخفض في الجهات المعروفة بنشاطها الفلاحي. واستطرد إد ماحما بالقول إن معدل البطالة عرف استقرارا ملحوظا خلال السنوات الأخيرية، في حدود حوالي 9 في المائة على المستوى الوطني، بحث يصل عدد العاطلين إلى أزيد من مليون شخص عاطل عن العمل، أغلبهم من الشباب والنساء. وفي تقديره الشخصي، يرى رئيس ديوان وزير التشغيل أن هناك ملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار في كل السياسات العمومية المتعلقة بالتشغيل، وتهم بالأساس إدماج الباحثين عن العمل، وفك العزلة عن المناطق النائية والصعبة، من أجل توفير سبل التنمية، وإقرار تعاقد اجتماعي من أجل الاستثمار، معتبرا ذلك من الأوراش ذات الأهمية البالغة في الوقت الراهن. وخلص إد ماحما في مداخلته إلى ضرورة ملاءمة النظام التربوي والتكوين المهني مع حاجيات سوق الشغل، مبرزا أن النظام التعليمي الحالي بالمغرب يكرس ظاهرة تخريج أفواج جديدة من العاطلين. وأثنى رئيس ديوان وزير التشغيل على المجهودات التي تقوم بها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، على عكس ما يعتقده الكثيرون، والتي تساهم في إيجاد فرص لحوالي نصف الباحثين عن العمل، مشيرا إلى المبادرات التي تقوم بها الوزارة من أجل توسيع مجالات تدخل الوكالة لتشمل كل أنواع الشغل. واعتبر سعد بلغازي، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية والخبير الاقتصادي أن إشكالية التشغيل في المغرب ترتبط بالبنية الاجتماعية للمجتمع المغربي، مشيرا أن تحقيق نسبة نمو جيدة لا تعني بالضرورة توفير فرص شغل كثيرة. وقال في مداخلته إن الإطار العام الذي يؤطر إشكالية التشغيل والتنمية في المغرب ترتبط أساسا بالاحترام الكامل للقوانين الدولية المتعلقة بحرية العمل، ووجود تمثيلية نقابية واسعة، ومؤسسة الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى وجود التغطية الصحية والإنتاجية والدخل الكافي. وأورد سعد بلغازي في مداخلته العديد من المؤشرات التي تتحكم في سوق الشغل وتوزيع السكان النشيطين حسب القطاعات الإنتاجية، ومستوى الأجور في كل قطاع على حد، والإكراهات التي يواجهها من أجل توفير الشغل الملائم لفئات عريضة من المجتمع. وخلص سعد بلغازي إلى أن نظام التشغيل بالمغرب يعتبر من الأنظمة المعقدة إلى حد كبير، وبالتالي فإن مثلا أغلبية كبيرة من المستخدمين خصوصا في القطاع الخاص لا يتوفرون على تغطية صحية، كما أن المقاولات المغربية لا تولي أهمية كبيرة لمسألة التكوين المستمر. وعلى نفس المنوال أكد على بوطيبى الأستاذ الجامعي وعضو اللجنة الاقتصادية لحزب التقدم والاشتراكية أن المغرب يتوفر على إمكانيات وطاقات هائلة يمكن أن تجعل منه نموذجا للتنمية. وجدد بوطيبي التأكيد على أن التنمية لا تعني بالضرورة توسيع آفاق التشغيل بقدر ما تشجع على تحقيق مستوى عيش أفضل. وأبرز الأستاذ الجامعي أن المغرب يتوفر على إمكانيات مهمة، يجب عليه استثمارها، مثلما يجب عليه استثمار الانفتاح الكبير الذي يعيشه في ظل الدستور الجديد، والتزاماته الدولية في مجال التشغيل. مضيفا أن المغرب يتوفر على تمثيلية نقابية وحرية للتعبير فضلا عن وجود شفافية كبيرة وإمكانيات بشرية مهمة، ناهيك عن أن الشباب يشكلون الفئة الغالبة على المجتمع، وهذا ما يجعله قادرا على مواجهة الإكراهات المرتبطة بالتشغيل وخلق فرص الشغل الملائمة.