من أجل تقليص معدل البطالة من 9,1 في المائة حاليا إلى حوالي 6,7 في المائة مستقبلا، فذلك يقتضي بالضرورة أن يعمل الاقتصاد الوطني على خلق ما يعادل 250 ألف منصب شغل جديد سنويا. هذه الأرقام تبدو بعيدة المنال في الوقت الحالي، في نظر عبد الرحيم الحاصل على الإجازة في العلوم الفيزيائية منذ 2004، والذي لم يتوفق بعد في إيجاد منصب شغل يتوافق مع مؤهلاته، فيما قرر أن يرابط إلى جانب العديد من زملائه أمام مبنى البرلمان للضغط على الحكومة من أجل إيجاد مخرج لفئة عريضة من الشباب العاطلين. لكن بالنسبة للمندوبية السامية للتخطيط، فإن تخفيض معدل البطالة إلى الرقم المذكور، ورفع مستوى التشغيل لدى القطاعات الاقتصادية المختلفة، يتطلب بالضرورة تحقيق معدل نمو سنوي لا يقل عن 6,5 في المائة خلال العقد الحالي، في مقابل 4,8 في المائة خلال العقد الماضي، ما يتطلّب رفع معدلات الاستثمار الوطني إلى نحو 40 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي من 35 في المائة حالياً. هذه النظرة للأمور لا تختلف كثيرا عن الدراسات السابقة التي أجراها الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والذي ربط من خلالها إمكانية خلق القطاع الخاص لأزيد من 2,5 مليون منصب في أفق 2020، لكن شريطة أن يفوق معدل النمو السنوي ما يناهز 6,5 في المائة. هنا تبدو مهمة الحكومات المتعاقبة أكثر تعقيدا، خصوصا إذا ما علمنا بأن المغرب ما زال يرهن عديد قطاعاته الاقتصادية، والتي بنى عليها استراتيجياته الكبرى، بالاقتصاد العالمي الذي يشهد في الآونة الأخيرة تقلبات كبرى، أثرت بشكل مباشر على قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المهاجرين المغاربة بالخارج، إلى جانب قطاعات حيوية في قطاع التشغيل، كما هو الحال بالنسبة لقطاع النسيج، الذي غالبا ما يجد نفسه أمام تدهور صادراته لارتباطه الوثيق بالطلب القادم أساسا من بلدان الاتحاد الأوروبي. لكن في الأخير عبد الرحيم ورفاقه لا يكترثون لكل هذا الكلام، فعدد منهم يريدون أمورا تتحقق على أرض الواقع، لا دراسات وبحوث تشرح الوضع دون أن تكون لها القدرة على إيجاد صيغ الخلاص من هذا الوضع. في هذا الوقت لا تجد الحكومة حرجا من الحديث عن منجزاتها في هذا الباب. فتقليص النمو الديموغرافي ساعد في التغلّب جزئياً على مشكلة البطالة خلال العقدين الماضيين، إذ تراجع معدل الخصوبة إلى 1.6 في المائة لكن معدل سوق العمل بقي ينمو ب2.4 في المائة في المتوسط بسبب الأجيال المنحدرة من الفترات السابقة المتميزة بخصوبة مرتفعة، ولولا معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، لكانت البطالة أكبر بكثير. ليس هذا كل شيء فالدراسة المنجزة من قبل المندوبية الساية للتخطيط تريد أن تدخل بعض البهجة إلى المرابطين أمام مقر البرلمان: 190 ألف شخص سيدخلون سنوياً سوق العمل خلال العقدين المقبلين، ليبلغ عدد القادرين على العمل 24,2 مليون شخص عام 2030، أي 64 في المائة من السكان، من بينهم مهاجرون من القرى إلى المدن سعياً إلى العمل. على أن التوقعات لم تقف عند هذا الحد، بل ستكون الفترة الممتدة حتى عام 2018 صعبة للاقتصاد الوطني بسبب الضغط المتوقع على سوق العمل، إذ سيبلغ عدد الفئة النشيطة الافتراضية، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و60 سنة، أكثر من 20 مليون شخص، سيعيش 60 في المائة منهم في المدن الكبرى، وستمثل فئة الشباب الجامعيين أكثر من 45 في المائة من الفئة النشيطة. فهل تقو كل الأرقام والدراسات على حمل عبد الرحيم ورفاقه إلى التريث قليلا وتخفيف ضغط الاحتجاجات، وانتظار تحقيق المراد؟