لقجع يكشف أبرز مستجدات المداخيل الضريبية    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    لقجع: 125 مليار هي الحصيلة الإجمالية لعملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية    بعد مصادقة لجنة القطاعات الاجتماعية.. مجلس النواب يصوت يوم الأربعاء على مشروع قانون الإضراب    في تصريحات مستفزة.. ترامب يسعى إلى السيطرة على غزة وتحويلها إلى "ريفيرا" الشرق الأوسط (فيديو)    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    لقجع يكشف ارتفاع مداخيل الضريبة    ترامب: "أمريكا ستسيطر على غزة"    بحضور وهبي وبنسعيد.. "وصايا عكرود" تخوض في تعديلات مدونة الأسرة    أخنوش يستعرض جهود حكومته للزيادة في الأجور والحفاظ على القدرة الشرائية للمغاربة    تفاصيل اجتماع لجنة اليقظة وتتبع الأسواق والأسعار استعدادا لرمضان الأبرك    إصابة تبعد نجم الوداد عن الملاعب أسبوعين    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    لسعد الشابي يصل إلى الدار البيضاء لتوقيع عقده مع الرجاء    جماعة الدريوش تعقد دورة فبراير العادية وتصادق على عدة اتفاقيات    الحسيمة.. السجن لشخص نصب على مرشحين للهجرة في 18 مليون    10 قتلى في هجوم على مدرسة بالسويد    توقيف شخص بمرتيل للاشتباه في تورطه في التهديد وحيازة السلاح الأبيض    قريبا تنطلق بتطوان أشغال إنجاز الشطر الرابع لطريق الحزام الأخضر    نائبة وزير خارجية غواتيمالا: مخطط الحكم الذاتي أساس واقعي موثوق وجدي لحل نهائي لهذا النزاع    مدينة مدينة المضيق تنظم السباق الدولي 10 كلم في نسخته الخامسة تحت شعار " الرياضة رافعة للتنمية البشرية" .    أخنوش .. الحكومة تحاول تخفيف العبء الجبائي على أصحاب الأجور والمتقاعدين    أخنوش يعبر عن فخره في البرلمان ب"النتائج المحرزة" لحكومته    الحالة الجوية ليوم الأربعاء: طقس بارد وتساقطات مطرية وثلجية    منظمة العفو الدولية تدعو واشنطن لاعتقال نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب    اتفاقية الكهرباء بين المغرب وموريتانيا    الدورة 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تسلط الضوء على الماء واستدامة الفلاحة... فرنسا ضيف شرف    المغرب يصادق على اتفاقية الاعتراف المتبادل برخص السياقة مع إسبانيا وإيطاليا    تهجير الفلسطينيين من أرضهم.. خط أحمر لا يقبل التفاوض أو المساومة    الملك محمد السادس مهنئا أحمد الشرع بمناسبة رئاسته لسوريا: ندعم كل الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا    اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام    أخبار الساحة    جائزة الحسن الثاني وكأس للا مريم ما فتئتا تستقطبان أبرز لاعبي الغولف العالميين (مسؤول)    هذا المساء في برنامج "مدارات" : جلسة فكرية وأدبية مع الدكتور أحمد بوحسن    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    جلالة الملك يهنئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا    الإصابة تحرم ريال مدريد من خدمات مدافعه النمساوي ألابا    بعد غياب لسنوات.. "الشرقي والغربي" يعيد حنان الابراهيمي إلى التلفزيون    محامي بلجيكي: إصلاح مدونة الأسرة متوازن يثبت قدرة المغرب على التحديث دون التنازل عن قيمه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف عصابة اعتدت على مواطنين بالسلاح الأبيض في أولاد تايمة    أسعار النفط تتراجع بعد موافقة ترامب على تعليق الرسوم الجمركية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    متى ‬ستسحب ‬سوريا ‬الجديدة ‬اعترافها ‬بالجمهورية ‬الوهمية ‬؟    آيت بودلال يلتحق بفريق "أميان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    عقاقير تخفيض الوزن .. منافع مرغوبة ومخاطر مرصودة    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    رسوم صينية تطال واردات أمريكية    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاضرة المحيط تتحدث عن نفسها 11
نشر في بيان اليوم يوم 23 - 07 - 2013

مدينة آسفي.... تاريخ وحضارة... وهوية متعددة الأعراق
اختلف المؤرخون في تاريخها، كما تم الاختلاف في أصل تسميتها، وبين كل خلاف أو اختلاف، كان لابد من إعادة رسم المشاهد والصور والوقائع التاريخية .. مدينة تحمل أكثر من اسم، وتنتسب لأكثر جهة .. لكنها تظل شاهدة على كل ذلك الاختلاف بالكثير من الإصرار على مواجهة المستقبل .. فمن هنا مر الفنيقيون والكنعانيون والبربر والبرغواطيون واليهود والفاتحون المسلمون والبرتغاليون والإنجليز والإسبانيون والمورسكيون والفرنسيون، جميعهم مروا من مدينة وديعة تنام على ضفاف الأطلسي، بينما بقيت آسفي شاهدة على زخم تاريخي يمتد إلى بدايات البدايات، دليلنا في ذلك أن التأريخ لهذه المدينة ينطلق من مرحلة ليس لها امتداد كما باقي الحواضر والمدن، فكان لزاما علينا أن نعود لما وراء الكتابات التاريخية، إلى حيث تم الاتفاق رغم روح الخلاف، إلى آسفي الأصل. والأصل منارة ووادي ومنحدر وبحر. وحين يجتمع البحر بالوادي والمنارة، تكون ولادة آسفي التي سماها ابن خلدون«حاضرة المحيط» . من أجلها سنكتب تأريخا بسيطا يعتمد أمهات الكتب رغم قلتها، وبحوث المؤرخين الجدد رغم اختلافها، والرواية الشفهية رغم تضاربها.لكننا حتما لن نذهب أبعد من كل ذلك، لتبقى آسفي تحمل لغز البداية، من بداية الحكاية، والحكاية رواية بين بدايتها. والنهاية ألف سؤال.
شجار بسيط يتسبب في إعلان الاحتلال البرتغالي
تحكي كتب التاريخ على أن حوادث بسيطة كانت سببا في إشعال حروب وصراعات لا زال التاريخ يتذكرها ويتذكر تفاصيلها، بل أن من تلك الحوادث من يكون بسيطا وعاديا يتم استغلاله لإشعال حروب ضارية تأتي على الزرع والضرع وتحرق البلاد والعباد، وتحول أُمَماً حرة، إلى شعوب مقهورة ومُحتلة، ولتأكيد كل ذلك نُعرض في هذه الحلقة إلى حدث بسيط تقع أمثاله كل يوم وكل ساعة في كل نقطة من العالم، حدثٌ بسيط عبارة عن شجار بين مغربي مسلم وبرتغالي نصراني بأحد أسواق المدينة، شجار بسيط استغله أحد القادة البرتغاليون ليعلن استعمار آسفي ودخولها تحت نقود الإمبراطورية البرتغالية، فكان للتفوق في العدة والعتاد، والأسلحة التي تم تخزينها قبل ذلك في البناية التي ستتحول إلى مقر للحاكم البرتغالي بأمر ملك الإمبراطورية البرتغالية، فكانت سنة 1508 ميلادية بداية لاحتلال مدينة بسبب شجار بسيط بين تاجر مغربي وبرتغالي يمكنه أن يقع في كل أسواق الدنيا.
ومعه تحولت آسفي إلى مدينة برتغالية، وانطلق البرتغاليون في بناء ورشات لصنع الحنابل ونسيج الصوف، وأطلقت يد العديد من العائلات اليهودية كعائلة «مايير ليفي « ويهودا بن زميرو»، لتصبح أسفي نقطة التجارة الرابحة التي تربط البرتغال ببعض البلدان الإفريقية، والمزود الرئيس والأساس لتجارة البرتغال مع إفريقيا السوداء، فأصبحت تُصدر الحبوب والشمع والجلود والخيول، ، فيما كانت تستقبل بضائع مختلفة من مصر، وهولندا وأيرلندا، وازداد عدد المحميين بها من طرف مجموعة من الدول، كما ازداد توافد اليهود عليها، وكانت البداية ببناء تحصينات عسكرية للحفاظ على أمن المدينة من الهجومات التي ينظمها المسلمون ضد مغتصب مُحتل، كما انطلقوا في إنشاء أسقفيات دينية، ومراكز تجارية، وكنائس للعبادة خاصة بالتجار المسيحيين، منها جامع آسفي الذي تم تحويله في بداية الاحتلال إلى كنيسة ضدا في الإسلام والمسلمين، بل شرع في 1519 ميلادية في بناء كاتدرائية على أنقاض المسجد الإسلامي الذي يُعتبر من أقدم المساجد التي تم بناءها مباشرة بعد الفتح الإسلامي للمدينة، كاتدرائية بمعمار برتغالي تكريما للقديسة «كاترين» لازالت شاهدة إلى اليوم على ما استعمله البرتغاليون وصناعٍ تم جلبهم خصيصا من البرتغال، من فن معماري لا يزال واقفا إلى الآن، وتُعتبر من المآثر التاريخية للمدينة، رغم أنها قُسِّمت بعد إجلاء البرتغاليين عن المدينة وتحويل جزء منها إلى حمام عُرِفَ تحت اسم حمام «البويبة».
ومع سنوات الاحتلال وضرورة تحصين المدينة، تم بناء سور جديد يحيط بالمدينة القديمة والمرسى، بأبراج للحراسة وأبواب تُفتح وتُغلقُ في أوقات معينة، وتم جلب حجارة معينة من البرتغال لمتانتها، بل إن بعضا منها نُقِشَ عليها شعار البرتغال، الذي يتكون من التاج، والخوذة، ودرع وكُرَتين وتحت النقش كرسي العرش يحمله جنديان، ولا زالت بعضها موجودة على بعض أجزاء السور الذي يلف المدينة من كل جوانبها، وحده جزء من السور الموحدي لا زال صامدا بعد أن صمد أمام تخريب البرتغاليين لكل السور الذي تم بناءه في عهد الموحدين وفي عهد أحد المتصوفة الذين سيكون لهم دور كبير في الحركة الصوفية بآسفي وبكل بلاد المسلمين في فترة من الفترات.
ومن يُنقب في المآثر البرتغالية التي لا زالت واقفة إلى الآن، سيجد بأن أغلبها ذا طابع عسكري، ولا علاقة له بالحياة المعيشة للسكان مما يدل على أنهم إنما كانوا يُنشِئونها من أجل حماية وجودهم وإطالة بقاءهم في ثغر له شأن كبير، بدليل أن الأبراج المُشَيَّدة على طول السور إنما كانت من أجل رصد هجمات ساكنة بوادي المدينة وأحوازها ممن لم يقبلوا يوما أن تُحتل مدينة أبو محمد صالح من طرف أهل الكفر والنصارى الغاشمين، أبراج منها من لا يزال شاهدا على ذلك، فيما أخرى تم محوها وإزالتها، كذلك البرج الجنوبي الذي كان موجودا بمنطقة «السَّقالة» و «أموني» والذي تم محوه ومعه الكثير من المآثر الأخرى بسبب إهمال وتفريط في تاريخ قديم لمدينة وُلِدت قبل التاريخ بوقت طويل، فيما لا زال برج «الناضور» لا زال شاهدا على عقلية عسكرية برتغالية حكمت المدينة بالحديد والنار.
هناك العديد من الآثار البرتغالية التي لا زالت شاهدة على حكم برتغالي عمر طويلا، وحيكت حوله الكثير من الروايات الشفوية وأسيل حولها الكثير من المِداد، آثار برتغالية تغالب الزمن للبقاء واقفة شاهدة على فترة اجتمع فيها المكر والخيانة والغدر والتآمر السياسي وضعف النظام المركزي بسبب تصرفات وصراعات وحروب من أجل السلطة، مآثر منها ما بدأت معالمه تتهاوي في بعض أجزاءه أو في الكثير منه، كما هو حال القصر البرتغالي البحري الذي نخرته ملوحة البحر، والإهمال وارتفاع تكلفة إصلاحه، فتهدم برجه الغربي، وتساقطت الحجارة في بعض جوانب أسواره، وأصبح مزارا لسياح أجانب على قلتهم، رغم أنه يُغلق في الكثير من الأيام بسبب استشعار انتهاء قدرته على مقاومة البحر الذي أصبحت أمواجه تجري تحت أرضيته وساحته الكبيرة، وهو أمر لن يدوم طويلا وحتما ستسقط الساحة وسيتهاوى ويصبح صخورا متراكمة قرب المرسى أو «لَمْرِيسَة» التي عاشت أبهى وأحلى أيامها لقرون طويلة، آثار برتغالية سنفرد لها حلقات بالتفصيل والتأريخ والمكان وزمان وجودها أو حتى محوها من على الخريطة، إما انتقاما من تاريخ مظلم لاستعمار برتغالي أذاق الساكنة كل أنواع الذل والهوان، اغتصب النساء وكان يقايض أطفال الساكنة وبناتها بلقمة عيش بعد أن عم الجفاف والجوع الذي لا زال الكثيرون يؤرخون به، فتسمع بأن ذلك تم في عام الجوع، أو بسبب إهمال وعدم احترام تاريخ المدينة بسبب شره وتواطؤ بين سلطة ومؤسسات تتحمل مسؤولية كل ذلك.
لنصل بعد ذلك إلى مرحلة الاندحار والانكسار وهزيمة البرتغاليين على يد الشرفاء السعديين، الذين حرروا الثغور من البرتغاليين، ولهم يرجع الفضل في عودة آسفي إلى حظيرة المغرب المُوحد تحت راية إسلامية تدين لسلطان مغربي، ولعل ما يتفق عليه المؤرخون هو أن سقوط حصن آكدير بيد الشرفاء السعديين، جعل البرتغاليون يستشعرون الخطر، ويتحسسون مستقبل ضبابي بعد أن اشتدت هجومات القبائل المجاورة للمدن التي يحتلونها، وبداية توحد دولة مُوحدة بجيش قوي، فكان أن بدؤوا في ترتيب أوراقهم والاستعداد للرحيل عن مدينة استعمروها لمدة 33 سنة، من 1508 ميلادية، إلى غاية 1541 ميلادية، ليكون خروجهم في نهاية شهر أكتوبر الذي اعتبرها البعض خريف الاستعمار البرتغالي للمدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.