الحسين الشعبي يدعو إلى إدماج حقيقي للغة والثقافة الأمازيغيتين في المنظومتين التربوية والإعلامية أكد الحسين الشعبي، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، خلال لقاء نظم عشية يوم السبت الماضي بأكادير، على أن الاهتمام الكبير الذي يوليه الحزب للقضية الأمازيغية، والذي لا يقل أهمية عن الاهتمام الذي أولاه لقضية المرأة، مذكرا في معرض حديثه بالدور الريادي الذي لعبه حزب الكتاب منذ تأسيسه إلى اليوم في إرساء وتثبيت اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، باعتبارها قضية وطنية تهم الأمة المغربية برمتها. الحسين الشعبي الذي يعتبر كذلك من الأطر الوطنية الباحثة والمهتمة بالقضية والثقافة الأمازيغيتين،عرج خلال عرضه على المراحل التي مرت منها اللغة والثقافة الأمازيغيتين خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن، وحددها في ثلاث مراحل،عرفت القضية عبرها تطورات عميقة، بدأت أولاها من استقلال البلاد إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي حيث كان القمع والتهميش والمصادرة المقصودة من طرف الدولة والتغييب التام من وسائل الإعلام هي العناوين العريضة للقضية الأمازيغية، بل أكثر من ذالك، يضيف المتحدث، فإن أي كلام عن الأمازيغية في هذا الإبان كان من الطابوهات غير المسموح بتناولها، ولم يجرأ أي تيار سياسي، أو مدني أو جمعوي، على إثارة هذا الملف سوى حزبين كانت لهما الشجاعة الأدبية والجرأة النضالية لإثارته، وهما الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية الذي أصدر كتابه الأبيض دافع من خلاله على الهوية واللغة والثقافة الأمازيغية في عز عهد الاضطهاد الذي عاشته. المرحلة الثانية، انطلقت مع الخطاب الملكي التاريخي للراحل الحسن الثاني في 20 غشت 1994 والذي أكد من خلاله على ضرورة الاهتمام بالأمازيغية والعمل على إيجاد مكانة لها في المنظومة التعليمية للبلاد، الشيء الذي لين موقف الجهات المناهضة لها وبدأت تتحدث عنها باحتشام. وفي نفس الوقت سارع العديد من مناضلي الحزب لتأسيس جمعيات تعنى بالشأن الأمازيغي وتدافع عنه بقوة، وبدأت بعض الإصدارات بالأمازيغية وبعض الجرائد تعرف النور كبداية للاعتراف النسبي بالأمازيغية في حقبة وصفت بمرحلة التعامل الإيجابي المتوازن مع القضية الأمازيغية. المرحلة الثالثة والأساسية هي مرحلة الاعتراف الكلي بالأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، على عهد الملك محمد السادس، بعد مخاض عسير وترافع قوي من طرف حزب التقدم والاشتراكية بمعية مجموعة من الجمعيات النشيطة في هذا الإطار وبعدما قدم الحزب، و لوحده، مذكرة تدعو إلى ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب نظيرتها العربية كلغتين أساسيتين للشعب المغربي، الشيء الذي حصل رغم كيد الكائدين ومناورات لوبيات ومجموعة ضغط معادية للهوية الأمازيغية، وكذا بفضل الإرادة الملكية الراسخة في هذا الشأن. واضاف الشعبي بأن الأمازيغية، لا توجد فقط في الفصل الخامس من الدستور، بل نجدها في 17 فصلا، إما معلنة أو مضمرة كما هو الحال بالنسبة لمصطلح «للمغرب الكبير» عوض «المغرب العربي» أو «حرية التعبير وحماية التنوع والتعدد» وما إلى ذالك من التعابير الحاملة للموضوع. وشدد رئيس تحرير جريدة بيان اليوم، على ضرورة الانتقال إلى الشق الاقتراحي الموضوعي عوض الاختباء وراء الاحتجاجات والمطالب، مادام المكتسب الترسيمي قد تحقق، مشيرا أن حزب التقدم والاشتراكية يعمل جاهدا من موقعه السياسي باتجاه الدفع من أجل إخراج القوانين التنظيمية المرتبطة بالتنزيل السليم لدسترة الأمازيغية إلى الوجود، إلى جانب باقي القوانين التنظيمية بالطبع، رغم بروز بعض جيوب المقاومة المعادية للقضية. والتنزيل السليم والصحيح، يضيف الشعبي، يبدأ بتفعيل تدريجي، ليس فقط في المستشفيات وفي القضاء وفي باقي المصالح والقطاعات الأخرى وإنما في الإعلام العمومي الذي، وبالرغم من بعض الاجتهادات، فهو لازال يعاني من العديد من الاختلالات، من قبيل الحيز الزمني الضعيف المخصص للأمازيغية في القنوات التلفزية المغربية، التي تسيطر عليها باقي الانتاجات الأجنبية القادمة من الشرق أو الغرب والمروجة للثقافة الأجنبية وخصوصياتها، على حساب هويتنا وموروثنا الثقافي، الشيء الذي يدفع بالمشاهد المغربي إلى الهجرة القسرية إلى القنوات الأجنبية الأخرى. ودعا الشعبي إلى إدماج الامازيغية بحق وحقيق في المنظومة التربوية، الشيء الذي يتطلب تضافر كل الجهود وتطابق رؤى كل المتدخلين (قرار سياسي، تحركات على مستوى وزارة الثقافة، وزارة التربية الوطنية، والمجلس الأعلى للغات والثقافة...) وحذر المسؤول الحزبي في ختام مداخلته من مغبة التطرف والتعصب المبالغ فيه، لأن ذالك سيضر بالمكتسبات أكثر ما سيفيدها، داعيا إلى العمل على تعايش اللغتين العربية والأمازيغية، باعتبارهما لغتي كل المغاربة، ومستبعدا تأثير الفكر القومي الإيديولوجي العربي البعثي المستهدف لإقصاء الأمازيغية على المسار والمنحى الإيجابي الذي اتخذه هذا الملف، داعيا في الأخير إلى الابتعاد من اللغة الاحتجاجية، مادامت الدولة قد استجابت لمطالب المدافعين على القضية الأمازيغية، والعمل على ممارسة الضغط والاشتغال على القانون التنظيمي بوضع منهجية عمل تعتمد على التدرج وضبط الخطوات. وحذر الشعبي في الآن ذاته من التسابق والقفز على موضوع الأمازيغية من طرف جهات لا علاقة لها بالملف، أهدافها بادية للداني والقاصي، سياسوية ضيقة وانتخابوية صرفة، لكون قضية الأمازيغية، كما يقول، قضية أمة ولا تحتمل المراوغة والمناورة الفارغة، مذكرا بالملتقى الرابع حول الأمازيغية المزمع عقده من طرف حزب التقدم والاشتراكية في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، بعد النجاح الباهر الذي عرفته الملتقيات الثلاثة السابقة، والتي استطاع من خلالها الحزب تجميع جميع أنواع الطيف الأمازيغ وعمل على توحيد جهودها وفق مقاربة تشاركية تنتفي فيها كل الخلافات، وتحت الرئاسة الفعلية للأمين العام للحزب. وفي ختام هذا اللقاء الذي ترأسه كاتب الفرع سعودي العمالكي، فسح المجال لمناضلات ومناضلي الحزب ومنخرطيه بالمنطقة الذين غصت بهم قاعة الاجتماعات بالمقر، لإخراج ما في جعبهم من تساؤلات واستفسارات حول الموضوع. كما قدموا بدورهم العديد من الاقتراحات العملية والتوصيات بهدف رفعها إلى المكتب السياسي والمكلفين بملف القضية الأمازيغية في الحزب لأخذها بعين الاعتبار واعتمادها في نقاشاتهم واقتراحاتهم حول القضية.