النجم ياسين عدنان يخطف الأضواء بمهرجان مكناس الوطني للمسرح خطف الشاعر والقصاص والإعلامي الثقافي والفني الشاب ياسين عدنان، 43 سنة، قد خطف الأضواء من نجوم المسرح والشخصيات السياسية والثقافية التي تم بها وبكلماتها تأثيث فضاء خشبة حفل افتتاح الدورة الخامسة عشر للمهرجان الوطني للمسرح ليلة الخميس سادس يونيو الجاري بالمركب الثقافي الفقيه محمد المنوني بمكناس. لقد كان بحق نجم هذه السهرة الاحتفالية والاحتفائية بإبداعات ورموز أب الفنون ببلادنا، فتنشيطه لحفل الافتتاح أضفى جمالية وحيوية على هذه التظاهرة الفنية والثقافية السنوية وساهم بقسط وافر في انطلاقتها الموفقة. ألم تكن كلماته المرتجلة والمكتوبة منتقاة بعناية؟ ألم يكن خفيفا ولطيفا كالفراشة في انتقاله من فقرة إلى أخرى من فقرات برنامج حفل الافتتاح؟ ألم تسعفه لغته العربية الجميلة والدقيقة والعميقة، كشاعر وكاتب قصة قصيرة وصحافي متخصص في الثقافة والفنون، في تعريف الحضور بأهم فقرات الدورة 15 وبالمشاركين فيها من ممثلين ومخرجين ونقاد وباحثين وإعلاميين وغيرهم؟ ألم يكن لبقا ومتمكنا لحظة مناداته على الفنانة عائشة ساجد والفنان مصطفى الزعري والإعلامي محمد الأشهب لتقديم شهادات حية في حق الفنانين المكرمين تباعا عبد الرزاق البدوي ورشيدة مشنوع وعبد الحق الزروالي؟ ألم يكن محترما ومقدرا ومتعاطفا مع المكرمين الثلاثة لحظة المناداة عليهم ولحظة المناداة أيضا على وزير الثقافة ووالي جهة مكناس تافيلالت ورئيس الجماعة الحضرية لمكناس لتسليمهم أدرع المهرجان وهداياه المالية والرمزية؟ ألم يلح مرارا على ضرورة تكريس ثقافة الاعتراف تجاه من ساهموا في بناء صرح المسرح المغربي على امتداد عقود من تاريخه المجيد؟ ألم يكن بمثابة مخرج مسرحي وهو يرتب كرونولوجيا صعود الفاعلين المسرحيين والسياسيين وغيرهم إلى خشبة المسرح ونزولهم منها بشكل سلس لا ارتباك فيه ولا توتر؟ ألم يشوقنا بكلماته الجميلة للانخراط طواعية في مشاهدة المسرحية الأولى المبرمجة ضمن مسابقة دورة 2013 تحت عنوان "حمار الليل في الحلقة"، من تأليف عبد الكريم برشيد واقتباس عبد اللطيف فردوس وإخراج عبد العزيز بوزاوي وإنتاج فرقة ورشة الإبداع دراما من مراكش وتشخيص عبد الهادي توهراش وعبد العزيز بوزاوي وزينب السمايكي وعبد الرحيم ريضا ويونس صاردي؟ بلى، لقد نجح حفل افتتاح الدورة الخامسة عشر للمهرجان الوطني للمسرح في شد انتباه الجمهور الحاضر، والفضل لا يرجع لياسين عدنان وحده بل يرجع أولا وأخيرا لمن اختاره لتنشيط حفل الافتتاح، كما يرجع لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إعداد هذه التظاهرة ، محليا ومركزيا، وخصوصا جنود الخفاء من موظفين وتقنيين وفنانين وغيرهم. فتحية للجميع . **** ندوة«همزة وصل» استنبات محمد قاوتي والقطيعة مع المسرح السائد مكناس – عبد القادر مكيات في إطار الجزء الثاني من ندوة «همزة وصل» حول المسرح المغربي، المنظمة بشراكة بين وزارة الثقافة والهيئة العربية للمسرح، والتي تندرج ضمن الفعاليات الثقافية الموازية للمهرجان الوطني للمسرح بمكناس في دورته الخامسة عشر، الذي تنظمه وزارة الثقافة من 6 إلى 13 يونيو الحالي، احتضنت قاعة الندوات للمركب الثقافي محمد المنوني، صباح يوم السبت الماضي، لقاء فكريا كبيرا، خصص لتجربة المسرحي الكبير والمؤلف المتميز، محمد قاوتي، ترأسها وأدارها بكفاءة عالية الكاتب المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي، وشارك فيها الدكتور والناقد سعيد الناجي، وحضرها عدد كبير من النقاد والمخرجين والمهتمين والإعلاميين. وفي بداية هذا اللقاء، أضاء الأستاذ الحسين الشعبي في كلمته المدخلية جوانب كثيرة من تجربة المبدع محمد قاوتي، خصوصا على مستوى التأليف المسرحي، مؤكدا أن محمد قاوتي طبع تجربة الكتابة المسرحية المغربية، وأحدث ثورة على السائد، وذلك من خلال توظيفه للغة العامية بكل تمفصلاتها وحمولتها المرتبطة بعمق الوجدان المغربي، مستشهدا بمسرحيتي حب وتبن وبوغابة، وفي تعامله مع نصوص مسرحية عالمية انطلاقا من ما يسمى بالاستنبات والتي دافع عنها واستطاع من خلالها أن يبدع نصوصا مسرحية مهمة حققت نجاحا لافتا. أما الناقد والباحث المسرحي الدكتور سعيد الناجي، فقد قدم قراءة نقدية مستفيضة، لمسرحيتين متميزتين انطلاقا من مشاهدته لهما وتفاعله معهما، وهما مسرحيتي «نومانس لاند» و»بوغابة»، موضحا أن مسرحية «نومانس لاند» التي تتطرق لمعاناة الاعتقال السياسي في سنوات الرصاص، استطاعت أن تنفلت من ضيق السياسي لتنغمس في فضار أرحب، بحيث اعتمد فيها المؤلف على لغة شعرية واعية ببعدها الإنساني كونيا، وبمرجعية صوفية، مضيفا أن محمد قاوتي يكتب نصوصه بعين المخرج، وبنفسٍِِ درامي متمرد على السائد. أما مسرحية «بوغابة « التي استنبتها المؤلف عن مسرحية « بونتيلا وتابعه ماتي « لبرتولد بريشت، فقد أفرد لها سعيد الناجي حيزا كبيرة في قراءته النقدية، موضحا بكثير من التماهي أن مسرحية «بوغابة» تدفعنا للقول بأن بريشت هو الذي زار أولاد حريز، لأنها تتقاطع مع المسرحية الأصلية، وكانت مفصلية سواء على مستوى تجربة قاوتي في التأليف أو على مستوى تجربة التأليف المسرحي المغربي بشكل عام، بحيث ستشكل نقطة تحول في الكتابة المسرحية بالمغرب. الناقد الكبير والدكتور حسن المنيعي، أشاد بتجربة محمد قاوتي موضحا أنه استطاع أن يعطي لما يسمى بالاستنبات عمقه وطرق ابتكار لأساليب جديدة في الكتابة المسرحية المغربية، مؤكدا في نفس السياق، على ضرورة الاهتمام ودراسة التقاطعات الحاصلة بين مفاهيم الاقتباس والاستنبات وإعادة الكتابة، أما تدخلات المخرجين محمود بلحسن، حسن هموش، بوسلهام الضعيف، أحمد أمل، والباحث سالم كويندي، والباحثة خديجة البورقادي، والمسرحي عبد العالي السيباري، فقد أجمعت كلها على تميز محمد قاوتي المؤلف والدراماتورج والفنان المسرحي، وقيمته كواحد من رجالات المسرح المغربي الكبار الذين كانت لهم أيادي بيضاء على الممارسة المسرحية ببلادنا، وساهم تأليفا وتأطيرا وتكوينا في تطوير المسرح المغربي، كما احتضن العديد من المواهب ودعمها، وهو مناضل حقيقي.. وأكثر من هذا فهو إنسان شامخ في النبل والمحبة. **** المسكيني الصغير والمسرح الثالث..محمد شهرمان والفضاء الدرامي.. من المبعوثة الخاصة للوكالة ليلى الشافعي (و. م. ع) وتواصلت أول أمس الأحد بمدينة مكناس فعاليات الجزء الثاني من ندوة «همزة وصل حول المسرح المغربي» خصصت لعلمين من أعلام المسرح هما المسكيني الصغير ومحمد شهرمان، وألقى المخرج المسرحي والناقد أحمد أمل، مداخلة ركز فيها على بيان المسرح الثالث الذي ظهر في فترة مسرح الهواة، والتي تزعمها ونظر لها الفنان والكاتب المسكيني الصغير وهو أستاذ متخصص في السوسيولوجيا وزاد من تعزيز نشره بيانه الأول أنه كان يسير مجلة المدينة، والتي كانت منبرا ثقافيا مهما ونافذة على الإبداع. وأشار إلى أن الكتابة عند المسكيني الصغير بدأت في بداية الستينات، حيث ألف عدة مسرحيات أبانت عن توجهه الفكري والفني مطبوعا بالتوجه السياسي، وإن كان يغلب عليها الشاعرية واللغة المتينة، معتبرا أن بدايته الحقيقية كانت مع «مذكرات رجل يعرفهم جيدا» وهو النص الذي أرخ فيه المسكيني الصغير لفترة الاعتقال الذي ذاق مرارته، ويمكن اعتبار النص المسرحي أول ما كتب عن محنة المبدع في زمن ما سمي ب «سنوات الرصاص». كما ركز على تعامل المسكيني الصغير مع التراث، إذ أن أغلب نصوصه المسرحية تستحضر التراث وتبقى شخصيات من واقع الحياة، ويوجد هذا في مسرحيات من مثل «الكأس الأخيرة» و»محمية لأموات نادرة» وكل شخصياتها لا تحمل اسما بقدر ما يشار إليها بمهنها كالمحامي والكاتب والحمال والمرأة ومحافظ المقبرة والمعتقل، أو تحمل أرقاما كما هو الشأن في مسرحية «الكأس الأخيرة». وبعد أن تناول الحلقة كنوع من الفرجة التي اعتمدها المسكيني الصغير خاصة في مسرحية «حكاية بوجمعة الفروج»، قال إن المسكيني أعاد للحلقة نوعا من التعامل الحي، كما أنه اتخذ لغة سماها «عربدجية» وهي لغة مختلفة عن اللغة الفصحى، والتي كثيرا ما تكون عماد النصوص التراثية السائدة، ويستعصي عليها أن تكون لغة شعبية، تختصر في جسدها اللغوي العربي دفء وحساسية الإنسان المغربي تجاه الأشياء والمحيط والواقع المعيش. ومن بين التجارب الأخرى التي تناولها في المسرح الثالث، تجربة سعد الله عبد المجيد خاصة نصه المسرحي «مقامات بديع الزمان الهمداني» الذي أخرجه سنة 1981، وتجربة عبد القادر عبابو والتي تتخذ تجربته في الإخراج الجدلي وسيلة لمساءلة النص، وتبيان الشكل المزمع إلباسه للفكرة. أما بخصوص مسرح محمد شهرمان، فتناول الناقد والباحث ابراهيم الهنائي في مداخلة بعنوان «الفضاء الدرامي في مسرحية الضفادع لكحلة لمحمد شهرمان»، المكان والزمان كعنصرين من العناصر الأساسية التي ينبني عليها النص المسرحي. واعتبر أن مقاربة الفضاء الدرامي تأخذ مشروعيتها لأن هذا الأخير يساهم في ضبط إرسالية الخطاب، ذلك أن تناول الخطاب المسرحي لا يمكن أن يكون بمعزل عن شروط إرساله. وفضلا عن هذا المعطى الذي يتلخص في كون المكان / الفضاء يندرج في فهم ونجاح الخطاب يمكن القول بأن الفضاء يشكل في مسرحية «الضفادع لكحلة» بؤرة الصراع، فالضفادع التي طردت من فضائها - الذي يعد الغدير الصافي - تقاوم من أجل استرجاع فضاء، ومن هنا يصبح الصراع من أجل امتلاك الفضاء العمود الفقري للمسرحية. وأضاف أن شهرمان كان يقول إنه لا يكتب الكلمة بل ينحتها، ومرد هذا التعبير هو كونه كان خطاطا ومصمما للديكور وزجالا في نفس الوقت، فهو فنان الهامش بامتياز ليس بالمفهوم القدحي ولكن بالمعنى الفلسفي للكلمة.