في إطار فعاليات الدورة الثانية لمهرجان كلميم لمسرح الجنوب الذي تنظمه جمعية أدوار للمسرح في الفترة الممتدة ما بين 13 و19 ماي الجاري، ستنعقد ندوة فكرية كبرى في موضوع «المسرح والتنمية» بمشاركة مجموعة من الباحثين والمسرحيين، وقد أعد الناقد المسرحي الأستاذ سالم كويندي ورقة حول الموضوع فيما يلي نصها: كثيرا ما يلاحظ الاهتمام هذه السنوات الأخيرة بإقامة مهرجانات المسرح ومسرح الطفل خصوصا، محليا وجهويا ووطنيا وحتى دوليا، وكل مهرجان من هذه المهرجانات له خصوصيته ودواعي لتنظيمه سواء لدى المشرفين على هذا التنظيم أو المشاركين من المدعوين في هذه المهرجانات المسرحية، والسمة الأساسية في ما تحمله هذه المهرجانات هي ربطها بموضوع التنمية حيث يقصد بها التنمية البشرية، وعندما نقول التنمية البشرية فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو تلك التنمية الشاملة، أي التنمية في ومن جميع مناحيها مما يجعل المنظمين لهذه المهرجانات يعملون على وضع برامج هذه المهرجانات في هذا السياق، حيث لا تكون العروض المسرحية المقدمة بقصد الفرجة فقط، ولكن باعتبارها عروضا تعكس نوع الوعي الحاصل في هذا الربط بين المسرح والتنمية، خاصة إذا علمنا أن هذه العروض المقدمة تعكس تجربة حياتية في عرض أهم القضايا التي تشغل الناس في حياتهم اليومية وكيفية التعاطي معها سواء من أجل حياة كريمة أو تمجيدا لقيمة من القيم التي تؤدي لهذه الحياة، ناهيك عما تدفع إليه هذه القيم في تحسين شروط هذه الحياة، والتوافق الاجتماعي الذي تدعو إليه هذه القيم، والتي هي غالبا ما تكون قيم خاضعة لسلم المواطنة وإقرار مسؤولياتها الفردية والجماعية، وبالأخص هذه الأخيرة كما تبنى عليه من مبادئ ديمقراطية والسلم والتسامح والشعور بروح المواطنة كقيمة ثقافية وسياسية، بما يتيحه المسرح وعروضه من حوار وتمارين للاندماج الاجتماعي انطلاقا من كون المسرح يهدف إلى التربية والتنشئة الاجتماعية في استضماراته المنطوية في ما تحمله خطاباته المقدمة في إطار فني صرف، تصوغه المحاكاة والأفعال الدرامية كوصفة فنية غير جاهزة تفترض استكمالها بالتداعي مع تلقي الفرجة، ونقول هنا الفرجة لأنها هي الفعل الإيجابي الذي ينيرنا بما ينبني عليه خطابها من مشاركة وفعالية لإجلاء مدى قدراتنا الذاتية على الاستيعاب والفهم والتأويل وسحر استضمار وتشرب هذه القيم، من خلال الوعي الذاتي بنوعية هذه المشاركة وهذه الفعالية وكيفما كان نوع هذه الفرجة المقدمة وحسب أجناسية الأعمال المسرحية من تراجيديا أو كوميديا أو هما معا (ميلودرامية)، لأن لحظة المشاركة والفعالية، وحسب ما يقتضيه معنى الفرجة، هي هذه اللحظية المباشرة إلى حد اللقاء الحميمي الذي يفرضه المسرح وفرجاته، بخلاف ما هي عليه أنواع فنون العرض الأخرى (السينما والتلفزيون مثلا)، والتي هي فنون أدائية قد لا تحقق ذلك الحميمي والمباشر بين الناس، لهذا يتميز المسرح وتلقي فرجاته بهذا التفاعل وكأنه حوار بين الذات والآخر فيما يجمعهما من قيم إنسانية رفيعة تنشد التواصل والتقارب المنبنيين على الفهم والتأويل، مما يؤدي إلى الوعي بمن نكون وماذا نريد أن نصل إليه من تآخي وتعاون ومن منطلق ثقافي إنساني. وعندما نربط هكذا بين المسرح والتنمية، فإننا لا نغفل موقع إقامة الحدث والذي هو حدث ثقافي فني قائم من أجل التنمية الشاملة والمستدامة وهذا الموقع هو ما نحدده في الأقاليم الجنوبية من بلادنا «المغرب»، والمغرب في حد ذاته كيان قطري مربط في هذا الموقع من جنوبيته والتي تعطيه هويته في الخريطة الجغرافية البشرية، ومنه الثقافية، بانفتاحه على الصحراء وناسها، وبما تشكله ككيان ثقافي قيمي يزخر بإمكانات بشرية وقدرات إبداعية من أجل فهم من هو، وفهم مع من يريد أن يكون، ثم لماذا يريد أن يكون أفقا جنوبيا للانفتاح، وخير نموذج يقدمه هذا الجنوب هو تقاليده وعاداته التي هي أصوله الثقافية والحضارية، لهذا يكون النموذج المحلي في فرجاته المسرحية هو خير إطار تنصب فيه جهوده وعطاءاته الفنية انطلاقا كذلك من حاجياته التي تكون أساس التنمية الشاملة.. وما فكرة تنظيم مهرجان خاص بمسرح الجنوب أو مسرح دول الجنوب إلا تأكيد على هذه الحقيقة وهذا المعطى الثقافي والفني وبما يمتلئ به من قيم إنسانية تنشد التحرر والانعتاق والتعبير عن الذات والانفتاح على الآخر، ومن منطلق الثقافي والفني والمسرح يعكس وبعمق هذين المنطلقين بل ويشكل عنصر التقاء من أجل الفهم والتفاهم ونبذ لكل تأويل آخر إلا تأويل التنمية الشاملة والمستدامة في سكينة واستقرار وتعايش وتسامح وحسب ما تطرحه طقوس وشعائر الدراما الاجتماعية والتي هي دراما اثنوديمغرافية ولا يشكل الأصل فيها إلا شعائر الدراما الاجتماعية المحلية، بل إنها دراما الأصل في كل التجارب الإنسانية، ومنها يستمد المسرح التقليدي تجربته وممارساته حيث تكون خير نموذج للبعد الثقافي المحلي التي تنبني عليها المشاريع التنموية الشاملة والمستدامة في مثل هذه المجتمعات والتي سميناها مجتمعات الجنوب ولا ندعو من خلال هذه الورقة إلى عدم الانفتاح على تطور تقنيات المسرح الحديثة، بل هي مرتكزات فنية لتنظيم وتقديم عروض الفرجات المسرحية المحلية أو المستعادة من ثنايا وصلب الثقافات والحضارات التي صنعها الإنسان في الجنوب وهي ما يمثل عمقه في ترسيخ القيم الثقافية في تنميته وتطوره وتقدمه.