تتميز السّاحة الثقافية المغربية بوفرة في المعارض التشكيلية، التي تأتي في سياق مهرجانات ثقافية متنوعة أو أخرى خاصة بالفن التشكيلي. وبغض النظر عن طبيعة الإقبال عليها، وحجم المتابعة النقدية للأعمال المعروضة فيها، فإن البعض يراها تلعب دورا مهما في دعم هذا النمط الإبداعي، في حين يعيب عليها آخرون توجهها التجاري المحض. والملاحظ أن هاته المعارض التي يربو عددها عن العشرة أسبوعيا، وفقا لمتابعات وسائل الإعلام المحلية، قلما تكون مصحوبة بأنشطة تعرف بالفنانين ومساراتهم وتصوراتهم، أو ندوات تسلط الضوء على الحركة التشكيلية بالمغرب والعالم العربي في ارتباطها بالأسئلة المشتركة لهذا الفن وتمثلاته لواقع الشعوب العربية وما تعرفه المنطقة من تحولات. فن سياحي ويرى الفنان التشكيلي بنيونس عميروش أن «كثرة المعارض سلوك ثقافي محبذ ويدل على حركية في الإنتاج والتذوق، لكن في الحالة المغربية ليس الأمر على ما يرام، لأن منظمي هذه المعارض تحركهم نوايا تجارية القصد منها تحقيق الربح، إذ يجهزون قاعات مخصوصة لذلك، ويحركون أجندتهم الترويجية لاستقطاب أشباه الفنانين، الذين ينتجون لوحات كثيرة في زمن قياسي تحت الطلب». وهذه الظاهرة تسيء إلى التشكيل المغربي حيث يختلط الحابل بالنابل، حسب بنيونس، والأدهى من ذلك أن هؤلاء يصنعون إعلاما خاصا بهم ونقادا تابعين لهم، هم الآخرون يشتغلون تحت الطلب وتُبنى أحكامهم على المجاملة. وتتمركز أغلب هذه المعارض في القطب السياحي للمدن المغربية الكبرى ذات الشهرة السياحية، التي تستقطب الكثير من الأجانب، مثل مراكش والصويرة وأغادير والجديدة وفاس وطنجة والرباط والدار البيضاء، في حين تهمش الطاقات المتوفرة بباقي المدن المغربية، على الرغم من كونها تملك خصوصيات ثقافية وتاريخية تنعكس بلا شك على عالم الفن التشكيلي. وتبعا لذلك يزداد عدد الفنانين التشكيليين خصوصا في هذه المدن السياحية، في وقت ينحسر في المدن الأخرى، بالنظر إلى المركزية الانتقائية التي ترسخ تقاليد لا علاقة لها بالفن، وتلعب دورا كبيرا في طمس علاماته الكبرى، مقابل الترويج لأسماء غير معروفة لا تشتغل برؤية وحس فني رفيع، بل تعمل على تلبية ذائقة السوق المحسوبة على الفن التشكيلي. هاجس تجاري من جهته يقول النحات محمد العادي إن «المشهد التشكيلي في المغرب يزخر بالكثير من الأسماء ذات الصيت العالمي، والتي تعمل وفق رؤية حقيقية للواقع والأسئلة المواكبة لروح العصر، وبفضل هذا الإصرار فهي تحظى بتقدير عالمي وتشارك في معارض دولية، وتروج إبداعاتها في شتى مناحي المعمورة». لكن المعارض المحلية ذات البعد التجاري- وفقا للعادي- تفضل عدم التعامل مع هذه الأسماء لأنها تطلب حقوقها المعروفة، في حين يسعى المنظمون لهذه المعارض إلى تقديم نسب هزيلة للفنان، لذلك فهم يتوجهون، في الغالب، إلى الفنانين المبتدئين وأشباه الفنانين لأن هؤلاء لا يفرضون عليهم شروطا معينة، ويكونون مطية للاسترزاق ومراكمة الأرباح، وبالمقابل إفساد الذوق العام والترويج للإبداع المزيف في التشكيل. ويدعو العادي لمحاربة هذه الظواهر عبر تشكيل جمعيات وأطر تحتضن الفنانين، وتدافع عنهم ضد كل تجليات الفساد المضروبة حولهم، وتحدد شروطا أدنى للجودة وفق معايير فنية تستند إلى آراء نقدية ونظريات جمالية، كما حث على إغلاق الباب أمام الأدعياء والمضاربين في هذا القطاع. ويستغل البعض هذا الوضع الهجين الذي تغيب فيه التقاليد الفنية ليراكم ثرواته على حساب الفن الأصيل، والفنان الحقيقي يظل في الخلفية بعيدا عن الأضواء، كما أن غياب ثقافة بصرية لدى المتلقي تجعله غير ملم بضوابط الفن الحقيقي وغير قادر على التمييز بين الغث والسمين في الأعمال التشكيلية.كل هذا يجعل المعارض، على كثرتها بالمغرب -كما يرى العديد من النقاد والمتابعين- مفرغة من دلالتها الترويجية، وفاقدة لوظيفتها الأصلية التي هي التعريف بالفن الرفيع وبعلاماته، باستثناء بعض المؤسسات الثقافية ذات التراكم الكبير في هذا المجال، وهي قليلة ومتمركزة في المدن الكبرى وليس باستطاعتها احتضان كل التجارب والألوان، وإن كانت تلجأ لتكسير هذا العائق إلى المعارض الجماعية التي تحتضن أعمال عدد كبير من الفنانين من أجيال مختلفة وحساسيات واتجاهات متنوعة. ويحتاج التشكيل المغربي إلى تقاليد فنية وإلى معايير راسخة لينفض عنه غبار الفساد المتراكم، ويمكن للعلامات المتميزة في هذا المجال، بتراكماتها وصيتها العالمي، أن ترسي قطار التشكيل على المسار الصحيح، إن اختارت التكتل في هياكل حقيقية تدافع عن الفن الأصيل، وتحمي الفنان من الغبن، وتقف بالمرصاد في وجه كل الدخلاء المدفوعين برغبات تجارية محضة. *ناقد فني