الفكاهة التي تقطع الأنفاس في عرضها ما قبل الأول، أبهرت مسرحية «الجدبة» الجمهور، من خلال ثراء مضمونها وموهبة ممثليها الواعدين. فقد تم إخراج هذا العمل المسرحي وفق قالب سائد في ربرتوار المسرح المغربي، لكنه مع ذلك يدخل في خانة مسرح كلاسيكي خلاق، مرتكز على دقة التشخيص وعمق الحوار وتناغم البنية الدرامية. فبالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط يوم الجمعة 22 فبراير الماضي، أمتعت فرقة مسرح الحال جمهورا مأخوذا بسحر مهارة الفن. فمن خلال قصة المسرحية التي تعالج مواقف ساخرة من الحياة اليومية، يبدو الموضوع عاديا وبسيطا؛ لكن مع توالي المشاهد، ننتبه إلى أنه تتم إثارة إشكاليات مجتمعية كبرى وجد مركبة، بالأخص إشكالية التربية والتعليم، مهنة التدريس، العلاقة الزوجية، صراع الأجيال، وضعية المرأة، معاملة الخادمات بالبيوت،.. مما يبرز أهمية إثارة مشاكل المجتمع الكبرى عن طريق مشاهد بسيطة، منسوجة بإتقان ومهارة في النص والخطاب. وهو أمر ليس باليسير. لكن عند الاعتماد في إبراز الطاقات الخلاقة لكنزة فريدو على موهبة عبد الكبير الركاكنة وتألق هند ضافر وكاريزما أحمد بورقاب وخفة عزيز الخلوفي، لا يمكن إلا ولادة أثر فني ذي أسلوب راق في عالم الفكاهة الحية، دون الوقوع في الهزل ولا المغالاة ولا كذلك الرداءة، وهو ما شد انتباه جمهور متفاعل مع عطاء الممثلين وصدق المعالجة. على امتداد العرض، تنتصب فريدو بأبهتها التي يترجمها قوامها الرشيق وارتداد إياقاعها المتناغم ورهافة تعبيرها، وهي توافق بين مظاهر العنف ضد المرأة، والحنان الأمومي والخبث الإنساني. أما الركاكنة، فقد تألق بأدائه الجذاب الذي طبع العمل المسرحي المبهج ككل، هذا الطابع الذي يمكن أن نطلق عليه «العرس المسرحي» الذي ينتمي إلينا. مظهره الجسدي، وزيه المسرحي المدروس بعمق، تطبع هيئته الدرامية والكتومة بكثير من الزخم. ومن جهتها فإن ضافر التي تجسد جيل الفتوة المطبوعة بالحماس والاندفاع، تنفث الحماس في كل حركاتها المتناغمة. أمام كل هذه العذوبة التي تسري بكل يسر ولذة، غمرت قاعة العرض التي كانت ممتلئة عن آخرها، بهجة لا توصف إلى غاية إسدال الستار. لقد ربحت مسرحية الجذبة إذن الرهان، المتمثل في تجسيد مسرحي يقوم في آن واحد على الجانبين المنطقي والعاطفي: قرع الجرس حول الشر الذي يسود المجتمع، والضحك في مواجهة مظاهر الحقد، الضحك باعتباره خاصية إنسانية كما يقال.