يزعم الاتحاد الأوروبي دائما أنه من المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة، واتخذ قرارات كثيرة لدعم هذه الحقوق وإدانة انتهاكها في كثير من البلدان. كما أعلن الاتحاد سياسات تحث على احترام حقوق الإنسان ومساعدة البلدان داخل الاتحاد وخارجه على صيانتها والدعوة إلى إقرارها أولا والعمل بموجبها رسميا وشعبيا ثانيا. ولكن..! من الملاحظ أن منظمات دولية تراقب هذه الممارسات والانتهاكات وتعلنها في وثائقها السنوية خصوصا أو بإفرادها بتقارير خاصة وتتابع ذلك في كثير من الأحيان لأسباب سياسية خارج نطاق الحقوق والحريات ولأهداف تتدخل فيها قوى دولية متنفذة أو مهيمنة على قرارات دولية لها أو لغيرها من المنظمات. وليس تشكيكا بتوجهات تلك المنظمات وأعمالها وإدارتها ولكن لابد من القول من خلال الملاحظات لها إنها لا تصيب في كل ما يصدر وينشر عنها. وفي كل الأحوال تبقى مثل هذه التقارير السنوية خاصة، آو الأصح أغلبها إشارات للانتباه وتنبيهات للتسجيل والتثبيت في شهادات موثقة. من بين هذه المنظمات، منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) التي مقرها واشنطن وتقريرها السنوي، الذي صدر هذا العام ب 665 صفحة، وتضمن تقييما لأوضاع وممارسات الحكومات في مجال حقوق الإنسان خلال العام الماضي في أكثر من 90 بلدا، من بينها حكومات الاتحاد الأوروبي خصوصا، وأفاد بأن قادة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي أخفقوا في التصدي لبواعث القلق الخاصة بحقوق الإنسان في الاتحاد وسط الأزمة الاقتصادية والسياسية لعام 2012. وسجل مشكلات حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي وسلط الضوء على الأحداث في عشر دول بالاتحاد والتطورات على مستوى الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة واللجوء والتمييز وانعدام التسامح وسياسات مكافحة الإرهاب. التي تميزت بها سياسات الاتحاد في العديد من الانتهاكات والارتباكات في هذه الشؤون. قال بنجامين وارد، نائب مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: «إن العلاقة بين الأزمة الاقتصادية وانعدام التسامح ودعم الأحزاب المتطرفة علاقة معقدة». وأضاف: «لكن مكافحة العنف والتمييز أمر ضروري للمساعدة في وقف المزيد من الانهيار للنسيج الاجتماعي». واعترف «من المدهش أن الكثير من التطورات الإيجابية هذا العام نبعت من قرارات المحاكم وليس من قيادات سياسية. إذا كانت أوروبا جادة في ممارسة دورها القيادي بشأن الحقوق خارج الاتحاد، فعلى حكوماتها أن تبدأ في اتخاذ إجراءات إيجابية لحماية حقوق الإنسان في الداخل». لعل الفضيحة الكبيرة التي تورطت بها حكومات من الاتحاد الاوروبي، هي في التنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ومشاركتها في السجون السرية على أراضيها أو في التعامل مع متهمين بطرق وأساليب تعذيب وحشية، تؤكد على أن هذه الحكومات تتناقض مع نفسها، وتخالف ادعاءاتها أو تتعارض معها في مثل هذه الفظائع. وظلت الحكومات المتواطئة في التعذيب بالخارج والمتورطة في انتهاكات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبينها بريطانيا، ورومانيا، وبولندا، وليتوانيا، بعيدة عن محاسبة مسؤوليها ومجنبة إياهم من العقاب. أكد التقرير أن انعدام التسامح مشكلة جسيمة، إذ حذر خبراء المجلس الأوروبي في مايو من أن التدهور الاقتصادي وإجراءات التقشف سوف يدفعان إلى تزايد العنف ضد المهاجرين. وقد كان استخدام التصنيف الإثني من قبل الشرطة وحرس الحدود سبباً في قلق بالغ في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، منها فرنسا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا. وفي أكتوبر ألغت محكمة استئناف إدارية في ألمانيا حكم لمحكمة أدنى درجة يبرر استخدام التصنيف الإثني في إجراء عمليات التفتيش على المهاجرين غير القانونيين. تراجعت الحكومة الفرنسية عن تعهد بالتصدي للانتهاكات أثناء فحوصات هوية الأفراد في الشوارع، بما في ذلك إجراءات التصنيف الإثني، واقترحت إصلاحات غير مرضية. وأشار التقرير إضافة إلى تصريحات رسمية، بأن المحاكم وليست الحكومات هي التي تابعت القضايا وحكمت فيها، إذ حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ديسمبر بأن مقدونيا مسؤولة عن الاحتجاز غير القانوني والتعذيب والنقل غير القانوني لخالد المرسي إلى السجن من طرف ال سي آي أيه في عام 2003، وهو مواطن ألماني سُلم إلى أفغانستان. وفي سبتمبر أيدت أعلى محكمة جنائية إيطالية أحكاماً غيابية ضد 23 مواطناً أمريكيا بسبب اختطاف أبو عمر وتسليمه إلى مصر في عام 2003، وأمرت بإعادة محاكمة خمسة ضباط مخابرات إيطاليين كانت محاكم أدنى درجة قد برأتهم، بدعوى حفظ أسرار الدولة. وفي يناير أوقفت الحكومة البريطانية تحقيقاً في تواطؤ بريطانيا في عمليات تعذيب وتسليم بالخارج وهو التحقيق الذي تم انتقاده لأنه تعوزه الاستقلالية والصلاحيات الضرورية، بدعوى فتح تحقيق جنائي جديد في التواطؤ في عمليات تسليم وتعذيب إلى ليبيا. من غير الواضح إن كان التحقيق الثاني الموعود سيشتمل على الصلاحيات اللازمة للتوصل إلى الحقيقة. استمرت التحقيقات الخاصة ببولندا ورومانيا وليتوانيا الخاصة بتواطئها في برنامج تسليم ال سي آي أيه مع إحراز قدر ضئيل للغاية من التقدم، إذ تبنى البرلمان الأوروبي قرارا في سبتمبر يدين نقص الشفافية واستخدام مبدأ حفظ أسرار الدولة في عرقلة المحاسبة العلنية. أغلب هذه الحالات التي مارستها الحكومات الأوروبية دفعت عنها تعويضات للضحايا وما زال بعضها أمام المحاكم الوطنية وانتهى معظمها ببراءة المتهمين وإدانة الأساليب التي مورست ضدهم. وفي نتائجها تأكيدات على أن الممارسات التي قامت بها أجهزة أوروبية رسمية لا تتفق وحقوق الإنسان، والحريات العامة، وإن أغلبها انتهاك صارخ للميثاق العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والعهود المبرمة بعده وحوله. ولابد بعد ذلك من الاستمرار بمحاكمة المرتكبين للانتهاكات وردعهم وعدم السماح لهم في الإفلات من العقاب. وأبرز ما ورد في التقرير وغيره يشير إلى ضرورة ذلك واحترام المواثيق والعهود والقوانين.