ليست الدارالبيضاء مثل بقية المناطق والأمكنة، إنها واجهة المغرب الحداثية وعاصمته الاقتصادية. وفي هذه الأيام حيث تعقد مجالس الجماعات المحلية دوراتها المخصصة للحساب الإداري، يمكننا أن نعاين، باستغراب، أن كازا نفسها تعاني من ذات الاختلالات التي يمكن أن نجدها في الجماعات القروية النائية في الجبال والأرياف. في الدارالبيضاء لم ينجح مجلس المدينة في عقد دورته العادية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، وبدوره مجلس الجهة لم يعقد هو الآخر دورته... وفي الدارالبيضاء كذلك لم يتردد عضو في مجلسها من توجيه شكايات ضد الرئيس وكيل الاتهامات إلى أكثر من طرف منتخب، وقد دخلت الشرطة القضائية على خط هذه الملفات، ويتم عبر وسائل الإعلام وفي مجالس حديث البيضاويين تبادل الفضح بين البارونات الانتخابية... ألا يشبه كل هذا ما نسمعه يوميا عن جماعات قروية فقيرة؟ منذ أيام فقط نظم المركز الجهوي للاستثمار لجهة الدارالبيضاء الكبرى ندوة صحفية لتقديم حصيلة عمله، وبين ثنايا الأرقام وكثير كلام مهم قيل في اللقاء، أكد المدير حميد بلفضيل أن العرض الاستثماري للعاصمة الاقتصادية لن يكون ناجعا، إلا بتضافر المؤهلات الاقتصادية والثقافية والسياحية والأمنية مجتمعة، ثم لفت إلى أن مستوى عيش الساكنة والجوانب الثقافية يلعبان دورا كبيرا في التأثير على قرار الاستثمار. هنا نفهم معنى المخاطر التي يتسبب فيها التخلف التدبيري للمجالس المنتخبة، وهنا ندرك أن إنجاح مسلسلات التنمية وتقوية جاذبية المدينة تجاه السياح والمستثمرين، يرتبطان أيضا بوجود منتخبين يمتلكون المهارات التدبيرية والمصداقية السياسية والأخلاقية. فكيف يمكن لمدينة أو جهة مثل الدارالبيضاء أن تجد الأجوبة المناسبة لإشكالات جوهرية وإستراتيجية وخطيرة مثل النقل الحضري والتنقل ومستقبل الطرامواي والشبكة الطرقية ومدن الصفيح والأحياء العشوائية والدور الآيلة للسقوط والباعة المتجولين والبنيات التحتية المهيكلة والعقار الصناعي والفضاءات الخضراء والتخطيط الحضري، إذا كانت أمورها تدبر من لدن أشخاص لكثير منهم ملفات يتواجهون عبرها أمام القضاء، ويدور كلام كثير في صالونات المدينة عن ممارسات بعضهم يمكن أن تضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية؟؟؟؟؟ إن بعض بارونات الانتخابات في الدارالبيضاء لم ينفع معهم ميثاق شرف قيل سابقا بأن مختلف الأطراف وقعته، ولن تجدي كذلك بعض المحاولات الجارية هذه الأيام تحت غطاء التنسيق الحزبي والبرلماني لدعم المشاريع في العاصمة الاقتصادية، ذلك أن الأساس يبقى هو أن المدينة والجهة معا يحتاجان اليوم إلى تغيير حقيقي، أي إلى فعاليات ذات تكوين وخبرة ومهارة، فضلا عن المصداقية السياسية والأخلاقية، وذلك لتدبير منطقة بكل هذه الرهانات الإستراتيجية والتنموية. المدينة لا تستحق فعلا أن يدبرها ثلة من «الشناقة» وجدوا أنفسهم ذات انتخابات وقد تحولوا إلى منتخبين وأعيان، دون أن ينسوا طبعا الانقضاض على «الهمزة»، فصار بعضهم من كبار الملاك والمقاولين العقاريين، وصار آخرون من علية القوم ومن رجال الأعمال، ووحدها المدينة تركت بلا أفق، وبقيت مكبلة من لدن هؤلاء، ويستغيث سكانها.