كثيرون هم من استغربوا عندما سمعوا الأمر لأول وهلة، ومنهم من تفكه معلقا على الخبر/المشروع، بينما استفاض البعض الآخر في توجيه الانتقادات، هذا في الوقت الذي كانت فيه فئة مؤمنة بأن مشروع "الطرامواي" قابل للتحقيق ويحمل آفاقا واعدة لمستقبل العاصمة الاقتصادية، متسلحة في سبيلها لتحقيق ذلك بالعزيمة والإصرار. أول أمس الخميس وبعد شهور من العمل المتواصل والمضني بسواعد مواطنين مغاربة، وبمجهود فكري وعلمي كذلك لبعضهم، والذي أربك تفاصيل الحياة اليومية للبيضاويين، تبين أن "الطرامواي" هو على سكته الصحيحة التي لم تتبق إلا مدة قصيرة لإتمام ملامحها وتتضح صورتها الكاملة للبيضاويين ولزوار المدينة، والمناسبة كانت هي الجولة الاستطلاعية على متن احد خطوط "الوافد الجديد" على شبكة المواصلات التي دعت إليها الشركة صاحبة المشروع مسؤولين، منتخبين وصحافيين، من أجل الاطلاع عن كثب وبشكل مباشر عن تفاصيل "رحلة" ستكون جزءا من رحلات عديدة يوميا عند الشروع في استعمال "الطرامواي" وذلك من قلب وسط المدينة وإلى غاية المحطة النهائية بتراب مقاطعة سيدي مومن. كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا حين تحلق جمع غفير من المدعويين أمام المدخل الرئيسي لمقر ولاية الدارالبيضاء الكبرى. مسؤولون، منتخبون، وصحافيون، الكل كان على موعد مع حدث يترقبه البيضاويون منذ مدة، وينتظرون انطلاق صافرة اشتغاله الرسمية، الأمر يتعلق ب "طرامواي" الدارالبيضاء الذي كان متوقفا غير بعيد بمحطة محج الحسن الثاني قبالة ساحة "نيفادا"، وحوله مستخدمون بالشركة بصدرياتهم البرتقالية ينتظرون توجه الوفد الذي ترأسه كل من والي الجهة محمد بوسعيد، رئيس الجماعة الحضرية محمد ساجد، وبعض من نوابه، رئيس مجلس الجهة شفيق بن كيران ومدير شركة "كازا ترانسبور" يوسف الضريس، صوبهم من أجل ركوب "القطار الحضري" واكتشاف تفاصيله "المغربية". قبل الانطلاق أجواء الترقب طالت بعض الشيء إذ لم تنطلق الرحلة إلا في حوالي العاشرة و 25 دقيقة عكس التوقيت الذي تم الإعلان عنه قبل ذلك والمحدد في التاسعة صباحا لظروف ما، وفي انتظار ذلك كانت جملة من الأسئلة والتعاليق المرتبطة بالمشروع موضوع نقاش بين المدعويين، ومنها ثمن تذكرة الركوب، ومدى تفاعل البيضاويين مع "الطرامواي" سواء تعلق الأمر بمستعملي الطريق من أصحاب السيارات أو الدراجات أو غيرها من الناقلات ذات المحركات، أو بالراجلين، وشكل الحملات التوعوية التي يمكن القيام بها من اجل حث المواطنين للحفاظ على "الطرامواي" ومحطاته بكيفية مشرفة، والتدابير الأمنية والوقائية التي ستتخذ في حال وقوع "انفلاتات" طائشة أو متعمدة من أجل الحفاظ على سلامة هذه الممتلكات التي تدخل ضمن خانة الممتلكات العامة. نقاش عام في جزء منه وخاص في جزء آخر لم يخل من مواقف طريفة، ومنها مداعبة والي الجهة محمد بوسعيد لبعض المنتخبين في حال تعطل "الطرامواي" حول الإجراء الذي سيتم اللجوء إليه، وهل سيكون بمقدور الشخص الذي خاطبه الوالي النزول لدفعه، ثم سؤال آخر حول مدى قدرته على سياقة "الطرامواي"، وهي كلها أسئلة إلى جانب أخرى حضرت الطرافة في أجوبتها وإن كانت في جزء منها ذات إيحاءات سياسية سيما تلك التي تبادلها منتخبون فيما بينهم. الرحلة التجريبية انتهت أجواء الانتظار واستقل الكل "الطرامواي" حيث تم الشروع في اكتشاف دواخله، هذا في الوقت الذي كان يتواجد بمقصورة القيادة شابان رفقة شابة بالإضافة إلى السائق، وما هي إلا لحظات حتى انبعث صوت نسوي عبر مكبرات الصوت بلغة فرنسية يثير الانتباه على 3 مراحل إلى الاستعداد للتحرك ولإغلاق أبواب "الطرامواي"، هذا في الوقت الذي شرع فيه أحد المنتخبين بمجلس المدينة بموازاة مع ذلك في المناداة بصوت مرتفع "باقا بلاصة" في استحضار لمشهد يعلمه الجميع وعاشوا بعضا من تفاصيله في لحظة من اللحظات. وماهي إلا دقائق قليلة حتى انطلق "الطرامواي" فعليا لكن عاد للتوقف مباشرة بعد أن داس الفرامل بقوة قبل أن يواصل مسيرته وسط انتباه وفضول المارة الذين تحلقوا على جانبي سكته لمتابعة الموقف، هذا في الوقت الذي تكلفت فيه عناصر أمنية من فرقة الصقور الدراجة وعناصر من أمن المرور راجلين وعلى متن دراجات نارية بإخلاء الطريق أمامه وإثارة انتباه مستعملي الطريق والراجلين من أجل الابتعاد عن مساره. انطلاقة كانت بطيئة بحيث لم تتجاوز السرعة 20 كيلومترا في الساعة وفي أحسن الحالات وعلى طول الرحلة وصلت إلى 30، إلا أن الملاحظ هو استمرار حضور الراجلين وذلك رغم المجهود الذي بذلته العناصر الأمنية ورغم صافرة "الطرامواي" التي ظلت "تدق"، وهو ما قدم صورة ولو نسبية عن الواقع الذي قد يجده خلال الأيام الأولى لعمله الفعلي ميدانيا، الأمر الذي يستوجب عملا توعويا وتواصليا ليس بالهين، حيث تعددت حالات القلق من العنصر البشري وذلك بعد تجاوز محطة ساحة الأممالمتحدة والانعطاف يمينا عبر شارع محمد الخامس، حيث وجد أحد الصقور نفسه مجبرا على اللحاق ركضا صوب شخص يجر عربة يدوية محملة بالخضراوات لإثارة انتباهه إلى "الطرامواي"، حيث تم تفادي الأمر بالفعل وواصل مسيرته متجاوزا محطة السوق المركزي "مارشي سنطرال"، لكن بعد ذلك بأمتار وتحديدا عند تقاطع شارع حسن الصغير وشارع محمد الخامس كاد رجل أمن بدراجته النارية أن يعلق في مرمى "الطرامواي" وذلك لكون عدد من البالوعات ومجاري المياه غير مغطاة، الأمر الذي حتم تدخل أشخاص آخرين لتقديم يد المساعدة، قبل أن يمضي قدما صوب محطة المقاومة، فساحة آل ياسر التي وجد أحد الصقور نفسه بها يدفع حاويتان/صندوقان القمامة بكلتا يديه لإخراجهما من مسار "الطرامواي". تدابير أمنية الحديث مع السائق بشكل مباشر أو مشاطرته غرفة القيادة هو أمر ممنوع للبتة حفاظا على امن وسلامة الركاب، ذاك كان معطى يستوجب التوضيح من طرف مستخدمين اثنين بالشركة اللذين كانا على مقربة من مقصورة القيادة وأكدا أن تواجد أشخاص آخرين إلى جانبه خلال هذه الرحلة هو أمر استثنائي، وأشارا إلى لوحة على جانب مدخل العربة يمكن من خلالها بعد الضغط على الزر مخاطبة السائق وإبلاغه بالطارئ، فهو وحده المتحكم بكل تفاصيل "الطرامواي" بدءا بالسرعة، مرورا بمكيف التبريد، وصولا إلى الفرامل، وبينهما يركز على الطريق أمامه وعلى الشاشتين المتواجدتين بلوحة القيادة وهما لكاميرتين متبثتين على جانبي "الطرامواي" تحيطانه علما بكل مستجد، شأنهما في ذلك شأن باقي الكاميرات الداخلية المتواجدة بعربات الركاب والبالغ عددها 8 كاميرات. أعوان الشركة بدورهم اصطفوا على طول مسار الرحلة للمساهمة في تأمينها بشكل عادي، وتجدر الإشارة إلى أن أعوان المرور سيخضعون لتكوين من طرف المصالح الأمنية وفقا لما تم التصريح به خلال توجه "الطرامواي" صوب سيدي مومن، مع العلم بان مجموع المستخدمين يصل إلى 78 شخصا من بينهم 18 من العنصر النسوي ما بين ممارسات ومتدربات. مشاهد من الطريق واصل "الطرامواي" مسيرته متجاوزا محطة البيضاء المسافرين، وقبلها وصلت الانتقادات بخصوص اللغة المستعملة في مخاطبة الركاب إلى آذان بعض المسؤولين ويتعلق الأمر باللغة الفرنسية، حيث تمت المسارعة إلى تنبيه المستخدمة التي كانت مكلفة بذلك، فتكلف السائق بمخاطبة الجميع بلغتهم الأصلية العربية. انعطف "الطرامواي" يمينا يسارا بعد تجاوزه محطة القطار حيث توقف بمحطة شارع ابا حماد، فمحطة المجازر القديمة، فالحزام الكبير، علي يعتة، الشهداء، ومحطة الحي المحمدي، وبشارع ابن تاشفين تكرر مشهد تدخل الصقور، إذ سارع احدهم مرة أخرى إلى إخلاء مسار "الطرامواي" من قطع كارطونية وأشياء أخرى كانت تتواجد بعربة يدوية، في حين حاول سائق حافلة للنقل العمومي التابعة لشركة "مدينا بيس" المرور رغم تقدم "الطرامواي" لكن تم منعه من طرف رجال الأمن بكيفية توبيخية على تهوره. تجاوز "الطرامواي" محطة حي الرجاء، فمحطة القوات المساعدة، ثم محطة عقبة بن نافع، وخلال هذه الفترة انبرى عدد من المنتخبين في "قليان السم" لبعضهم البعض، بينما رافع بعضهم للدفاع عن بعض رؤساء المقاطعات مقارنة بآخرين، وعن تواصلهم وتجاورهم مع الاتصالات الهاتفية من عدمه، والحديث عن الزفت وعن الازبال التي اعتبر بعضهم أن "الطرامواي" سيضطر غلى التعايش معها رغما عن أنفه! وبعد تجاوزه محطة التشارك سيدي مومن توقف "الطراموي" في محطته النهائية "مستشفى سيدي مومن" حيث غادره جميع الركاب وتوجه الجميع صوب محطة الصيانة الممتدة على مساحة شاسعة والتي تمكنها قدرتها الإيوائية من احتضان 50 "طرامواي" بعربات ركابه الأربعة. معطيات أخرى 22 "طرامواي" هو العدد المتوفر لحد الساعة، وفقا لتصريح خص به يوسف الضريس مدير شركة كازا ترانسبور "الاتحاد الاشتراكي، مضيفا بان 16 منها دخل مرحلة التجريب، وبلغ عدد الرحلات التي تم القيام بها خلال هذه المرحلة من الاثنين إلى الخميس حوالي 150 جولة تجريبية، معتبرا أن ما تم تحقيقه من خطوات عملية من اجل إنجاز هذا المشروع يعد إنجازا كبيرا وهو ماترجمته جائزة دولية منحت في هذا الخصوص بالنظر إلى الوقت الزمني الذي استغرقه انجاز 31 كيلومترا من الخطوط. وأضاف بأن التجارب الاولية انطلقت فعليا منذ شهر ابريل وذلك لمسافة محدودة والتي عرفت منحى تصاعديا بعد ذلك، موضحا بان عدد المحطات سيبلغ 48 محطة. من جهة أخرى لم يتم لحد الساعة تحديد سعر التذكرة وإن كانت النقاشات المرتبطة بهذا الشق تتحدث عن ما بين 6 او 7 دراهم على أقصى تقدير مع إمكانية استعمال نفس التذكرة في ركوب حافلات نقل المدينة، مع توفر إمكانية الاشتراك الشخصية وتعبئة البطاقة ...، والتي يمكن للركاب الذين يرتقب أن يبلغ عددهم بحوالي 600 راكب لكل "طرامواي" من بين الآلاف الذي ستستعمله يوميا الاختيار بينها. من جهة أخرى أوضح محمد ساجد بان هناك عمل يتم بشكل جدي من أجل إعداد خط ثاني ويتعلق الأمر بمقترحين يتمثلان في "طرامواي" اري أو "ميترو" هوائي، مشددا على أن هناك الحاجة إلى حوالي 60 مليار درهم لتحقيق هذه الغاية، وأضاف بان "الطرامواي" الحالي رصدت له ميزانية تقدر بستة ملايير درهم و 500 مليون درهما. وتجدر الإشارة إلى أن الاستعداد لاستقبال "الطرامواي" قد دخل مرحلة العد العكسي/التنازلي بحيث لم تتبق إلا مدة قليلة عن الموعد الذي تم تحديده للإعلان عن الانطلاقة الفعلية لمهام "طرامواي" الدارالبيضاء وفرض مكانته ضمن خارطة مواصلات العاصمة الاقتصادية وتقديم خدماته "التنقلية" للمواطنين، حيث غيّر من معالم واجهات منازل شارع محمد الخامس التي بدأت تنفض علامات الزمن من ملامحها وتلبس لبوسا جديدا وذلك بتبييضها ومنحها ألقا يتناسب و"اللوك" الجديد للشارع في زمن "الطرامواي"، وهي الخطوة التي ساهمت فيها عدة أطراف خاصة وعامة لتحقيق هذا المبتغى.