مليكة واليالي تكشف سيرة آلام وعذابات المحتجزين المغاربة في مخيمات تندوف يسرد كتاب «الصحراء.. صرخات ملتهبة» الصادر مؤخرا، للصحافية مليكة واليالي، فصولا أليمة وحكايات مفجعة عن عذابات ومعاناة ثلة من الأسرى والمحتجزين المغاربة في مخيمات تندوف. وإن كان الهم الرئيس للكاتبة، كما تفصح عن ذلك في مقدمة الكتاب، الذي يقع في 160 صفحة من الحجم المتوسط، هو إبراز حجم هذه المعاناة وفداحتها للقارئ، فذلك لم يمنعها، مراعاة لمتطلبات البحث المعرفي، من تخصيص فصلين آخرين، أقل حجما، للتعريف بأهم المقترحات والمبادرات التي طبعت مسار ملف الوحدة الترابية للمملكة (الفصل الثاني)، ومناقشة دور اتحاد المغرب العربي في حلها (الفصل الثالث). هكذا يتوزع الكتاب منهجيا على ثلاثة فصول، يحمل الأول عنوان «قضيتنا الأولى: كرونولوجيا ومسار»، وفيه يجد القارئ شهادات مؤثرة لأربع شخصيات ذاقت مرارة العسف والتنكيل وصنوف العذابات داخل مخيمات تندوف، ويتناول الفصل الثاني «مقاربات ومقترحات صاحبت الملف»، وفيه تحليل للمقاربة الملكية في تدبير ملف الصحراء المغربية، لاسيما مقترح الحكم الذاتي، أما الفصل الأخير فيبحث «اتحاد المغرب العربي ودوره في حل القضية»، حيث يترابط تحقيق الاستقرار في المنطقة المغاربية بإيجاد حل لقضية الوحدة الترابية للمملكة، حسب الكاتبة. وفي الفصل الأول للكتاب، يعبر القارئ مساحة من المآسي المتجاورة والذكريات المتقرحة لأربع شخصيات نجت بعد أمد من براثن العذاب، هي عبد الله الدخيل، أحد المؤسسين السابقين للبوليساريو، وحسن الميموني وعلي نجاب، أسيرين سابقين في مخيمات تندوف، والشابة الحسينة الموساوي، العائدة مع عائلتها من تلك المخيمات. وتقدم هذه الشهادات الأربع صورا قاتمة عن حياة الأسر والاعتقال. ويذكر أحد المستجوبين مثلا كيف كان يجبر هو ومن معه على النوم في حفر مفتوحة على سماء الصحراء القائضة دون دثار، وأكل طعام رديء وتجرع الماء المالح، فيما يبرز آخر قساوة جلادي البوليساريو اللامتناهية وإمعانهم في إيلام وإذلال الأسرى والمحتجزين. الشهادات الواردة في الكتاب تكشف أيضا، بل وتؤكد، حقيقة حركة انفصالية تحترف صنوف التعذيب وإهدار الكرامة الإنسانية وخرق المواثيق والمعاهدات الدولية وشتى أشكال الترهيب النفسي والجسدي وإذلال الإنسان. وتفضح الشهادات أيضا واقع حال السكان في مخيمات البوليساريو حيث «لا مستقبل ولا حياة، وعدم الاستقرار وانعدام العناية الصحية وأزمة التعليم، وهزالة موارد العيش»، وهي السمات الغالبة على واقع يومي بئيس للسكان، يزيده «استيلاء مسؤولي الجبهة على المساعدات الغذائية والإعانات» التي تقدمها المنظمات الدولية إليها بؤسا وفداحة. وتلاحظ واليالي في الفصل الثاني من كتابها أن حل مشكل الصحراء يمر عبر تطوير الجهوية الإدارية المطبقة حاليا نحو جهوية سياسية تحفظ الوحدة الترابية للمملكة. وقدمت في الفصل ذاته، قراءة في مضمون المبادرة المغربية للحكم الذاتي، لتنتقل، في الفصل الثالث والأخير، إلى التأكيد على أنه لم يعد يفصل بين تحقيق الحلم المغاربي في الوحدة والطموح الخارجي في الاندماج سوى قبول مشروع الحكم الذاتي الذي أضحى أكثر جدية وواقعية للتطبيق.