لأجل تحديد معنى الاستقلالية وما يتطلع إليه القطاع الثقافي المستقل في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية الحالية تفاعلا مع التغيرات والتحولات المتسارعة والمستمرة الآن وهنا في العالم العربي، وفي مناخ تعاد فيه مساءلة الثوابت الراسخة والإجابات المكرسة في كافة المجالات والميادين، ومن أجل الخوض في التساؤلات الرئيسة والتحديات الملحة المطروحة أمام القطاع الثقافي المستقل، أقامت مؤسسة المورد الثقافي بمصر مؤخرا، مؤتمرا تحت شعار «ثقافة مستقلة من أجل الديمقراطية» بحضور أكثر من مائة مشارك من الفاعلين الثقافيين المستقلين من مبرمجين وفنانين وإعلاميين ومثقفين من العالم العربي. يهدف المؤتمر إلى إعادة تحديد معنى الاستقلالية، مروراً بالتطلعات التي يصبو إليها القطاع الثقافي المستقل والإمكانيات المتاحة أمامه، وصولاً إلى إعادة النظر في استراتيجياته وأدواره الحالية والمحتملة، وذلك بالعلاقة مع التغيرات الاجتماعية والسياسية الحالية . تتأتى أهمية المؤتمر من واقع اللحظة الراهنة، ومن الأسئلة الجوهرية التي يطرحها المؤتمر والتي يتحمل تبعات محاولة الإجابة عليها، أهمها سؤال حرية التعبير والتي تطال السياسات الرسمية والمستقلة على حد سواء، وتعنى بالقطاعات المجتمعية كافة المجالات (الفنية والتربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية) كما تلتفت إلى المكونات البشرية المختلفة بتنوعها العمري والجندري والعرقي والعقائدي. أولاً: دور القطاع الثقافي المستقل في المشاركة في قيادة التغيير السياسي والاجتماعي يوصي المشاركون، بما يلي: 1. أن يقوم القطاع الثقافي بمؤسساته الفاعلة وأفراده من مبدعين ومثقفين بالعمل دون تباطؤ على تحمّل مسؤوليته تجاه احتياجات المجتمعات العربية في لحظة التغيير الاستثنائية هذه، متخليا عن أي تردد أو تشكك في فاعلية دوره والحاجة إليه. 2. أن يقوم بمراجعة برامجه وإمكاناته البشرية والمادية وتوجيهها لدعم كافة المبادرات التي تربط الممارسة الفنية والثقافية بإيقاع الحراك المتسارع على المستوى السياسي والاجتماعي، مع مراعاة الالتزام بالمقتضيات الجمالية والإبداعية للعمل الفني والثقافي. 3. أن يقوم بالضغط على المؤسسة الثقافية الرسمية لكي تتعامل معه من منظور الشراكة الندية، وأن تمكنه من أدوات الإنتاج اللازمة لممارسة مسؤولياته وأن تلغي كافة المعوقات الإجرائية في مختلف أنحاء المنطقة العربية وذلك حتى يستجيب لمتطلبات اللحظة الدقيقة. 4. أن يعمل مع القطاع الحكومي، ومع المجالس التشريعية، على التوصل لمقترحات جدية بخصوص تعديل البنية القانونية و التشريعية، تحديدا̋ فيما يخص قوانين الجمعيات الأهلية و النقابات الفنية، لتحقيق أوسع بنية تنظيمية فاعلة قادرة على أداء دورها. 5. أن يهتم بالتنسيق والتفاعل مع كافة الفعاليات والحركات الاجتماعية والحقوقية التي تتبناها مؤسسات المجتمع المدني والمساهمة فيها ومن خلالها يتمكن من تفعيل دوره وبرامجه الهادفة لدفع التغيير الاجتماعي. 6. أن يسعى إلى تعزيز مكتسبات القطاع الثقافي المستقل بعد الثورات (ومنها تقديم الفعاليات في الفضاء العام كالفن ميدان على سبيل المثال) و الحؤول دون تهميشها أو الالتفاف عليها. ثانيا: السياسات الثقافية اتفق المشاركون في المؤتمر علي أن مرحلة التغيير السياسي والاجتماعي التي تمر خلالها المنطقة العربية تتطلب إعادة نظر جوهرية في السياسات الثقافية التي تتبعها المؤسسات الرسمية في البلدان المختلفة، و التي مازالت استمرارا̋ لسياسات الأنظمة القديمة في تكريس الثقافة في خدمة السلطة السياسية واحتكار كل عمليات الإنتاج والتوزيع الثقافي وتركيزها في المدن الكبرى ولخدمة قطاع محدود من المجتمع، وحرمان معظم المؤسسات المستقلة والفنانين الذين لا يعملون في المؤسسات الحكومية من فرص الدعم المالي والفني والإعلامي. في هذا الخصوص يوصي المشاركون بما يلي: 1. في البلدان التي تمر بتغيير سياسي جذري، توضع آلية انتقالية للقطاع الثقافي الحكومي، بمشاركة المؤسسات الثقافية المستقلة – تضمن عدم انقطاع الخدمات الثقافية عن المواطنين ووصولها إلى أكبر عدد ممكن من الناس ومواكبة هذه الخدمات لاحتياجات مراحل التغيير السياسي والاجتماعي؛ وفي نفس الوقت تحدد آلية لرسم سياسية ثقافية على المدي الأطول. 2. في جميع البلدان العربية، يتم اقتراح سياسات ثقافية جديدة مبنية على أسس دمقرطة الثقافة ولا مركزيتها، وعدالة توزيع الخدمات الثقافية، ودعم حرية الإبداع والتأكيد على أهمية التنوع الثقافي، وتعدد أشكال ومصادر التعبير الثقافي، مع مراعاة أن تستمد هذه السياسات الثقافية الجديدة شرعيتها من كونها نتيجة لحوار مفتوح وواسع بين كل الأطراف الأهلية والحكومية المعنية بالثقافة. 3. قيام مؤسسة المورد الثقافي بنشر وتفعيل نموذج « المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية» وتعزيز دور الشباب فيها. وهو النموذج الموجود حاليا في بعض البلدان العربية، ودعم عمل هذه المجموعات، بما يمكنها من قيادة الحوار الوطني حول السياسات الثقافية. 4. نهوض المجموعة العربية للسياسات الثقافية بمهمة دراسة وبحث الأشكال الشائعة في البلدان المختلفة لهيكلة القطاع الثقافي، بما فيها مجالس الفنون الوطنية والمؤسسات ذات الصبغة شبه الحكومية، على أن تتاح نتيجة هذه الدراسة لكل المعنيين برسم السياسات الثقافية في المنطقة العربية. ولتحقيق ذلك، تقوم المجموعة العربية بالاستعانة بما يلزم من خبرات في سبيل إنجاز هذه الدراسة خلال ثلاثة أشهر . ثالثا: التمويل يعتبر التمويل أحد التحديات المستمرة لتعزيز دور وأداء القطاع الثقافي المستقل في الدول العربية وفي ضمان استقلاليته. ومع مرحلة التحول السياسي والإجتماعي التي تمر بها المنطقة، يستعيد القطاع الثقافي المستقل قدرته على الضغط نحو توزيع ديمقراطي للأموال العامة. و يوصي المشاركون في المؤتمر بإتخاذ الخطوات الفعلية التالية : 1. المطالبة بتحديد « حد أدني « لا يقل عن 1 % من الموازنة العامة في كل بلد يخصص للثقافة، على أن يتم تحديد نسبة معلنة لدعم المبادرات الثقافية المستقلة بالتوافق و الحوار مع القطاع الثقافي المستقل في كل بلد. 2. إنشاء صناديق محلية تدعم المبادرات المستقلة من مؤسسات و أفراد يشارك في تمويلها رأس المال المحلي، إضافة إلي عقد شراكات إستراتيجية مع مؤسسات القطاع الخاص و تفعيل مبدأ « المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص « واستخدامه لدعم الثقافة. 3. استكشاف مصادر تمويل جديدة مثل: استثمار أموال الوقف والفوائد المصرفية وعائدات الضرائب وتأسيس يانصيب وطني لدعم القطاع الثقافي المستقل، على أن تتم تهيئة المناخ الثقافي اللازم لتطوير هذا التوجه. 4. العمل علي أن ينوّع القطاع الثقافي المستقل مصادر تمويله المحلية والأجنبية في أي مبادرة أو مشروع. و أن يعمل على ضمان جزء من تمويله من خلال المساهمات العينية ورأس المال البشري التطوعي. 5. تطوير دور جهات التمويل الأجنبية كشريك رافع لتشجيع رأس المال المحلي. 6. إعادة الاعتبار لمبدأ الرعاية التجارية كمصدر تمويلي إضافي باعتباره آلية ضرورية ومكملة لمبدأ الشراكة مع القطاع الخاص. رابعا: الإدارة و الحوكمة والمهارات يوصي المشاركون في المؤتمر بما يلي : 1. دعوة المؤسسات الثقافية العربية المستقلة إلى التركيز على مبدأ حرية الإبداع وكرامة الفنان والفاعل الثقافي. 2. دعم المؤسسات الثقافية المستقلة في تأهيل كياناتها وجعلها تستجيب لراهن لحظة التغيير الإجتماعي والسياسي وذلك عبر إدارة كفأة ومن خلال اعتماد مبادئ الحوكمة الجيدة والشفافية، ومساءلة أدوارها وتجديد أرضيتها التنظيمية والفكرية والمعرفية. 3. اعتماد آليتي التعاقد والشراكة في صوغ العلاقة مع المؤسسة السياسية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني الأخرى. 4. سن سياسة في مجال التكوين (التدريب) وبناء القدرات العاملة في حقل القطاع الثقافي العربي المستقل بما يؤهل الموارد البشرية ويرفع من مهنيتها. خامسا: التشبيك والتعاون 1. إيجاد آلية للتعاون والتشبيك وتبادل الخبرات وكذلك الدعم الفني والمادي فيما بين المؤسسات والفنانين والفاعلين الثقافيين في القطاع الثقافي المستقل على المستويين المحلي والإقليمي، سواء عبر فضاء إليكتروني أو نشرة دورية أو غير ذلك من الآليات. 2. الاتفاق على آلية تشارك فيها المؤسسات الثقافية المستقلة و المبدعون وغيرهم للتضامن مع حالات القمع والرقابة والمصادرة وانتهاك حرية التعبير، التي تهدّد الفن والإبداع في المنطقة على أن يتم التركيز على المؤسسات المستقلة الصغيرة و الناشئة والفاعلين الثقافيين الأفراد من الشباب، وكذلك خلق قوى وائتلافات للضغط والمناصرة والتنديد بالانتهاكات في حق الفنانين والمبدعين والمؤسسات الثقافية المستقلة، مع التركيز على استخدام وسائل الإعلام البديل لهذا الغرض. 3. استكشاف آفاق التعاون والحوار مع المؤسسات الرسمية في كل القطاعات المؤثرة والتي قد تلعب دورا في العمل الثقافي. 4. البناء على نماذج وأمثلة التعاون مع المؤسسات المدنية في القطاعات الأخرى مثل التعليم والتنمية وحقوق الإنسان والإعلام وغيرها، بهدف تضمين المكون الثقافي في برامج وخدمات هذه المؤسسات. 5. بذل الجهد نحو مزيد من التعرف على أفكار القوى والتيارات الدينية ومحاولة إيجاد شراكات و بناء ائتلافات داخل القطاعات العقائدية المختلفة.