بمجرد ما بدأت التساقطات المطرية تنزل على بلادنا، ما استبشر له الفلاحون وعموم شعبنا في مختلف المناطق، حتى بدأت تنكشف كوارث البنيات التحتية في العديد من مدننا، وصارت رحمة المطر تجلب معها كثير معاناة وآلام لفئات عريضة من مواطناتنا ومواطنينا في المدن والأرياف معا. لقد نقلت صحيفتنا في عدد أمس الكثير من الأخبار على هذا المستوى من مراسلينا بمدن مختلفة، وتوحدت كلها في رسم صور معاناة الساكنة جراء الاختناقات التي مست بالوعات الصرف الصحي مثلا، وبعد أن فاضت مياه الأمطار لتغمر الشوارع والأزقة وداخل الأحياء، كما أن المعاناة تجسدت كذلك في أزمة النقل العمومي، خصوصا أن الفترة هي نهاية العطل المدرسية وعودة المسافرين، وقد لحقت أعطاب تقنية كثيرة بمحطات القطار في الأيام الأخيرة ما تسبب في تأخير رحلات لأزيد من ساعة أحيانا، بالإضافة إلى حالات الازدحام الكثيرة التي سجلت في المحطات، ثم هناك الأزمات المتعددة وسط الأحياء الشعبية ودور الصفيح والبنايات الآيلة للسقوط وغير ذلك. اليوم لم يعد من المقبول، أن تتكرر مثل هذه المعاناة عند كل موسم شتاء، وبدل أن تفرح الناس بالأمطار تحدث الخيبة وأحيانا المآسي، وصار من المستعجل بلورة حلول ومقاربات ناجعة وفعالة لمواجهة مثل هذه المخاطر التي تزهق أحيانا أرواح المواطنين. في الأرياف كذلك يتعمق التخوف من شبح الفيضان في الغرب مثلا، ويستحضر الناس صور المآسي لساكنة المناطق الجبلية والنائية المعزولة، وأيضا وعورة المسالك والطرق في مثل هذه المناطق، وهذا يتطلب الكثير من اليقظة والاستنفار لتفادي تكرار مآسي الأعوام السابقة. إن ما أوردناه أعلاه، يتعلق بالخدمات الأساسية التي يفترض أن تقدمها الجماعات المنتخبة إلى الساكنة يوميا وفي كل الفصول، كما أن تكرار المآسي والمعاناة جراء التساقطات المطرية في كل سنة، يفرض تدخلات حكومية مركزية إلى جانب الجماعات المحلية، ومتابعة تنفيذ المخططات والبرامج ومحاسبة كل من تخلف عن التطبيق، أو أخل بمسؤوليته في هذا الاتجاه. إن التساقطات المطرية الهامة التي عمت بلادنا في الأيام الأخيرة تعتبر مؤشرا إيجابيا يبشر بموسم فلاحي جيد، وبامتلاء حقينة سدود المملكة، وهذا مهم ويحمل كثير منافع لبلادنا ولفلاحتنا ولنمونا الاقتصادي ولأوضاع شعبنا، خصوصا في الأرياف، ولكن من الضروري، في نفس الوقت، تعبئة كل الجهود من أجل جعل هذه الأمطار فعلا رحمة وخيرا على الأرض والناس، وتفادي أن تكون سببا في المآسي والآلام لفئات واسعة من شعبنا. اليوم في المدن يجب تطوير خدمات الصرف الصحي والنظافة، والمراقبة اليومية للشبكات، ومساعدة السكان في الأحياء على التقليل من أضرار المياه والأوحال والنفايات، كما أنه من الضروري انخراط مؤسسات النقل(الطرقي والسككي بالخصوص) في توفير خدمات جيدة وسريعة للناس لتفادي الارتباكات والتوترات... أما في الأرياف، فيفترض الاهتمام أساسا بالطرق والمسالك لتفادي عزلة مناطق بكاملها، كما يجب مساعدة الفلاحين على توفير الأسمدة والأعلاف والبذور في ظروف مناسبة، ومواكبة انشغالاتهم اليومية في المجالات التعليمية والصحية والإدارية، ومن حيث التزود بالمواد الغذائية، والاحتياط من مخاطر الفيضانات... إن العورات التي فضحتها التساقطات المطرية الأخيرة في كثير من مدننا وأريافنا، هي تفضح كذلك واقع التدبير الجماعي في عدد من مناطق المملكة، وتحثنا جميعا على التفكير في هذا الواقع، حيث إن المنتخبين ومسؤولي السلطات الترابية الذين يغضون الطرف عن البناء العشوائي، ويساهمون في إنتاج أحياء عشوائية بكاملها، ويدعون الناس تقيم بيوتها في سفوح الجبال، هم مسؤولون أيضا عن المآسي التي تحدث في مواسم الشتاء والمطر، كما أن عشوائية التدبير والتخطيط وتخلفهما هما المسؤولان عن إنتاج ممارسة جماعية عقيمة ومتخلفة وبلا أفق للتقدم أو لتطوير مستويات عيش الساكنة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته