غدا يوم عيد الأضحى المبارك، أهله الله علينا وعليكم بالصحة والعافية وتقبل منا ومنكم الأضاحي والصدقات... غدا يحل عيد الأضحى، ونتمنى أن تعم معه الفرحة كل المغاربة بعد أن يكونوا قد ودعوا متاعب «الجري» وراء الخروف وحرقة لهيب أسعاره، وأن يكونوا قد ظفروا ب»الصيد الثمين»، كلٌّ على قدر إمكانياته وبمقدار أريحيته... أجواء عيد الأضحى، لا تضاهيها أجواء مناسبة أخرى عندنا، وإن كان لليالي رمضان وفرحة عيد الفطر، قبل عيد الأضحى، سحرها العجيب، إلا أن عيد الأضحى، وبالإضافة إلى روحانية شعائره المعتبرة، ينفرد بخصوصية تكاد تجعل منه «عيد الإقبال على الحياة» بامتياز، وهو ما يذكرنا ربما بلحظة انتصار الحياة من خلال نجاة النبي إسماعيل الذبيح من موت رهيب، في تجربة ابتلاء قاسية للإنسان والإنسانية ومليئة بالعبر التي لا يمحوها الزمن... ... ف «النهم» الذي يسبق الاحتفال هو نهم للفرحة أساسا... يصيب الكبار والصغار، ولعل ذلك ما يجعل هذا النهم محفوفا أكثر بالهواجس والمخاوف، ولعل ذلك ما يجعل فرحة الفقير بهذا العيد أكبر منها في أي مناسبة أخرى، وشعوره بها ربما أعظم من إحساس الميسورين وذوي السعة... العيد عندنا أيضا مناسبة استهلاكية بامتياز... أتذكر كيف كانت والدتي تخرج كل سنة إلى أحد أسواق العاصمة الاقتصادية قبيل عيد الأضحى لشراء لوازم العيد، فتعود إلينا لتحكي باستغراب كيف يقبل الناس على شراء كل شيء وأي شيء في هذه المناسبة، حتى تلك الأشياء التي لا يخطر على بالك أنهم سيكونون بحاجة إليها في أيام العيد... ومن يذكر نمط الاستهلاك و»نهم» التبضع والاقتناء، يذكر أيضا أحد المظاهر أو «الأعراض الجانبية» للاحتفال التي تصاحب أيام عيد الأضحى على الخصوص، إنه مشكل تكاثر النفايات... مشكل يبرز بأيام قبل حلول يوم العيد مع ارتفاع وتيرة الرواج التجاري للخروف والبضائع التي تحتفي به، في الأسواق كما في الأحياء سواء. إذ تتحول كثير من المحلات المغلقة عادة في الأحياء السكنية إلى أسواق لبيع الخروف، وبجوارها تنبت كالفطر «فنادق الخروف»، ومحلات بيع التبن والفحم، وطاولات بيع التوابل والخضر... «الحركة دايرة»... ومعها تدور بجنون دورة النفايات والروائح الكريهة، لتصل إلى أوجها في يوم العيد والأيام الموالية له، من خلال انتشار مخلفات الذبائح التي تجدها ملقاة في الشوارع والأزقة بطريقة عشوائية في أكثر الأحيان، وبجوارها مخلفات شواء الرؤوس الذي أضحى عادة يقبل عليها شباب الأحياء الراغبين في الإفادة بدورهم من هذه «الحركة الدايرة» التي تحيي الأمل في رواج اقتصادي مؤقت، ولكنها توقظ أيضا مواجع تدبير النفايات في أغلب مدننا، وهموم ضعف الإحساس بالمسؤولية لدى المسؤولين ولدى المواطنين، وغياب الوعي بضرورة المحافظة على جمالية مدننا وحماية بيئتنا من التلوث والأمراض. من المسؤولين ومن هيئات المجتمع المدني من يرتفع عندهم حس المسؤولية ليُترجم إلى حملات تحسيسية ومبادرات تطوعية من أجل المزيد من الوعي بالمشكل والحد من أثاره، والمؤمل أن يتم تعميم هذه المبادرات على كافة التراب الوطني وبشكل دائم مع حلول كل عيد. كما يفترض أن تتجاوز الحملات التي يقوم بها الإعلام العمومي تلك الوصلات القصيرة التي تقدم نصائح للأسر حول كيفية التخلص من مخلفات الذبائح، إلى حملات أوسع وبأشكال مبتكرة أكثر تغذي حس المواطنة والمسؤولية عند الساكنة وترفع مستوى السلوك الحضاري والمتمدن لديها فيما يتعلق بالتدبير اليومي للنفايات. ظاهرة أخرى تفرض نفسها بحدة أيضا خلال أيام عيد الأضحى، هي ارتفاع وتيرة السفر و»نشاط» النقل العمومي، إذ تشهد محطات الأسفار صراعا محموما مع الزمن وضغطا كبيرا من قبل المسافرين، ومعه يرتفع مستوى المضاربات والأسعار في سوق التذاكر، وتزداد حدة المشاحنات وشكاوى المواطنين ومظاهر الشجار والانحراف في المحطات الطرقية. وبقدر ما تخفت حدة الصراخ لدى صعود الراكبين إلى حافلات النقل الطرقي، بقدر ما تزداد مخاوفهم من مشاكل السفر وصعوبات الطريق التي ينعكس الضغط عليها، خلال هذه الأيام من السنة، على أعصاب السائقين والمسافرين، يكون أثره وخيما أحيانا في حال عدم ضبط النفس واحترام قوانين السير. والأمر سيان داخل المدن، وفي كبرياتها بالأساس، إذ ترتفع أيضا وتيرة السير والجولان بشكل غير معتاد، خاصة في الأيام القليلة التي تسبق العيد، وتكثر معها مظاهر الازدحام على الطريق بين الراجلين والسائقين وعربات الباعة المتجولين، مما ينتج عنه كذلك توتر كبير ومظاهر سلبية عديدة، خاصة في ظل الفوضى التي تميز هيكلة مدننا الكبرى، وعلى رأسها العاصمة الاقتصادية مثلا، وكذا في ظل غياب وعي جماعي بأهمية اقتسام الطريق والفضاءات العمومية بشكل يحترم حقوق الآخرين في تلك الفضاءات، ويضمن سلاسة التحرك فيها دون شحناء أو بغضاء قد تحول فرحة العيد إلى غصة مريرة، وهو ما نلحظه للأسف خلال هذه الأيام حيث تكثر المشاجرات، التي تتطور أحيانا إلى جرائم خطيرة، لأتفه الأسباب. هذا والحال أن عيد الأضحى، بما هو مناسبة دينية ترتبط في أذهاننا بقيمنا الإسلامية السمحة، وعلى رأسها التضامن والتسامح والإكثار من أعمال الخير، يفترض أن يكون فرصة لإظهار كل ما فينا من خير، وبذلك تعم الفرحة... وكل عام وأنتم بخير!