محمد بنعيسى: موسم أصيلة يلعب دورا دبلوماسيا يستفيد منه المغرب لكن خيارات الدولة تضع مدينة أصيلة في الهامش فتح محمد بنعيسى قلبه لصحيفة «بيان اليوم»، ليجيب عن أسئلتنا بكل وضوح وصراحة. بنعيسى الذي شغل منصب وزير للخارجية ما بين 1999 و2007، منح لمدينة أصيلة، في الشمال، زخما وطنيا ودوليا بموسم ثقافي يرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. لا ينكر بنعيسى استثماره لتلك العلاقات التي بناها خلال توليه الوزارة وقبلها السفارة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لجعل موسم أصيلة، حدثا متألقا. بنعيسى قليل الكلام في السياسة، وكثير الحديث في شؤون الثقافة والأدب، لا يزال يمارس قدرا من السياسة رغم ابتعاده عن العاصمة وأروقة الوزارة، فهو رئيس المجلس البلدي لمدينة أصيلة، ومن ثمة، فإن بنعيسى لا يخفي أسفه من بعض السياسات العامة لا لسبب سوى أن مدينته الصغيرة لا توضع في الحسبان، في وقت بات موسمها، موضوعا صارت بذكره الركبان. بعد أن لاحقناه لأيام طوال، وألححنا عليه بما زاد من الكلام، استطعنا أن ننتزعه من زحمة اللقاءات والندوات، وهو المشغول والمنشغل بهم موسمه الزيلاشي الشهير، فاستجاب لطلبنا، ومنحنا ما كنا نبتغيه منه، فكان هذا الحوار. *** * من المعروف على موسم أصيلة الثقافي الدولي، أنه ملتقى ثقافي رفيع، ومختلف من حيث طبيعته وحجمه عن باقي المهرجانات بالمغرب. وقد يطرح تنظيم مثل هذا الموسم، مجموعة من التحديات. نريد من السيد بنعيسى أن يعرفنا على التحديات التي واجهته من أجل تنظيم مهرجان من هذا النوع في مدينة أصيلة؟ - هذه قصة عمر، وعمر موسم أصيلة الآن، إثنان وثلاثون عاما. بطبيعة الحال، كانت هنالك تحديات خلال بداية المشروع؛ تحديات سياسية وتحديات مالية، كما كانت هنالك أيضا تحديات كبرى؛ هيكلية وبنيوية في مدينة أصيلة. ويمكنني في هذا الصدد أن أقول بأن مدينة أصيلة في 1978 (خلال الموسم الأول) لم تكن تتوفر على الماء الصالح للشرب، بل كان الماء يوزع بعبوات كبيرة الحجم على السكان، كما أن تغطية الكهرباء كانت ضعيفة. رهاننا إذن، كان تحديا في الوقت نفسه، أي أننا من خلال موسم أصيلة، أردنا أن نستشرف مستقبلا للتنمية بالمدينة، وتوظيف المشروع الثقافي والإبداعي من أجل التنمية البشرية، ومن هنا كان الشعار الذي أطلقناه وهو «الإبداع والثقافة من أجل التنمية». بالطبع، فقد ضحك علينا الكثيرون حينئذ. ومن جهة أخرى، كان الرهان الماثل أمامنا في موسم أصيلة، هو الخروج من العاصمة والخروج من المدينة الكبيرة لنلتحق بالمناطق المهمشة، إذا صح هذا التعبير، وبالتالي، أن نجعل من هذه المناطق المهمشة أرضية لتلاقي المغاربة وتلاقي العرب والأفارقة أولا، وتلاقيهم جميعا مع الآخر ثانيا، تلاقيهم مع الأوروبيين والآسيويين والأميريكولاتنيين. كان رهاننا إذن، هو إقامة جسر يشبه الطريق السيار، يقود في الاتجاهين معا. لماذا أتحدث عن الطريق؟ لأنه في بداية هذا المشروع، ونحن الآن نتحدث عن أواخر السبعينيات، كانت الحرب الباردة في ذروتها، كما كانت بلادنا تعيش صراعات داخلية بين اليمين واليسار؛ لقد كانت الظروف صعبة. وإلى جانب هذا، كانت هنالك أيضا مطالب قوية بالديمقراطية والتعايش. وفي هذا الوقت بالضبط، جئنا نحن لنقول بأنه قد آن الأوان كي نتحاور مع الآخر في أرضنا. قبل موسم أصيلة، وسأتحدث هنا بشكل محدد عن الفنانين التشكيليين، كان هؤلاء يهاجرون إلى الشمال، إلى أوروبا، وأستطيع أن أقول إن أغلب هؤلاء المبدعين والأدباء كانوا يبحثون عن الاعتراف بالذات لدى الأوروبيين. من جهتنا نحن، فقد قلنا إنه من الواجب أن نعبد الطريق ليأتوا إلينا، هم، أي الأوروبيون، وهنا كان التحدي في ذلك الزمان. في أصيلة، ليست لدينا فنادق مصنفة؛ لا من أربع أو خمس نجوم، كما ليس لدينا مثل ما نشاهده في كثير من الدول التي تنظم مهرجانات مشابهة. ليس لدينا بذخ، وظروفنا لا زالت بسيطة، ومع ذلك، فهي ظروف نظيفة وجميلة رغم كونها بسيطة. ليس لدينا أيضا ما يكفي من المال، وإن كنا نود أن يكون لدينا حتى نتمكن من تأهيل البنية التحتية بشكل أحسن، لكن لدينا الإرادة والرؤية، وفوق ذلك، الصمود. الشاعر الكونغولي الراحل تشيكايا تومسي، كان يقول عن أصيلة وموسمها «إنه رمز السكينة والصبر». إذن، هذه في المجمل، تحديات موسم أصيلة الثقافي الدولي، وعمره الآن اثنين وثلاثين عاما. * في سياق الحديث عن حوار الحضارات والثقافات، يقدم موسم أصيلة نفسه كمساهمة في إرساء معالم التبادل الثقافي من خلال التشكيلة المتنوعة لضيوفه، وكذلك، لعب دورا في إطار الدبلوماسية الموازية. كيف يلعب موسم أصيلة الثقافي الدولي، هذه الأدوار؟ - في الحقيقة، كل عمل تواصلي سواء أكان جمعويا أو على شكل مهرجان أو موسم، فإنه يصب في هدف تعبيد وتقوية العلاقات الدبلوماسية الموازية بين بلادنا والآخر. أنا لا أستطيع أن أسقط من حسابي، من هذه الناحية، أني كنت وزيرا للثقافة، ثم وزيرا للخارجية، كما كنت سفيرا للمملكة المغربية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقبل كل ذلك، موظفا لما يزيد عن أربعة عشرة سنة في الأممالمتحدة وفي منظمة الأغذية والزراعة. وبالتالي، فقد كان لي شرف ربط علاقات على المستوى الوطني والدولي، وهذا ما أتاح لي الفرصة من أجل توظيف تلك العلاقات في موسم أصيلة. إن كثيرا من الوزراء والقيادات السياسية والفكرية أعرفهم بشكل شخصي، وهذا بصراحة، عنصر أساسي. ثم إننا من جانب آخر، لم نحرج ولا نحرج أحدا. نحن ندافع عن الكلمة الصريحة والحرة والمسؤولة، بمعنى أننا لم نقمع أحدا تحدث في شيء، إلا فيما يتعلق بالثوابت؛ العرش والدين الإسلامي والمؤسسات، كما لا نقبل من أحد أيضا، أن يسوق حساباته مع نظام سياسي ما أو قيادة ما في موسم أصيلة. نحن لسنا سوقا لترويج الحسابات السياسية أو غيرها، أما التعبير عن أي إيديولوجية أو أي توجه أو أية خيارات فهو أمر متاح، والناس يرتاحون لذلك. ويعرف كل الكتاب والمفكرون والفنانون أن لا أحد يتبعه شرطي، فنحن بلاد حرة. وهكذا، فإن ما يتم تداوله في موسم أصيلة، والتواصل الذي يتحقق بين النخب من مختلف أنحاء العالم، تستفيد منه بلادنا بطبيعة الحال. هؤلاء الناس يأتون إلى بلادنا وبعضهم يحمل تصورات غريبة عنها، وحين يشاهدون الفضاءات المتاحة لمختلف الشرائح السياسية والفكرية والإبداعية في بلادنا، ويرون ما أنجز في عدة مجالات، سيما المتعلقة بفضاء الحرية، فإن ذلك، بطبيعة الحال، يثبت في أذهانهم صورة مغايرة عن المغرب، ويكسب بالتالي، للمغرب عطفا وتفهما لواقع الحياة في بلادنا، أي أن تلك الصورة تتبدل عما كان البعض يروج له ضد المغرب من ذوي النيات السيئة وأصحاب الدعايات في الخارج من حين لآخر. ثم إن كثيرا من الوافدين على أصيلة، خلال العشر سنوات الأخيرة، يمثلون الفئة السياسية والدبلوماسية، من سفراء ووزراء خارجية أو وزراء دولة في حكومات مختلفة، ويرون بأم أعينهم أيضا، التطور الحاصل في البلاد على مختلف الأصعدة. في المحصلة الأخيرة، فإن العمل الدبلوماسي يحتاج بالأساس، إلى المعرفة الصحيحة عن الآخر، حتى وإن كان مختلفا عنا. المصيبة والمشكلة الكبرى هي أن يبقى الآخر جاهلا لنا، وليس متجاهلا، بل جاهلا لنا تماما، إذ هنا يقع صدام الحضارات والثقافات. * هذا النقاش حول ما يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الموازية إلى جانب الدبلوماسية الرسمية، يثار اليوم بحدة، وتظهر دبلوماسيات أخرى كالبرلمانية والحزبية والرياضية والثقافية، إلا أن النقاش لا يزال مستمرا حول حدود هذه الدبلوماسيات مع مجال عمل الدبلوماسية الرسمية. أنتم، كوزير سابق للخارجية، كيف ترون مسألة هذه الحدود في نطاقات اشتغال كل دبلوماسية؟ - ليس هنالك في اعتقادي، حدود لعمل الدبلوماسية الموازية؛ فالدبلوماسية الرسمية من جهة، لها مقوماتها ولها معالمها ولها إطارها، وهي دبلوماسية تقوم على الالتزام بالكلمة، لأن هنالك حكومة ومسؤوليات جسيمة، مثلها في ذلك إلى حد ما، مثل الدبلوماسية البرلمانية. أما فيما يتعلق بالدبلوماسية المجتمعية، فإن الناس أحرار، ولذلك فإني لا أعتقد بوجود حدود أصلا، منطلقا في ذلك من مسلمة تقول بأننا ندافع عن بلادنا بشتى الوسائل المعقولة والمقبولة والمهذبة، أي دون استفزاز الناس. * أود الحديث عن موسم أصيلة أيضا في ارتباطه بالمدينة وليس بالآخر، لأننا نعرف قدر المهرجانات بالمغرب لدرجة أن مدنا كطنجة ومراكش والبيضاء والرباط وأكادير وفاس وتطوان، لها مهرجاناتها، لكن الفارق بينها وبين موسم أصيلة، هو أن المهرجان هنا أكبر من المدينة في حد ذاتها. - أعتقد بأن قيمة الشيء ليست في حجمه، وهذا ينطبق على كل الأشياء، وليس ضروريا أن يكون العمل الكبير في مكان كبير. لقد سعينا كما قلت سابقا في هذا الحوار، إلى الخروج من الأماكن الكبيرة نحو مكان صغير. والناس الذين يشاركون في ملتقيات أصيلة وندواتها، يجتمعون مع بعضهم البعض ويأكلون مجتمعين ويعيشون لفترة، في محيط صغير يجعلهم يلتقون مع بعضهم البعض في كل مكان. لأصيلة مناخ يقرب الناس من بعضهم ويخلق حميميات لا نكاد نجد مثلها في المدن الكبرى سيما العالمية سواء نيويورك أو باريس. ومع ذلك، فإني أعتقد بكل صراحة، أن الأمور المتعلقة بالتنظيم تجعل المهرجان بشكل ما، أكبر من أصيلة. ورغم هذا، فإن الناس، وإن كانت أصيلة لا تتوفر على فنادق مصنفة من الدرجات الرفيعة، لا يبحثون اليوم عن الراحة المادية، بل هم يبحثون عن الراحة الروحية، وهذا يعني أن غرفة واحدة بحمام وسرير نوم، تكفيهم. والجو هنا يساعدنا على تحقيق هذه الفكرة، لأن المناخ الناعم لمدينة أصيلة لا يعاني فيه الناس بتاتا. لقد قمنا بعمل كبير في الحقيقة في هذا المجال، رغم أن ذلك قد لا يبدو كبيرا للعين. ويظهر ذلك في إعادة هيكلة وتأهيل المدينة، ولتعرف أن أصيلة حازت على جائزة «الأغاخان»، لتكون المدينة الوحيدة التي تحصل على هذه الجائزة في العمارة الإسلامية، جزاء للعمل الذي قمنا به لإعادة تأهيل المدينة من خلال ترميم أسوارها وإصلاحها. لقد حرصنا كل الحرص على مستوى المجلس البلدي أو على مستوى مؤسسة منتدى أصيلة أو حتى على مستوى النسيج الجمعوي، على أن تكون مدينة أصيلة مدينة نظيفة. وخذ هذا في عين الاعتبار لما تعرف أن عدد المقيمين بشكل إجمالي، في المدينة خلال فصل الصيف، يتراوح ما بين 150 و200 ألف شخص، فيما لا يتجاوز عددهم خلال باقي فصول الصيف 35 ألف نسمة. إن هذه العوامل تجعلنا نحس بأننا نقوم بعمل في مكان عظيم، ليس بالضرورة عملا كبيرا، لكنه مكان عظيم، من حيث بيئته ومناخه وظروفه المعيشية. صحيح أننا لم نتغلب على كافة الصعاب، إذ ما زالت لدينا أحياء صفيحية بأصيلة، ونحاول بالتنسيق مع وزارة الإسكان ووزارة الداخلية ومؤسسة العمران، التغلب على هذا المشكل، وللتذكير فإننا أنجزنا 400 شقة لإيواء قاطني هاته الدور، كما أننا في طور إنجاز شطر آخر يتكون من 400 شقة جديدة، ونقدم هذه الشقق إلى سكان الصفيح بأثمان تكاد تكون رمزية. وبجانب ذلك، بنينا مدارس جديدة، ولدينا مشروع لإنجاز ثانويتين وإعداديتين وسبع مدارس ابتدائية جديدة. ثم إننا أيضا انتهينا مما نعتبره عملا نموذجيا في المغرب، بحيث بنينا دار التضامن ودار العجزة للمعوزين تتوفر على 150 سريرا على مساحة 6000 متر مربع. كما نبني متحفا جديدا فضلا عن مكتبة الأمير بندر ومركز الحسن الثاني للملتقيات. وننجز في هذه الأثناء أيضا، محطة طرقية جديدة، وشرعنا في توسعة المستشفى. ومقابل ذلك، فإن المشاكل المرتبطة بالماء والكهرباء حلت بصفة نهائية، وباتت مدينة أصيلة تتوفر على ماء صالح للشرب بجودة عالية. ورصفنا أيضا 90 في المائة من طرق المدينة فيما 90 في المائة منها تتوفر على الإنارة العمومية. وفوق كل هذا وذاك، فإن مدينة أصيلة، فضاء آمن. * هذا يقودنا إلى الحديث عن دور موسم أصيلة في التنشيط السياحي وخلق الروجان التجاري لسكان المدينة. إلا أن مدينة تفتقر إلى بنيات استقبال كافية لمهرجان من هذا الحجم، يدفعنا إلى التساؤل إلى متى ستبقى مدن كطنجة، تستفيد من خلال بنيات استقبالها، من مهرجان أصيلة؟ - المستفيد الأول هم الأصيليون. لقد تعلم الناس الآن، بعدما شجعناهم في البداية، استضافة الوافدين على مدينة أصيلة في فصل الصيف. ولن تجد بالطبع، اليوم أي غرفة شاغرة بالمدينة. الناس باتوا يؤجرون منازلهم بكيفية طبيعية. لقد بات السكن نوعا من الضمان الاجتماعي للناس متوسطي الدخل أو لأولئك الذين لا دخل لهم من سكان أصيلة. ثم إن فصل الصيف يخلق حركة تجارية لا يمكن إنكارها، وتصور معي أن كل واحد من الوافدين على المدينة المقدر عددهم كما قلت سابقا ما بين 150 و 200 ألف شخص، ينفقون في الحد الأدنى، خمسين درهما للواحد منهم، وقم بالحساب. وخذ كذلك على سبيل المثال «السفنجي» الذي لا يعجن سوى 20 كيلوغراما من الطحين في اليوم خلال أيام السنة، فإذا به يعجن مأتي كيلوغرام من الطحين في الصيف، وهذا حال المخابز والمقاهي والمطاعم أيضا، كما هو شأن أصحاب سيارات الأجرة والحافلات. وإذا ألقيت نظرة على ساحة «سانغور» حيث رصيف المطاعم، فإن المرء سيشهد على الحركة التجارية التي تخلق في الصيف بأصيلة. لقد توسعت الحركة السياحية بالمدينة، وأصبحت سنوية. ويجب القول هنا أننا راهنا منذ البداية على السياحة الوطنية، لأن السائح المغربي المتوسط وفوق المتوسط والضعيف، يجد فضاء ملائما للعيش بحسب إمكاناته في أصيلة. وكنت دائما أراهن على السياحة الوطنية لأني أعتقد أننا نستثمر في هذه البلاد الشيء الكثير سيما في الماضي، على السائح الأجنبي، بينما نسينا المغاربة للأسف الشديد. وإذا رحت إلى ساحات أصيلة ومطاعمها ومقاهيها، فإنك ستشاهد «أولاد الشعب» بشكل كبير، لأن أصيلة مدينة مفتوحة على كل القدرات المادية، سواء تلك التي لدى الموظف أو المعلم أو للصحفي أو أي شخص مثلي ومثلك. وقد تعمدنا هذا منذ البداية، وشجعنا الناس على توفير سبل السياحة للمواطنين القادمين من فاس وسيدي قاسم ومكناس، ولذلك ستلحظ العدد الكبير مثلا، للمكناسيين هنا. كما من الملاحظ أيضا أن هنالك من الناس من بنوا لأنفسهم منازل هنا، ليس لمجرد الاصطياف، بل كبيت ثان، يقضون فيه العطل السنوية كلها والعطل الدينية. * ولكن هذا الزخم قد لا يكون موجدا في فصل الشتاء؟ - بالطبع، وانظر معي لكي أضعك في الصورة إلى باقي مناطق العالم، إذ ليس هنالك مدينة على الشاطئ تعيش بنفس الزخم طيلة العام، وحتى مدينة «ماربيا» الإسبانية مثلا لا تعيش ذلك، وكل من يفد إليها في الصيف يغادرها بعد انقضائه. ومن هنا، بطبيعة الحال، فإن عددا من المرافق في أصيلة تقفل أبوابها وتقل عدد من الخدمات، إلا أن الناس يعيشون في الشتاء بما يكسبونه في فصل الصيف. ومن جانب آخر، فإن هنالك توجهات استثمارية، للأسف الشديد، تتبع طريق التقليد، ولأن مراكش مكان معروف ومشهور، فإن الجميع يتخذ طريق مراكش. أنا ليس لدي مشكل مع هذا، اللهم زدهم. لكني أظن أنه علينا في المغرب، وضع مخطط للبنية السياحية مثلما فعلت فرنسا وإسبانيا، ونموذج ذلك، «كوسطا ديل سول»، بإسبانيا، إذ إن أغلب المقيمين بها إنجليز وإسكندنافيون. * لكن ألا يمكنك أن تستغل العلاقات التي تجمعك بأقطاب الخليج والبلدان العربية، بشكل إيجابي، لاستقطاب الاستثمار إلى مدينة أصيلة؟ - أنا لست رجل أعمال، وبكل صراحة، فإني لا أعرف الكثير من المستثمرين، كما أن أصدقائي ليسوا برجال مال، فأغلبهم من الفنانين والأدباء والمفكرين والشعراء، كما بينهم رجال دولة، ولكني لا أعرف أي مستثمر من النوع الذي تشير إليه. ولكني سأقول أيضا في هذا السياق، إننا كمجلس بلدي، نتعاون مع المركز الجهوي للاستثمار، من أجل استقطاب الاستثمارات، لكننا في الحقيقة نواجه مشاكل خارج نطاق ما يمكن أن تقوم به البلدية؛ إذ إن الدولة لها خياراتها، ولما أنجزت «المخطط الأزرق» على سبيل المثال، وهذا مشروع مهم، فإنه لم يشمل مدينة أصيلة. * طالما اقترنت أسماء بعض المدن المغربية بأسماء أدباء ومفكرين مغاربة وأجانب أقاموا فيها وكتبوا عنها، هل لمدينة أصيلة أسماؤها؟ - لدى أصيلة أسماؤها أيضا. فمدينتنا مرتبطة بالروائي السوداني الطيب صالح والشاعر العربي حيدر وتشيكايا أوتامسي ومحمود درويش ومحمد عزيز لحبابي ومحمد شكري نفسه. وحري بي أن أذكر في هذا الصدد، أن صديقي الدكتور إبراهيم العويس، يؤلف كتابا عن حياته، يتضمن فصلين عن مدينة أصيلة، لقد كان العويس ضيفا على مدينتنا لما يزيد عن ثلاثين عاما، فقضى فيها إذن، وقتا ليس بالهين. نحن في الحقيقة، لا نبحث عن الدعاية، ولكنها أمور تلقائية، ثم إن الظروف هي من تخلق الإنسان، والإنسان مرتبط دائما بالظروف. * لا يستقيم الحديث عن موسم أصيلة بدون ذكر اسم بنعيسى، ما يجعلنا نطرح سؤالا يراود الكثيرين، هل ستحتفظ أصيلة بموسمها بعد ذهاب بنعيسى؟ - الله أعلم. إني شخص متفائل، لأنني أعتقد بأننا حققنا لحد كبير جهودا لكي يورث هذا المهرجان وهيئنا من سيواصل هذا المسار. وخذ على سبيل المثال، أعضاء المجلس البلدي لأصيلة، فهم شباب ولدوا قبيل أول موسم للمدينة أو بعده بسنوات قليلة، وهم أطر فاعلون ويساهمون بجدية في تنظيم مواسم أصيلة في السنوات الأخيرة. وهذا الجيل هو من سيحمل بالتأكيد، المشعل، وهذا هو شأن مؤسسة منتدى أصيلة أيضا. فهذا كله إذن، يطمئنني حول مستقبل موسم أصيلة. كما أعتقد أننا هيكلنا المؤسسة بشكل يجعلها، على الأقل من الناحية القانونية، تسير قدما حتى بدوني. ومع ذلك، فإن الله وحده أعلم بما سيحدث. وأنتم تعرفون أن الدنيا كلها مرتبطة بالأشخاص شئنا أم أبينا. كما هو صحيح أيضا أن المؤسسات تقام حتى لا تبقى الأمور مقترنة بالأشخاص، لكن القيادات مهمة كما في السياسة والبيت. لحدود اليوم، فإني، أعطي بقدر ما أستطيع، وأعتقد أن لدي قوة كبيرة ليس في الجسم، لبذل المزيد من العطاء. ثم إنه يجب أن أقول بأنه ليست لدي مصالح في أصيلة، فليست لي تجزئات سكنية ولا زراعة ولا بنايات. إني أعيش برفقة أسرتي في أصيلة، ولم أتوجه يوما إلى الاستثمار، وبالتالي، فإني أحس بالراحة؛ لا أدين لأحد، ولا أحد مدين لي بشيء. وأقضي وقتي هنا بمعية رفاقي في الدراسة الابتدائية وبينهم الصياد والخراز، نتسامر في المقهى ونأكل «الكاوكاو». هذه راحة كبيرة، وأنا أشعر باطمئنان كبير، وهذا ما يساعدنا على كسب عطف الناس وثقتهم.