بين حيي الأحباس والبلدية بالدار البيضاء، تمتد قنطرة من الإسمنت والحديد الفرنسي، تعبر فوقها العربات بجميع أنواعها، تتحول إلى سوق متحرك، محلاته من خشب وبلاستيك وبضع أثواب، تندمج هاته المكونات مع بعضها البعض لتحمي «الأقمصة» حر الشمس وتبقيها في بياض تام. ورشيد بائع «بسوق محلي»، يتشارك ورفاقه حيزا على امتداد القنطرة، يغسل وجهه عند التاسعة صباحا، ويشرع في نقل بضاعته من منزله نحو السوق، يهيئ أجود السلع فوق طاولاته الخشبية ويظل قرب منتجاته عاكفا بانتظار الزبناء. عقارب الساعة تتحرك نحو منتصف النهار، «سوق البوصطا» يحرك شهر رمضان في المنطقة، راجلون، سيارات، وعربات يدوية، الكل يشترك المرور فوق القنطرة المؤدية للمسجد المحمدي بالأحباس. بعيدا عن القنطرة بأمتار قليلة، وبالضبط بحي الأحباس، حيث المحلات التجارية - المتخصصة في بيع «البلغة الزيوانية» و»الجلباب المخزني» و»الأقمصة» المختلفة أنواعها- ترفع الأثمان لتلامس سماء الخيال، فجمالية المحلات بزجاجها الأنيق، وطيب رائحة «عود القماري» يدفع الزبناء للاسترجال نحو سوق الأحباس. بحلول رمضان، يقبل المغاربة على شراء الملابس التقليدية، لما في ذلك من أصالة وتشبث بعادات الأجداد، الأمر الذي يخلق رواجا لدى تجار هذا النوع من الملابس. غير أن نصيب تجار السوق الموسمي من الزبناء يبدو أوفر من محلات الاحباس، فالزبون يجد ضالته في الثمن المنخفض والسعر المناسب، الأمر الذي يمكن تجار «سوق البوصطا» من استقطاب زبناء من مختلف الشرائح الاجتماعية. يتشارك تجار الأحباس و«البوصطا» بيع الملابس التقليدية نفسها، بدأ بأجود المنتجات، والحوانيت تدفع الضرائب الموسمية وفواتير الكهرباء، أما منصات «البوصطا» فلا تدفع شيئا عن ربحها. وعند مغيب الشمس تنار محلات السوق الموسمي، بكهرباء البيوت المجاورة، فصاحب كل محل يتفق مع إحدى البيوت المجاورة كي تمده بالكهرباء مقابل تأديته ثمن الفاتورة عند نهاية رمضان. الشمس بدأت تنسج خيوط الغروب، ضجيج الظهر يقابل بصمت المغرب، تجار السوق الموسمي يتبادلون ما جد وطاب من مأكولات، يجتمعون حول موائد الإفطار كأفراد العائلة ويستمتعون بمشاهدة السلسلات الفكاهية المغربية. يأخذون برهة راحة ا استعداد للمساء. بعد صلاة العشاء والتراويح، «سوق البوصطا» ينتعش بحركة الزبناء من جديد، زوار من مختلف الأنواع يقصدون محلاته لاقتناء ملابس تقليدية تناسبهم شكلا وثمنا. عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ليلا، ورشيد أنهى عمل يوم شاق، يجمع سلعته في أكياس من الحجم الكبير، يضعها في عربة يدوية ويمضي نحو إفراغها بمنزله للخلود للنوم.