في الفترة الأخيرة قدم لنا حقلنا النقابي والجمعوي بعض المؤشرات التي تستدعي التأمل وصراحة الكلام دفاعا عن مركزياتنا النقابية الحقيقية، وحماية لديناميتنا الجمعوية المتميزة. لن نعيد تفاصيل المؤشرات هنا، ولن نستعرض كل الوقائع التي جسدتها المواقف والتظاهرات والتصريحات في كثير من المحطات، وإنما نريد أن ندعو تفكيرنا الجماعي إلى التأمل في واقعنا النقابي والجمعوي، وخصوصا الحقوقي منه، وعلاقة المواقف والتحركات المتخذة على هذا الصعيد بالعامل السياسي أو على الأصح بالاصطفاف الحزبي، وما إن كانت هذه الخلطة في صالح العمل النقابي والعمل الحقوقي أم أنها مناقضة لهما، ولن تزيد إلا في إضعافهما مستقبلا. ليس مفهوما مثلا أن تكون لقياديين نقابيين مواقف مساندة للعمل الحكومي عندما يكونون داخل تنظيمهم الحزبي المشارك في تحالف الأغلبية، وعندما يغادرون مقر الحزب، ويلبسون المعطف النقابي يتحولون إلى معارضين ومنظمي إضرابات واحتجاجات واعتصامات ومطلقي كبير الكلام. ليس مفهوما أيضا أن يتحدث الكثيرون في البرلمان وخارجه عن/المقاربة التشاركية/، وعندما يقام الحوار، إما يتم اللجوء إلى الانسحاب أو يرفع شعار المقاطعة من البداية، وقد تكرر السلوك في أكثر من مرة، حتى عندما يكون الوزير يود إقامة تعارف أولي مع مركزية نقابية مباشرة بعد تنصيبه. ليس مفهوما كذلك أن لا يكون للتقارب بين نقابتين سوى معنى واحد هو تصعيد الاحتجاج، عوض أن يتأسس التقارب على تجاوز ما فرق النقابتين بالأمس، وما جعلهما إلى وقت قريب يتبادلان القصف والدسائس بينهما. ليس مفهوما أن تقام ندوة مع وسائل الإعلام من طرف منظمة حقوقية وطنية، ويكون غالب الكلام مثلا يستهدف مرور رئيس الحكومة عبر القنوات التلفزيونية وما شابه، أو أن يفسح التعبير لتقييمات سياسية وحزبية واضحة، ويكون السؤال الحقوقي في مؤجل الحديث. ليس المهم أن نتبنى مواقف من هذه الاستفهامات، إنما الأساس أن يتجرأ الجميع على مساءلة الذات والوقائع التي تتحرك أمامنا، ونفكر في مثل هذه المشكلات بما يخدم مستقبل ممارستنا الديمقراطية الوطنية. بلادنا كما هي في حاجة إلى أحزاب جادة وقوية وموحدة ومستقلة القرار، هي أيضا في حاجة إلى مركزيات نقابية مستقلة فعلا لا كلاما، والى جمعيات حقوقية ونسائية وثقافية واجتماعية لا تكون ملحقات بئيسة لتصريف مواقف حزبية، أو لتتحول هي ذاتها إلى أحزاب بدل أن تطور عملها المدني في مجالات نشاطها، وتسهر على تأطير شعبنا في هذه الميادين بكل استقلالية وانفتاح، وتحرص على تطوير دينامية الانخراط الشعبي والمجتمعي في قضايا الشأن العام، وذلك من مواقعها هي، وليس بلسان قوى أخرى. نحن في حاجة حقا إلى العقل في تحديد المواقع، وفي قول الحقيقة، وفي تقييم المواقف والمسلكيات، وذلك انتصارا لبلادنا ولمستقبلها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته