دعت شخصيات سياسية ودبلوماسية من شمال وجنوب المتوسط إلى بناء فضاء أورومتوسطي على أساس نظام قيمي جديد تمليه التحديات المشتركة التي تواجه شعوب ونخب المنطقة. أزمة اقتصادية ومالية خانقة في شمال الحوض، تحولات سياسية جذرية في الجنوب، ومصير مشترك يفرض بلورة نظام قيم جديد قوامه الحوار والتضامن والالتفاف حول مشاريع الديموقراطية والتنمية. تعددت زوايا الرؤية والمقاربة، لكنها توحدت عند هذه الخانة من الأهداف في إطار ندوة «المياه المتحركة للمتوسط: أزمة في الشمال وحراك في الجنوب» التي افتتحت أمس سلسلة لقاءات موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته 34. المتوسط هو الامتداد الطبيعي لأوروبا ومن مصلحتها التأسيس لتحالف سياسي واقتصادي وثقافي في المنطقة، حسب رئيس الوزراء الاسباني السابق خوسي لويس ثاباتيرو، الذي يراهن على نجاح المسلسل الديموقراطي في تجاوز كل المشاكل القائمة. ويرى ثاباتيرو أن تجاوز أوروبا لأزمتها الاقتصادية وتوسيع نطاق النموذج الديموقراطي جنوب المتوسط سيعزز فرص إرساء فضاء أورومتوسطي قوي، من شأنه الدفع ببناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. في هذا السياق، يوصي وزير الخارجية الإيطالي السابق فرانكو فراتيني بتعبئة دعم أوروبي أكبر لمسلسلات الانتقال الديموقراطي بالمنطقة وأيضا لمسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها. وأقر فراتيني، الذي ترأس بلاده مجموعة خمسة زائد خمسة، بأن الآليات والموارد المرصودة لدعم الجنوب غير كافية، مطالبا المؤسسات والقوى الأوروبية بفتح أسواق القارة العجوز أمام المنتجات الوافدة من الجنوب، وتسهيل الهجرة المنظمة والنهوض بالقطاع الخاص. هو مشروع ضخم وبنيوي يستلزم، حسب محمد بنعيسى، أمين عام منتدى أصيلة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأسبق، إجراء «مراجعة نقدية للسياسات والبرامج وكذلك الأسس النظرية التي يرتكز عليها أسلوب تعاطينا مع إشكاليات الديمقراطية والتنمية التي تواجه بلدان الضفتين.» وشدد بنعيسى على أن الأوضاع عالية الضغط في بعض دول المنطقة «تدعو الشعوب المتوسطية إلى الشراكة الجماعية عوض الانكفاء على الذات». ويستدعي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الحبيب بنيحيى، تاريخا مشتركا طويلا ليؤكد أن استيعاب دروس هذا التاريخ ضروري لبناء فضاء للسلام والتنمية على أساس الفهم المتبادل، في منطقة اضطلعت عبر الحقب بدور قيادي في النظام العالمي. وعلى مستوى جنوب المتوسط، أعرب بنيحيى عن تفاؤله بمستقبل الدينامية الجارية لتحريك آليات عمل الاتحاد المغاربي، والتي وصفها بأنها «جدية وذات مصداقية» أكثر من أي وقت مضى. وتعد ندوة «المياه المتحركة للمتوسط» واحدة من اللحظات القوية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الذي يستضيف اتحاد المغرب العربي كضيف شرف، من خلال عدة لقاءات تتناول واقع ومستقبل هذا الفضاء، سياسيا واقتصاديا وثقافيا.