يواصل منتدى أصيلة الذي افتتحت دورته 34 ٬ مساء يوم أمس الجمعة٬ مغامرة طرح الأسئلة الأكثر إلحاحا وراهنية في مجالات فكرية وثقافية واستراتيجية تهم اتجاهات العلاقات الدولية وتحولات النظام الإقليمي وقضايا الثقافة العربية وبنية المبادلات بين الشمال والجنوب. لا تخرج الدورة الحالية عن هذا التقليد الذي جعل من أصيلة مركز إشعاع فكري وثقافي ومختبرا لإطلاق الأفكار المجددة والمقاربات الخلاقة تجاه بؤر الاستعصاء ومكامن الخلل وإمكانيات التغيير والفعل الإيجابي في الواقع المغاربي والقاري والعربي والأورومتوسطي والدولي. غير أن المنتدى وجد نفسه مدعوا بوجه خاص٬ لفتح أبواب مشرعة على العواصف والتقلبات السياسية التي وسمت ما سمي ب «الربيع الديمقراطي» بانعكاساته الفكرية والثقافية وتداعياته على بنية العلاقات الاقليمية والدولية. ومما يزكي اختيارات المنتدى إشعاعه الممتد وانفتاحه الثابت على أصوات متعددة الجنسيات والمشارب٬ من باحثين مرموقين وصناع قرار مؤثرين. هكذا سيجد الحراك الذي تعرفه منذ أزيد من عام العديد من بلدان جنوب المتوسط صدى له في ندوة هامة تفتتح فعاليات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية بعنوان «مياه المتوسط المتحركة: أزمة الشمال وحراك الجنوب». لقاء يسلط الضوء على آفاق العلاقات الأورومتوسطية ومستقبل الاتحاد من أجل المتوسط٬ في زمن الحراكات الجنوبية التي هي بصدد افراز خرائط سياسية جديدة. وتستند أرضية الندوة إلى التطورات الهامة التي تطال الأمن والاستقرار في ضفتي المتوسط٬ إذ «تشهد بعض دول الضفة الشمالية تقلبات مالية واقتصادية ذات انعكاسات مباشرة على سوق الشغل والطاقة الإنتاجية والأمن والاستقرار الاجتماعي٬ بينما تواجه دول أخرى في الضفة الجنوبية٬ حراكا سياسيا ومجتمعيا٬ ساهم في تغيير بعض أنظمة الحكم بها٬ مما كان له أكبر الأثر على الأمن والاستقرار وحركية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة». وإذ يطرح الحراك السياسي في المنطقة العربية بإلحاح شديد قضية الديموقراطية ومداخلها ومعوقاتها٬ فإن التفكير في أوضاع المرأة ضمن هذه الدينامية الجديدة التي تعرف تقاطبا حادا بين تيارات المحافظة والتجديد٬ بأشكالها المختلفة٬ يكتسي وجاهة بارزة. وفي هذا السياق٬ تتناول ندوة «المرأة والديمقراطية في العالم العربي» أشكال حضور المرأة العربية في خضم التحولات التي تعرفها كثير من الدول العربية٬ وانعكاسات «الربيع العربي» على وضعها وموقعها في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما يناقش اللقاء٬ الذي تنشطه قيادات نسائية متعددة القطاعات٬ دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بخصوص إشراك المرأة في العمل الديمقراطي ومشاريع التنمية التي تقرها الحكومات في هذه الدول. أبعد من التحولات السياسية لهذا الربيع وانعكاساته الاجتماعية المنظورة والملموسة٬ تفتح أصيلة٬ وفاء لحساسيتها الجمالية والفنية٬ نافذة على التحولات التي يشهدها الحقل الإبداعي تمثلا وتأملا في التحولات الجارية. يستضيف الموسم٬ بهذه الرؤية٬ فنانين وباحثين مغاربيين في محاولة «إصغاء للإشارات والإيماءات التي يخترعها المبدعون لوصف الفترة التي نعيشها والتي يتحدثون عن التحركات الحالية التي تميزها ويستبقون حدوثها». ولا يحجب الأفق العربي والدولي لفعاليات المنتدى انشغاله الخاص بسؤال البناء المغاربي في ظل اتساع حجم الانتظارات والتطلعات لدى الجماهير والنخب بهذه البلدان الساعية إلى مصالحة مع ذاكرتها الوحدوية الاندماجية. وعلى هذا الصعيد٬ يرى المنظمون أنه بات ضروريا٬ من وجهة نظر فكرية بحتة٬ التساؤل عن دور النخب المغاربية وكيفية اشتغالها وتعاطيها مع التوجه الهادف إلى التكامل النافع لكل مكونات الاتحاد٬ على الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية والإستراتيجية. في هذا الإطار٬ تسعى ندوة «دور النخب في أفق بناء الاتحاد المغاربي»٬ إلى وضع اليد أو السؤال عن مساهمة النخب في دفع ومواكبة هذا المسار السياسي الذي مضى منذ انبثاقه ما يقرب من ثلاثة عقود» على أمل فتح أبواب المشروع المغاربي على مصراعيها٬ في أجواء نقاش فكري تفاعلي٬ تعددي وموضوعي يسمو فوق العوائق العارضة. وعلى هامش هذه المختبرات الفكرية الدسمة٬ يواصل منتدى أصيلة الاحتفاء بالتجارب الفنية المجددة مقترحا ورشات في الفنون الجميلة للمحترفين والأطفال٬ وعروضا في الموسيقى وفعاليات ذات طابع اجتماعي٬ تتضافر جميعا لتجعل من العطاء الفكري والإبداع الفني «هوية مدينة».