تحديات كبرى لتقوية ضمانات حقوق الإنسان وإعمال آليات العدالة الانتقالية أوصى المشاركون في الندوة الإقليمية حول موضوع «الوقاية من التعذيب في سياق الانتقالات الديمقراطية بشمال إفريقيا»، التي اختتمت أشغالها، نهاية الأسبوع المنصرم، بضرورة اعتماد عدالة انتقالية كمرحلة ضرورية للمصالحة مع الماضي مع ضمان عدم تكرار ماضي انتهاكات حقوق الإنسان. وأكد المشاركون على ضرورة التنصيص في الدستور على أهم مبادئ حقوق الإنسان وكذا منع وتجريم أي شكل من أشكال التعذيب (الجسدي والنفسي)، داعين إلى اعتماد إجراءات وتدابير قانونية وخاصة على مستوى المسطرة الجنائية والإجراءات الجزائية من أجل تفعيل مناسب للتجريم وإنزال العقوبة بالفاعلين والمشاركين وإحداث آلية وطنية لتتبع ومراقبة ومناهضة التعذيب عبر أعضاء مؤهلين ومستقلين. وكان المندوب الوزاري لحقوق الإنسان محجوب الهيبة،أكد السبت الماضي بالرباط، أن التحولات السياسية والانتقالات الديمقراطية التي تعرفها بلدان شمال إفريقيا، قد طرحت تحديات كبرى بخصوص تقوية ضمانات حقوق الإنسان والنهوض بها وإعمال آليات العدالة الانتقالية. وأوضح محجوب الهيبة في كلمة افتتح بها أشغال ندوة إقليمية حول موضوع « الوقاية من التعذيب في سياق الانتقالات الديمقراطية بشمال إفريقيا»، أن هذه التحديات المطروحة على مختلف الفاعلين والمعنيين من حكومات ومؤسسات وطنية ومجتمع مدني، تهم تقوية ضمانات حقوق الإنسان والنهوض بها من خلال إعمال آليات العدالة الانتقالية التي تتيح إمكانات العمل في اتجاهين متناسقين. وأبرز في هذا السياق أن الأمر يتعلق بالعمل من أجل ضمان المصالحة الوطنية كهدف استراتيجي للأطراف المعنية وذلك بمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، مع وضع ضمانات بعدم تكرار تلك الانتهاكات وخاصة منها التعذيب. وأشار الهيبة إلى هذه التظاهرة الإقليمية، التي تنظمها المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان بشراكة مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان وجمعية الوقاية من التعذيب، تشكل مناسبة لتعميق التفكير وتجديد النقاش التفاعلي بين الأطراف المعنية وتبادل التجارب والممارسات الفضلى في مجال الوقاية من التعذيب. وأوضح المندوب الوزاري أن القيمة المضافة لهذه الندوة تتمثل في كونها تحمل في طياتها طابع الخبرة والتجربة والحوار للتعريف بالآليات والمداخل الممكنة لتعزيزالإصلاحات الكفيلة بالوقاية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بشكل عام، والتعذيب على وجه الخصوص، مع التركيز على الآليات الدولية ذات الصلة ودعم التزام الدول المعنية بها وبالإصلاحات المؤسساتية المتعلقة بملائمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية. واستعرض الهيبة، بالمناسبة، تجربة المملكة المغربية في مجال العدالة الانتقالية التي انخرط فيها المغرب منذ نهاية التسعينيات والتي توجت بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة كمبادرة شجاعة لقراءة صفحة الماضي واستخلاص العبر من أجل توطيد البناء الديمقراطي لدولة الحق والقانون. وأشار المندوب الوزاري إلى أن هذه التجربة تميزت باعتماد مقاربة تشاركية مكنت من تقييم وضعية ممارسة حقوق الإنسان في الماضي، قبل أن تقدم تقريرا تضمن العديد من التوصيات والاقتراحات الرامية إلى نهج إصلاحات مؤسساتية وتشريعية لضمان عدم تكرار ما جرى. ومن جهة أخرى، شدد المندوب الوزاري لحقوق الإنسان على أن دينامية الإصلاحات والأوراش الكبرى التي تعرفها المملكة بفضل المشروع المجتمعي الحداثي الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، القائم على توطيد دعائم دولة الحق والقانون، مكنت من مواصلة تأهيل المنظومة المؤسساتية الكفيلة بتعزيز وترسيخ مبادئ وقيم حقوق الإنسان، واعتماد قواعد وآليات الحكامة الجيدة. وأوضح في هذا الصدد أن أهم مرتكزات محاور هذا الإصلاح المتدرج، قد انصبت على إحداث وإنشاء عدة مؤسسات وآليات لحقوق الإنسان والحكامة الجيدة. وأضاف أن الخطاب الملكي السامي ل9 مارس 2011 شكل لحظة مفصلية ضمن مسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب، إذ رسم محددات ومرتكزات الإصلاح المؤسسي العميق والشامل من خلال الإعلان عن مراجعة دستورية. وأشار في هذا السياق إلى أن الدستور الجديد الذي تم اعتماده عبر استفتاء حر ونزيه ووفقا لمنهجية تشاورية قد أعاد التأكيد على تشبث المملكة بقيم ومبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا وذلك بتكريسه لسمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية ومنع جميع أشكال التمييز وتجريم التعذيب وكل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان). ومن جهته، نوه إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعلاقة النموذجية التي تربط المغرب بجمعية الوقاية من التعذيب والتي تجسدت على أرض الواقع من خلال تنظيمهما المشترك لورشة عمل حول إعمال البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب في فبراير 2009 ومؤتمر رفيع المستوى حول دور المؤسسات الوطنية في الوقاية من التعذيب بإفريقيا في شتنبر2011. وأشار إلى أن المملكة شهدت خلال الفترة الفاصلة بين هذين اللقاءين تطورا ملحوظا في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، مشيرا، في هذا السياق إلى المصادقة على الدستور الجديد الذي يعد ميثاقا حقيقيا للحقوق والحريات. وأبرز اليزمي في هذا الصدد الثراء الكبير الذي ميز المشهد المؤسساتي الوطني في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، حيث نص القانون الأسمى على دستورية عدد من آليات حماية حقوق الإنسان من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط والحكامة الجيدة والتقنين مثل الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة أو السهر على استقلالية العدالة كالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما أشار إلى أن الدستور الجديد منح المجلس الوطني لحقوق الإنسان صلاحيات واسعة وعمل على تعزيز استقلاليته وسلطاته، حيث أضحى يضطلع بدور محوري في مجال التحكيم من خلال تلقي الشكايات الخاصة بخروقات حقوق الإنسان وبحثها. وشدد مارك طومسون الكاتب العام لجمعية الوقاية من التعذيب وفرج فنيش رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، من جهتهما، على أهمية وجودة تعاون هاتين المؤسستين مع المملكة المغربية من أجل توطيد حقوق الإنسان، منوهين في هذا السياق بالتطورات المهمة التي قطعها المغرب في هذا المجال. وتسعى الندوة الإقليمية إلى مواكبة الإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية التي انخرطت فيها دول شمال إفريقيا من خلال توفير إطار لتبادل وتقاسم التجارب المقارنة والوقوف عند الممارسات الفضلى ذات الصلة بالموضوع، مع التركيز على إمكانيات تقوية وتدعيم الإصلاحات للوقاية من وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب، مع توجيه اهتمام خاص إلى الآليات الدولية المتعلقة بمنع التعذيب والوقاية منه. كما تروم تحسين ترجمة المعايير الدولية الخاصة بهذا المجال إلى سياسات وطنية ملموسة للوقاية من التعذيب بهدف دعم التزام الدول بالإصلاحات المؤسساتية اللازمة للوقاية من التعذيب، بما في ذلك ملائمة تشريعاتها الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان في المجال. ومن جهة أخرى، يتطلع المنظمون من خلال برنامج هذه الورشة الإقليمية إلى تحسين التعاون بين دول شمال إفريقيا ومنظمات وهيئات الأممالمتحدة ولاسيما مع لجنة مناهضة التعذيب والهيئات المنبثقة عن البروتوكول الاختياري والمقرر الخاص المعني بالتعذيب والمقرر الخاص المعني بالحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم تكرار الانتهاكات وتشجيع زيادة الالتزام بالبروتوكول الاختياري والتصديق عليه وتنفيذه. وشارك في هذا اللقاء الدولي ممثلون عن الهيئات الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا ومصر، وخبراء هيئات وآليات الأممالمتحدة وخبراء ، وممثلون عن جمعيات ومنظمات غير حكومية دولية متخصصة في حقوق الانسان ولاسيما الوقاية من التعذيب، إلى جانب باحثين وأكاديميين مرموقين. وتضمن برنامج عمل الندوة الإقليمية، التي نظمت على مدى يومين، ثلاث جلسات عمل تتمحور حول « معالجة الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الماضي عبر آليات العدالة الانتقالية» و»الإصلاحات الدستورية والتشريعية» و»الوقاية من التعذيب بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والآليات الوطنية».