الكلام اليوم عن (حرية الصحافة في المغرب)، ألا يستحق فعلا حوارا صريحا على الأقل بين المهنيين؟ ماذا نقصد بالمفهوم؟ وكيف تتم ممارسته تحت سمائنا الطيبة هذه؟ ومن جهة أخرى، هل يمكن بناء ديمقراطية من دون أحزاب؟ طبعا، سيكون الجواب من باب (السماء فوقنا)، والكلام ليس فيه جديد. كل هذا متفق عليه، لكن الممارسة وما ينشر في العديد من صحفنا خصوصا تجاه حياتنا السياسية ومشهدنا الحزبي يفرض فعلا نقاشا صريحا وسط كل المدافعين عن الديمقراطية. إن إثارة الموضوع هنا لا تحمل أي رغبة في التلاسن أو (تقطار الشمع) مع أحد،إنما القصد إدراج مثل هذا النقاش بكل جدية في الانشغال الوطني بقضايا إصلاح وتأهيل الإعلام. المتابعة الصحفية الرائجة في بعض الصحف اليوم لحياتنا السياسية والحزبية تطرح كثير أسئلة بشأن المحتوى والأسلوب وعلى صعيد احترام أخلاقيات المهنة، وهذا ربما قد نعثر له على تفسير في ضعف الحصول على المعلومة من مصادرها الحقيقية، وفي ميل بنياننا الحزبي نحو الانغلاق والتقليدانية، وأيضا في ما تعانيه منظومتنا السياسية والانتخابية من تجليات تخلف وفساد، لكن هل هذا كاف لتكون صحافتنا (السياسية) على هذا المستوى من الفقر في المعرفة وفي تحليل الوقائع وعرض الأحداث؟ ثم هل كل هذا يجري بالصدفة؟ أم هناك من يحرك الممثلين من وراء ستار؟ ففي الوقت الذي تعاني السياسة من ابتعاد الكثيرين، وتعاني العمليات الانتخابية من العزوف، ويعاني المشهد الحزبي من الكثير من الاختلالات ومن عودة ممارسات مغرقة في تخلف الماضي، هنا تنظم صحف معروفة ، بوعي أو بدونه ، لا يهم، إلى الطابور ذاته. هل ستتحول بعض صحافتنا إذن إلى خصم للسياسة ولمسلسل تعزيز الديمقراطية؟ولمصلحة من يجري كل هذا؟ إن المغرب اليوم محكوم عليه بالمضي في مسلسل تكريس اختياره الديمقراطي الحداثي، وهذا لا يستقيم من دون ممارسة سياسية وانتخابية سليمة وواضحة، وبالتالي من دون أحزاب قوية ومستقلة، كما أن الديمقراطية لا معنى لها من دون صحافة حرة ومهنية وتصدر عن مقاولات حقيقية ومهيكلة وتحترم القانون. اليوم بعض صحفنا المعروفة تلفها كثير أسئلة حول نشأتها وحول مصادر تمويلها، وحول (حمايتها) من لدن أطراف لا يراها أحد في ساحة التنافس الواضحة. هذا الكلام ليس فيه أي دعوة لمنع نقد السياسيين والأحزاب، كما قد يفهم بعض قصيري النظر، إنما هو دعوة للتأمل في علاقة صحافتنا بالتطلع الديمقراطي للمغرب. السؤال يستحق فعلا التأمل والنقاش من لدن كل المدافعين عن الديمقراطية في البلاد.