برغم بعض السجال الذي جرى لدى لقاء وزير الشؤون الخارجية والتعاون مع أعضاء لجنة الخارجية بمجلس النواب، وتباين نبرات الكلام، فإن تدخلات مختلف الفرق النيابية، بالإضافة إلى بلاغات الأحزاب الوطنية وتصريحات قادتها، قد كشفت جميعها عن استمرار الإجماع الوطني حول عدالة الموقف المغربي من النزاع المفتعل بشأن وحدته الترابية. إن هذا هو عنصر قوة موقف المملكة دائما، ومن ثم وجبت حمايته، والعمل الجماعي من أجل تمتين الجبهة الداخلية التي شكلت، عبر التاريخ، الصخرة التي تتحطم عليها كل هجومات ومناورات الخصوم. ويجدر اليوم التذكير بكون الإجماع الوطني المشار إليه لم يكن شيئا فجا أو بسيطا، ولا كان مصطنعا أو تملقيا، وإنما جسد حقيقة شعور المغاربة كلهم، وواهم من يعتقد عكس هذا، فضلا على أن تبلور هذا الإجماع في منتصف السبعينيات، هو الذي كان وراء التأسيس لدينامية ديمقراطية جديدة في بلادنا، أو ما عرف في الأدبيات بالمسلسل الديمقراطي، كما أنه بفضل هذا الالتفاف الشعبي والحزبي راكم المغرب العديد من المكاسب والانتصارات، وهو الالتفاف المسنود جدليا ببسالة القوات المسلحة الملكية على الأرض، ونجاحها في تقوية الحضور الميداني، وتعزيز السلم والأمن في الأقاليم الجنوبية. هذا التذكير يحيل اليوم على الحاجة إلى تمتين جبهتنا الداخلية، وذلك بالإصرار على مواصلة الإصلاحات الكبرى في البلاد، وعلى التعبئة لكسب رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقدم والتحديث، بالإضافة إلى ضرورة الإقدام على خطوات أساسية في المناطق الجنوبية، على صعيد الحريات والحوار السياسي مع الشباب، ومع عموم الساكنة، ومن خلال تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والتنموية المعبر عنها هناك. وفي السياق نفسه، فإن تقوية الجبهة الداخلية تمر أيضا عبر جعل الأحزاب الجدية والبرلمان والنقابات والمنظمات المهنية والمدنية ووسائل الإعلام أطرافا فاعلة في الديبلوماسية المغربية، من حيث الإشراك في التفكير وفي بلورة المواقف والخطط والاستراتيجيات وفي التنفيذ والمتابعة. يمتلك المغرب إذن أوراق قوته مجسدة في الإجماع الوطني، وفي حضوره الميداني، وفي مصداقية مقترحاته للحل وتصوراته للمستقبل، فضلا على أن التحديات الجيو إستراتيجية المطروحة اليوم على المنطقة، والتحولات التي عاشتها الكثير من بلدان الجوار، تجعل المملكة في موقع قوة تجاه المجتمع الدولي، كي تطالبه بتكثيف عمله من أجل حل سياسي نهائي ومتوافق عليه للنزاع المفتعل في الصحراء، ومن ثم الانطلاق لتفعيل العمل المغاربي المشترك من أجل التنمية والاستقرار والأمن في المنطقة وفي العالم. وإن جمود الطرف الآخر، والمآلات السياسية التي تسير نحوها الجزائر بعد التشريعيات الأخيرة، كلها مؤشرات تنبه إلى أهمية التمسك بمتانة الجبهة الداخلية، وبقوة الحضور المغربي على الأرض، مع ضرورة تقوية ومواصلة المنجز الديمقراطي والتنموي لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية، وبوجود هذه الشروط الثلاثة، وبالاستمرار في ترسيخها كأوراق قوة، لن يخشى المغرب من أحد، ولن تربكه أية مزايدات مهما كان الطرف الصادرة عنه.