سأطرح في هذا المقال ثلاثة ملفات، الأول يتعلق بالدستور الجديد وعلاقته بمغاربة العالم، الثاني يتعلق بالممارسات السياسية تجاه الجالية، أما الثالث، فسأتحدث فيه عن وثيقة الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوربي سنة 2008، حيث سأقتصر فيها على التطرق لحقوق الجالية المغربية بالخارج في قطاعي الثقافة والنقل. لقد نص الدستور الجديد على حقوق الجالية المغربية بالخارج، من خلال الفصول 16، 17، 18 و30 مما يعتبر تقدما مهما، ومكسبا أساسيا ليس فقط للجالية بل وللدولة المغربية في تعاملها مع مغاربة العالم، بل وحتى مع وثيقة الشراكة مع الاتحاد الأوربي. فلقد أعلن المفوض الأوربي لشؤون التوسيع وسياسة الجوار، السيد ستيفان فول يوم الاثنين 23 أبريل الماضي بلكسمبورغ، بأن الشراكة مع المغرب ‘'تكتسي قيمة أساسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي»، وذلك منذ منح الوضع المتقدم للمغرب في شهر أكتوبر2008، نظرا للدور الذي يضطلع به المغرب ليس فقط في المنطقة المغاربية وفي القارة الإفريقية، ولكن أيضا في المنطقة المتوسطية. ونرى حرص الاتحاد على التوقيع على مخطط عمل جديد للجوار للفترة الممتدة ما بين 2012-2016. وأقترح، أن ينكب البرلمان المغربي من جهة، وأوساط الجالية من جهة أخرى، بشكل منفتح وشمولي وجماعي وتشاركي على مناقشة مسألة المواطنة الحقيقية، والحقوق الاقتصادية والسياسية للمواطنين بالخارج، وأن تتحمل الدولة والأحزاب المسؤولية في تنزيل كل أبعاد هذه المواطنة قبل نهاية سنة 2012. فالفصل 16 نص على صيانة الهوية الوطنية والدفاع عنها، الشيء الذي شكل مطلبا أساسيا للجالية. فترجمة هذه الركيزة القانونية في الواقع أصبح أمرا مطروحا وكذا سن سياسات عمومية تضع حدا لحالة اللاانسجام واللاتناغم التي تتسم بها مجمل المؤسسات متعددة الأطراف، كمجلس الجالية المغربية بالخارج، والوزارة المكلفة بالجالية المغربية، ووزارة الخارجية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. فنحن اليوم أمام متطلبات الجيل الرابع المزداد بأوربا أو غيرها من البلدان، المحروم حتى من تظاهرات ثقافية ببلده الأصلي، عندما يحل به. فهناك ضمانة قانونية، تكمن في الفصل 18 لتعميم حضور الجالية في الشأن الوطني كقوة فعلية ولضمان أوسع لمشاركة مغاربة العالم في المؤسسات الاستشارية وهيئات الحكامة الجيدة، التي توجد بالدستور أو القانون. فالجالية تقترح حل مجلس الهجرة وتنظيم انتخابات لأعضائه كخطوة أولية في الحكامة. فقد استفاد هذا المجلس من 45 مليون درهم في 2008، ثم 49 مليون درهم في 2009 وأضيفت له منحة 19 مليون درهم بالإضافة إلى ميزانيتي 2011 و2012. ولم يقدم هذا المجلس أي خارطة طريق لتدبير عقلاني وشمولي لملف الجالية، بل ولم يبلور أي رأي استشاري في منهجية اشتغاله، زيادة على الغياب الحاصل في مواكبته للملفات الإستراتيجية للجالية. فسؤال المنهجية والحكامة يطرح نفسه بالنسبة لوكالات التنمية كذلك، بحيث يجب حلها وإنشاء مجلس منتخب من أجل التنمية وتترأسه الجالية وسآخذ وكالة الجهة الشرقية كنموذج لتوضيح هذه الفكرة. فبصفتها منشطة للتنمية الجهوية، تتدخل وكالة الجهة الشرقية، بالإضافة إلى مهامها، في مستويات عديدة وقطاعات مختلفة، لدعم الفاعلين الترابيين. فالوكالة تساهم في انفتاح الجهة على محيطها الأورو–متوسطي، وتنمية التنافسية الترابية (بما في ذلك البوادي)، محاربة الفقر والتهميش الاجتماعي، تطوير البنية الاقتصادية والمالية، الرفع من مستوى الإطار العام للحياة، تطوير وتعميق سياسة القرب وخلق أقطاب تنافسية. لكن، أين كل هذا؟ وهل مساندة المهرجانات ضمن مهمتها؟ وإلى أين وصلت التنمية والاستثمار؟ وما هي المهرجانات التي ساندتها بالجهة الشرقية؟ وما هي المهرجانات التي لم تساندها؟ وما هي المبالغ التي صرفت؟ وما هي الشركات التي حصلت على صفقة لتسيير المهرجانات؟ وكم من مرة؟ وما هو نصيب ساكنة البادية بالجهة الشرقية؟ وكيف كان تعاملها مع المهرجان الدولي للرحل بني كيل ببوعرفة الذي كان سينعقد في شهر ماي 2012؟ وأخيرا، وفي مقارنة بسيطة لوضعية حقوق الجالية بين ما يتضمنه الدستور الجديد وما كان عليه الحال في دستور 1996، يتضح بجلاء الفرق الكبير بينهما. ورغم ذلك، فالجالية المغربية القاطنة بالخارج لا زالت تعاني من مشاكل في قطاع النقل خلال أثناء وخارج عملية العبور وحرمانها من حقوقها في التواصل بطريقة كريمة نتيجة السياسة التي نهجها وزير النقل السابق، مثلا: انعدام الطرق في العالم القروي مما يجعلهم يتواصلون مع ذويهم ومراقبة ممتلكاتهم بصعوبة. ولعل المثل الصارخ هو إغلاق المطار الدولي ببوعرفة في وجه ساكنة وجالية هذه المنطقة. فالمطار مفتوح، لكن الطائرات التي يقلها أفراد الجالية، تهبط بهم بمطار وجدة الذي يبعد عن بوعرفة ب267 كلم. فهذا القطاع رغم مناقشته أكثر من مرة بمجلس النواب وبمجلس المستشارين، يتطرق فيه البرلمانيون غالبا لمسائل ثانوية أو لمدونة السير، وتغيب مطالب الجالية تماما. في حين أن الأرقام تبرز أهمية الجالية المغربية في الاقتصاد الوطني كرافد مهم وأساسي للعملة الصعبة، من الناحية الاقتصادية. لهذا، فالجالية تطالب رئيس لجنة الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية والمغاربة بالخارج مناقشة هذه الملفات، واستحضار مطالب الجالية بقوة. وأخيرا، ماذا يعني منح الاتحاد الأوروبي للمغرب غلافا ماليا إضافيا بمبلغ 80 مليون أورو برسم سنة 2012، يخصص لمواكبة التنمية السوسيو- اقتصادية بالمملكة.؟ مستشار بلدي بسان جيل-بروكسيل، مترجم، مناهض للعنصرية بالاتحاد الأوربي، ومناضل من أجل السلام والتماسك الاجتماعي وضد العولمة.