اعتبر عدد من النواب مؤخرا، أن النقاش الدائر حول دفاتر التحملات الخاصة بالإعلام السمعي البصري أعاد إلى الواجهة الحاجة الملحة إلى الشروع في إصلاح حقيقي لقطاع الإعلام العمومي. وأكد هؤلاء النواب، أغلبية ومعارضة، خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب استمر أزيد من خمس ساعات، حضره وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة وعدد من المسؤولين بالقطب العمومي، وخصص للاستماع لمداخلات النواب بعدما تم تخصيص اجتماع لعرض الوزير، أن دفاتر التحملات، وإن كانت تشكل أحد مداخل هذا الإصلاح، إلا أنها لا تختزله. وفي هذا الصدد، أكد رئيس الفريق الاشتراكي أحمد الزايدي أنه ينبغي التمييز خلال هذا النقاش بين الجانب المهني-السياسي، والجانب المتعلق بالتأكيد على الشفافية في تدبير المال العام ومحاربة اقتصاد الريع داخل القطاع، مؤكدا مساندة الفريق للحكومة كلما تعلق الأمر بالإصلاح ومكافحة الفساد. وأضاف أن هذه الدفاتر جاءت بأمور إيجابية واجتهادات متقدمة «غير أنها أقحمت بعض الأشياء بطريقة فجة»، مؤكدا أنه «من حقنا أن نشكك في مبررات إدخال الحكومة وبطريقة فجة للدين في كل القنوات» قبل أن يلاحظ أن «إقحام علماء الدين في كل البرامج يعني أن هناك نقصا يتعين تداركه، علما أن هناك قنوات موضوعاتية مخصصة لهذا الغرض». واعتبر أن هناك مقتضيات في دفاتر التحملات «لا يمكن إطلاقا من الناحية التقنية تفعيلها»، ولاسيما ما يتعلق ببث نشرات إخبارية بأربع لغات، موضحا أن هناك نقصا حادا في الموارد البشرية التي يبقى المتوفر منها في حاجة إلى التكوين والتدريب، كما أن هناك ضعفا في الإمكانيات التي تؤثرا سلبا على جودة الإنتاج الوطني الذي تطالب هذه الدفاتر برفعه. وشدد على أن واقع الحال يؤكد على الحاجة إلى قنوات إعلام عمومي تشكل قاطرة بالنسبة لباقي القنوات والإذاعات، وعلى أن دفاتر التحملات إصلاح هام «غير أنه لا يفي بالغرض». أما رئيس فريق التقدم الديمقراطي رشيد ركبان، فعبر عن تأييد فريقه لمحتوى هذه الدفاتر التي «جاءت بالكثير من الإيجابيات والتي تتضمن العديد من مواطن القوة»، مؤكدا أن الوزير تحمل مسؤوليته في ما يتعلق بإعداد هذه الدفاتر واحترام المساطر القانونية المنظمة لها. كما أشاد بإصرار الحكومة على الشروع في إصلاح قطاع الإعلام السمعي البصري ومحاولة توسيع هامش التشاور مع مختلف الفاعلين، وبرغبتها في التنزيل الديمقراطي للدستور ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة، وبتنصيص هذه الدفاتر على الرفع من الإنتاج الوطني والاهتمام بالعنصر البشري وإعلام القرب والإعلام الاجتماعي والجهوي. ولاحظ أنه بالنظر إلى حجم النقاش الذي أثارته دفاتر التحملات كان بالإمكان تفادي وقع المفاجأة التي خلفها تقديم الصيغة النهائية لهذه الدفاتر سواء بالنسبة للإداريين أو العاملين أو الرأي العام، داعيا إلى تدارك إغفال هذه الدفاتر للبرامج السياسية والحوارية المباشرة، مع توفير هامش من الحرية للمهنيين. من جهته، انتقد رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار شفيق رشادي ارتباك الحكومة في تعاملها مع هذا الملف، متسائلا حول ما إذا كانت هذه الدفاتر في طور الإعداد أم دخلت حيز التنفيذ، موضحا أنه «في الوقت الذي ما يزال فيه النقاش ساريا بخصوصها نلاحظ الشروع في تطبيق جزء منها أمس». وبدوره، قال عبد الصمد حيكر عن فريق العدالة والتنمية انه «يتعين أن يجد المغاربة ذواتهم في إعلامهم العمومي»، مستحضرا الانعكاسات السلبية لهجرة المشاهد إلى قنوات أجنبية بحثا عن الفتوى والتي غالبا ما لا تمت بصلة للواقع المغربي. وأضاف أن دفاتر التحملات الحالية، التي تروم ضمان مصالحة المغاربة مع الشأن العام وتحقيق الإشعاع الحضاري للدولة، «تتميز بالوضوح التام على مستوى الرؤية والمهنية في المقاربة والتحلي بالجرأة»، داعيا إلى المضي قدما في تطبيقها، على اعتبار أنها من إعداد حكومة سياسية على أن يتم في نهاية المطاف تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليخلص إلى أن هذه الدفاتر قاربت التعددية بشكل مختلف لا يقتصر على الأحزاب السياسية، بل حرصت على أن تكون تعددية سياسية ومدنية وجهوية. وعن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، تساءل عبد الله البقالي، قبل الخوض في النقاش حول دفاتر التحملات الحالية، حول ما إذا كان قد تم القيام بتقييم دقيق وموضوعي لما تم تطبيقه من الدفاتر السابقة، معتبرا أن الدفاتر الحالية «تحافظ على نفس المبادئ والثوابت الواردة في الدفاتر السابقة كالحياد والمسؤولية والانفتاح غير أن الظرفية السياسية التي تعيشها البلاد هي التي كانت وراء النقاش». وانتقد خوض هذه الدفاتر في التفاصيل، لاسيما التوقيت والبرمجة، وهو ما سيطرح، في نظره، صعوبات للمهنيين، مؤكدا أن الأسئلة الحقيقية تهم جودة المنتوج الإعلامي الوطني، وتفعيل مواثيق ومجالس التحرير ومؤسسة الوسيط. أما فريق الاتحاد الدستوري، فأكد، على لسان النائبة بشرى برجال، على الحاجة الملحة للإصلاح، على اعتبار أن الفضاء السمعي البصري هو منظومة تربوية تستوجب إيلاءها المزيد من الاهتمام، معتبرة أن الإصلاح «تأخر وقد تم إهدار الكثير من الوقت والمال والجهد في الحديث عن هذا الإصلاح دون الشروع فيه». ومن جانبها، رأت فتيحة العيادي عن فريق الأصالة والمعاصرة أنه إذا كانت دفاتر التحملات «قد احترمت منطوق الدستور والقوانين فإنها لم تحترم روحها»، وقالت إن حيزا كبيرا من هذه الدفاتر «لا يمكن تفعيله نظرا للنقص الحاد في الإمكانيات البشرية والمادية». ونوهت بالنقاش الذي يعكس غيرة على القطاع، معتبرة أن الحوار داخل البرلمان يشكل قيمة مضافة، وأن النقاش صحي لكونه سياسيا ومهنيا وليس إيديولوجيا. ومن جهتها، ثمنت فاطمة الضعيف، عن الفريق الحركي، النقاش الذي خلقته دفاتر التحملات وبالمقاربة التشاركية التي تم نهجها، مؤكدة على الأهمية التي يحظى بها إعلام القرب والذي يتماشى مع التوجه الذي اختاره المغرب والمتمثل في الجهوية الموسعة. ونوهت باعتماد دفاتر التحملات لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما سيقطع الطريق على بعض الممارسات من قبيل الصفقات العمومية التي كانت تمر في صمت، داعية في الوقت ذاته إلى التركيز على التحفيز المادي والمعنوي للعنصر البشري.