قرار الحكومة تعميق النقاش بين أعضائها ومكوناتها الحزبية بشأن بعض تفاصيل دفاتر تحملات قنوات الإعلام السمعي البصري العمومي، وحضور وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أمس أمام اللجنة المختصة بمجلس النواب لتدارس الموضوع نفسه، لا يمثل أي انهزام للوزير المعني أو لرئيس الحكومة أو لحزبهما، ولا يعتبر تراجعا عن الإصلاح أو عن محاربة الفساد والرداءة في الإعلام العمومي، وكل من يريد اليوم تفسير الأشياء بهذا المنطق الصبياني، إما أنه لا يريد أن تتوفر له الرؤية الواضحة، أو أنه يسيء للوزير ولحزبه من حيث يعتقد أنه يدافع عنهما. لقد مارس الوزير مصطفى الخلفي اختصاصاته وصلاحياته كما يحددها له القانون، وعرض دفاتر تحملات بها الكثير من القضايا الجدية والمهمة، ولكنها أيضا لا تخلو من بعض التفاصيل التي كانت، بحكم السياق السياسي الحالي وطبيعة التحالف الحكومي القائم، تتطلب توسيع الحوار حولها داخل الحكومة أولا، ومن خلال حوار مؤسساتي واسع ومهيكل في الوسط المهني، وعلى صعيد منظمات المجتمع المدني والهيئات الثقافية والفنية والحقوقية، وذلك حتى تتسنى صياغة هذه النصوص، من البداية إلى النهاية، بشكل جماعي ومشترك، وحتى يتوفر لها إسناد مجتمعي ومهني وسياسي في الساحة الوطنية. اليوم عندما تتساوى كل الأوتار، وينجح رئيس الحكومة والوزير المعني في صنع تفاهمات مشتركة مع بقية الحلفاء، ويشرعون في بناء صيغة للتدارك مؤسساتيا وقانونيا وسياسيا، فإن ذلك يستحق التنويه، والتشجيع، واعتباره انتصارا للجميع، وترفعا على صغائر الأمور، وعقد الذات، وبالتالي، فإن التفاعل الإيجابي مع الآراء المعبر عنها وسط المجتمع ومع انتقادات المهنيين والسياسيين، ليس انهزاما، بقدر ما يعتبر شجاعة وقوة إيمان بصحة الهدف. من جهة ثانية، فإن الارتماءات العارية في ساحة الجدل والانتقاد والمعارضة المفاجئة التي اقترفها مسؤولو مؤسسات الإعلام العمومي ضد رئيسهم المباشر، وبغض النظر عن مضمون الأفكار المعبر عنها في خرجاتهم الإعلامية، فهي خارج السياق والمنطق، ولا تشجع تفاؤلنا بتعزيز دولة المؤسسات. التصريح من لدن مسؤولين سامين بمعارضتهم الواضحة لبرنامج رئيسهم وحكومته يطرح مشكلة في مستقبل العلاقة ببن الطرفين، وفي مستقبل تنفيذ السياسات العمومية، ويوجب التفكير فيما يفترض أن يترتب عن مثل هذا السلوك الغريب. ومن جهة ثالثة، فإن النقاش الحقيقي اليوم، وبالإضافة إلى ثوابت المرجعيات القيمية، وضرورة الحرص على تنزيل مقتضيات الدستور ذات الصلة بالتعددية السياسية والتنوع الثقافي واللغوي والأفق الحداثي الديمقراطي لمشروعنا المجتمعي، يجب أن ينصب على استعجالية التأهيل الحقيقي لإعلامنا السمعي البصري العمومي، وضرورة ارتكاز ذلك على القواعد المهنية والتدبيرية المتعارف عليها كونيا، بالإضافة إلى أهمية إعمال التخليق والحكامة الجيدة ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة في مباشرة هذا الورش الإصلاحي الهام. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته