مقاربة إشكالية الإبداع ورهان التجريب نظمت النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية أكادير إداوتنان مؤخرا، النسخة الأولى لملتقى التشكيل والبيداغوجيا، وتضمن الملتقى مجموعة من الفقرات،فقد أقيمت ندوة ثقافية حول موضوع «التشكيل والبيداغوجيا/ أسئلة الإبداع ورهان التجريب»، استهلها الناجي شكري النائب الإقليمي بكلمة افتتاحية أبرز فيها المغزى من تنظيم هذا الملتقى ومساهمته في إظهار دور التربية التشكيلية في تكوين الناشئة وتنمية مهاراتهم الفردية والجماعية، منوِّها بالمجهودات التي بذلها أساتذة المادة في إقامة هذا الملتقى، آملاً أن يشكل موعداً سنوياً لتبادل وجهات النظر وفتح النقاش بشكل متجدد حول أسئلة الإبداع وسبل ترقيته بالمؤسسات التعليمية. نشط هذه الندوة التي أقيمت بمدرسة إدارة أعمال الإدارة رشيد فاسح وشارك فيها الأساتذة الباحثون بنيونس عميروش الذي تحدث عن الصورة من الناحية الإبداعية والديداكتيكية مقترحاً مجموعة من السبل العملية للتعليم الفني وتفعيل الدرس التشكيلي بواسطة الصورة، وابراهيم الحَيْسن الذي تناول العلاقة التكاملية بين التشكيل والبيداغوجيا من خلال تجربة الباوهاوس كمدرسة راهنت على تقليص الفوارق بين الحِرفي والفنان وتجربة جماعة 65 بالمغرب التي اعتمدت في مشوارها التشكيلي أرضية بيداغوجية تنطلق من دعم خطاب العودة إلى الجذور التراثية، ثم رشيد الحاحي الذي طرح عدة أسئلة ترتبط بإمكانيات وشروط تدريس الفنون التشكيلية بالمدرسة المغربية في ظل المقاربة الكفاياتية. كما تم تنظيم ورشة تكوينية بمقر المفتشية الإقليمية للتعليم تركزت حول موضوع «الأشرطة المرسومة» أشرف عليها محمد إرباح مفتش مادة التربية التشكيلية بجهة أكادير سوس ماسة درعة وأطرها عبد العزيز لغراز وشارك فيها مجموعة من أساتذة المادة. وقد تمحورت أشغال الورشة بالأساس حول المقاربة الديداكتيكية للشريط المرسوم ضمن مجال الصورة. وتم بنفس المناسبة توقيع كتاب «الفن والتكنولوجيا/ مستقبل الدرس التشكيلي في عصر الميلتي ميديا» للناقد ابراهيم الحَيْسن الصادر قبل أيام ضمن منشورات عالم التربية، وهو من القطع المتوسط يقع في 175 صفحة تتخللها مجموعة من الصور الإيضاحية، وقد صمَّم غلافه الفنان التشكيلي يونس الخُرساني. ويروم الكتاب مقاربة الصلات الوثيقة بين الفن والتكنولوجيا كما يبررها تاريخ الفن الرقمي (الديجيتال آرت)، وذلك من زاوية ديداكتيكية تفتح النقاش بشكل متجدد حول الأدوار التعليمية التي أمست تلعبها التقنيات الحديثة والوسائط المتعددة في تدبير الدرس التشكيلي بالتعليم الثانوي الإعدادي. وتم تتويج الملتقى بمعرض الأعمال التشكيلية بالرواق الفني التابع للشبيبة والرياضة والتي أبدعها تلاميذ الثانويات الإعدادية بإشراف وتأطير أساتذة مادة التربية التشكيلية، ففي هذا المعرض -الذي يستمر إلى غاية منتصف الشهر الجاري- ائتلفت العديد من التجارب والأبحاث المتمحورة حول فكرة فن التدوير واستعادة الأشياء المهملة والمهجورة وتحويلها إلى مادة للتشكيل الفني والجمالي، وذلك بتعديد المواد وتنويع الحوامل والسنائد بشكل يحيلنا كثيراً على مجموعة من التعبيرات التشكيلية التي تمتد إبداعيا في الزمان والمكان لتتصل بتيارات فنية عالمية متنوعة من حيث تشكيل الفراغ وبنائه، صاغها وأرسى دعائمها الوعي البصري الأوروبي والأمريكي خلال الخمسينات والستينات، وهي المعروفة بفنون ما بعد 1945 كفن البيئة والأرض/ اللاند آرت وفن الحدث والبوب آرت/ الفن الشعبي والواقعية الجديدة والفن المفاهيمي والتجميعية وفن الجسد وحركة الفلوكسيس والسبرانية واللاأسلوب وغيرها. مثلما تمتد إلى مجموعة من الاتجاهات الفنية الحديثة الأخرى ذات الأبعاد البصرية والسايكولوجية، والتي ظهرت على خلفية التصدّي للتجريد اللاشكلي. وضم المعرض المصاغ بأنامل ومخيلة التلاميذ، مجسمات لأرباب الموسيقى وروايس الطرب الأمازيغي تم صنعهم من أوراق تكييس الإسمنت والكنانيش المدرسية المستعملة، إلى جانب بورتريهات بالأبيض والأسود للكاتب محمد خير الدين مشكلة من أشرطة كاسيط الفيديو. كما ضم طاولات وكراس مهترئة تم تغليفها بقصاصات الصحف والمجلات فضلاً عن لوحات مشكلة من الأقراص المدمجة الملونة وسدادات قارورات الماء والمشروبات الغازية، فضلاً عن قطع فنية أخرى ضمت الأقنعة وبعض التركيبات التي امتزجت فيها مواد بلاستيكية ومطاطية وقطنية ومعدنية متنوعة. وبفضل هذه المحتويات الرائعة، نال المعرض إعجاب كل الحاضرين واستحسان الزوار وقد شكل بحق تجربة تستحق كل الثناء والتنويه لأن قاعدته الفن والجمال، ومبدعيه أطفال موهوبون أبانوا عن مهارات عالية ومتقدمة في مجال الخلق التشكيلي. وبالمناسبة استصدر المشاركون في هذا الملتقى، مجموعة من التوصيات تهدف بالأساس إلى إعادة الاعتبار لمادة التربية التشكيلية التي لا تزال تدرس في ظروف غير مشجعة بسبب قلة التجهيزات، كما اتفقوا على أن يكون «التشكيل والتراث» محوراً للنسخة القادمة.