شكل موضوع «أي ديمقراطية في القرن الحادي والعشرين»، محور ندوة فكرية احتضنها فضاء الخزانة العلمية الصبيحية، مؤخرا بسلا، وذلك ضمن فقرات الدورة الرابعة لمهرجان «سلوان» الذي تنظمه جمعية سلا المستقبل. وأكد الأستاذ محمد نور الدين افاية، خلال هذا اللقاء، أن أي ديمقراطية ممكنة في الأفق المنظور بالمغرب يتعين أن تنبني على الحكامة، مشددا على أنه لا مناص من ترجمة الحكامة الديمقراطية إلى سلوكات وثقافة حقيقية، داعيا جميع الفاعلين من حكومة وهيئات نقابية ومجتمع مدني ووسائل إعلام إلى القيام بأدوارها من أجل تأهيل الشأن الديمقراطي. وأشار إلى أن «ما يسمى بالمسلسل الانتخابي» يعد مقياسا حاسما للديمقراطية التي تقوم على اعتماد الأغلبية واحترام شرط الاستحقاق وتكافؤ الفرص، معتبرا أن المجتمعات المتطورة دخلت في الجيل الثالث من الديمقراطية عبر اعتماد آليات جديدة في العملية الانتخابية لتحقيق الديمقراطية بخلاف المجتمعات العربية التي ما زالت «سجينة» آلية الاقتراع العام. وتوقف المتدخل عند الالتباس الحاصل بين الديمقراطية والليبرالية السياسية، موضحا أن الديمقراطية، التي هي ذاكرة تعددية ومختبرات متنوعة، يتعين أن تستند على ثقافة عصرية لأن مبدأ الاقتراع العام المعتمد في العملية الانتخابية هو قاعدة ضرورية? لكنه غير كاف مما يتعين معه، يضيف السيد أفاية، التفكير في إدخال آليات جديدة لتحصين الديمقراطية من خلال المراقبة عبر المؤسسات الإدارية المستقلة كالمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الدستوري. وفي سياق حديثه عن مفهوم الديمقراطية في العالم العربي في ضوء ما جرى ويجري من ثورات، اعتبر أفاية أن ما تشهده المجتمعات العربية من حراك اجتماعي في سياق «الربيع العربي»، لاسيما تونس ومصر، هو «غضب جماعي وثورة كبيرة» تشبه الثورات الكبرى (فرنسا وروسيا وإيران) و»نهضة ثانية» بعد النهضة العربية التي جرت أواخر القرن ال 19 وبداية القرن العشرين. وحسب أفاية، فإن نجاح المسار الديمقراطي بالدول العربية يتم عبر إرساء مؤسسات ديمقراطية تشكل فضاءات ملائمة لتطبيق المعايير التي تؤطر وتضمن الممارسة الديمقراطية، وكذا عبر انخراط الفاعلين المشاركين في هذا المسار الديمقراطي، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية كشعار وإنما يتعين أن تدعم القناعة الديمقراطية بالكفاءة الديمقراطية من خلال إنتاج النخب سواء داخل الأحزاب أو النقابات أو المجتمع المدني. ومن جانبه، توقف الأستاذ محمد الدكالي عند سؤال الديمقراطية من منظور فلسفي، فاستعرض مفهوم الديمقراطية لدى بعض فلاسفة اليونان في القرن ال17، مشيرا إلى أن الديمقراطية التي كانت سائدة منذ العهد اليوناني تجسدت في وجود سياسة تنبني على التفاهم والتفاوض وتبادل الآراء بين الناس. وأكد المتدخل أن تحقيق الديمقراطية يتم عبر آليات الحوار وتبادل الآراء التي تضمن البقاء الجماعي للإنسان الذي يعد بطبعه «حيوانا سياسيا»، معتبرا أن الديمقراطية ليست «أمرا نهائيا» وإنما تتكرر بأشكال مختلفة عكس الاستبداد الذي يعتبر «أمرا نهائيا ومنتهيا» لأنه ينبني على عناصر الكراهية والعدوانية والغضب والتصادم. وتم على هامش هذا اللقاء توقيع كتاب لمحمد نورالدين أفاية بعنوان «التفاؤل المعلق: التسلطية والتباسات الديمقراطية في الخطاب العربي الراهن».