تناغم انتقادات الصدر وبارزاني للمالكي توسع من جبهة معارضيه اعتبر رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني مواقف رجل الدين الشيعي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في دعم الأكراد والاحتجاج على مواقف رئيس الوزراء نوري المالكي ومقربين منه والمضادة لهم بأنها «صريحة وجريئة في مواجهة من يريدون زرع الفتن وإثارة النعرات العنصرية ضد الأكراد». وأكد احترامه وإشادته بمواقف الصدر هذه، وخاصة رفضه الأخير لاعتقال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية فرج الحيدري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، متهمًا المالكي بالوقوف وراء هذا الاعتقال، وهو ما تناغم مع الموقف الكردي في هذا المجال. وقد جاء موقف بارزاني هذا عبر اتصال هاتفي مع القيادي في التيار الصدري النائب بهاء الأعرجي عبّر خلاله رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين عن موقف بارزاني هذا الذي يشكل أول تقارب بين الرجلين اللذين لم يعرف وجود اتصالات مباشرة بينهما سابقًا، لكنه يبدو أن مواقفهما قد تقاربت الآن على خلفية انتقادهما لممارسات المالكي ومحاولاته للهيمنة على مفاصل الدولة وإنشاء ديكتاتورية جديدة على حد قول بارزاني. وأكد رئيس إقليم كردستان أنه يقدر عالياً حرص الصدر من اعتقال الحيدري، مشيرًا إلى أن هذا الموقف يشير إلى رغبة حقيقية في المحافظة على المؤسسات والهيئات المستقلة في البلاد. ويعتقد مراقبون أن هذا التقارب المعلن بين بارزاني والصدر، وخاصة في الموقف بالضد من المالكي، سيوسع الهوة بين رئيس الوزراء العراقي والقوى السياسية الأخرى، خاصة مع استمرار أزمته السياسية وتصاعدها مع الكتلة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، الذي دعا أمس في تصريحات صحافية التحالف الوطني العراقي «الشيعي» إلى اختيار رئيس جديد للحكومة بديل من المالكي، مشددًا على أن الانتخابات المبكرة هي أحد الحلول للأزمة السياسية المتفاقمة التي تضرب البلاد منذ أواخر العام الماضي. ويبدو أن هذا الخلاف مع المالكي قد أثار رغبات لدى التيار الصدري في تشكيل حكومة جديدة، حيث دعا الصدر اليوم الاثنين أنصاره إلى توحيد صفوفهم وكلمتهم في حال رغبوا في تشكيل حكومة برئاسة التيار. وقال الصدر في رده على سؤال من أحد أتباعه حول إمكانية قيام التيار الصدري بتشكيل الحكومة بعدما «عجزت» الحكومة الحالية عن تلبية مطالب الشعب «إجمعوا أمركم ووحدوا صفوفكم واجعلوا كلمتكم واحدة، ثم أتوني طائعين و»عذراً» وأما لو قصدتني بحديثك فهذا خطأ القول أكيد». وكان الصدر أكد أخيرًا أن لكل مواطن كردي حصة من النفط العراقي، ولا يحق للحكومة المركزية منعهم من النفط، موضحًا أن نفط العراق هو للعراقيين، ولا بد أن يكون لكل فرد حصة منه. وفي مواجهة التهديدات بقتل الأكراد في بغداد ومناطق البلاد العربية الأخرى فيما إذا لم يرحلوا إلى إقليم كردستان، فقد شدد الصدر على أن «من يعتدي على الأكراد هو عدو التيار الصدري وعدو العراق والمذهب». وقال إن «من يعتدي عليهم (الأكراد) فهو عدونا، بل عدو العراق بعامة، والدين والمذهب ما داموا مسالمين فكونوا مسالمين». وكانت مقار تابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني في محافظتي الديوانية وبابل الجنوبيتين قد تعرضت في الأسبوع الماضي لهجمات بعبوات ناسفة، وذلك بعد أيام على تهديد أطلقه تنظيم مسلح باسم «أبناء العراق الغيارى» للأكراد ومطالبتهم بمغادرة المناطق العربية. والسبت الماضي اتهم الصدر المالكي بالوقوف وراء اعتقال رئيس مفوضية الانتخابات فرج الحيدري، وذلك بهدف «تأجيل أو إلغاء الانتخابات» المحلية التي ستجري في أوائل العام المقبل. وقال الصدر في بيان «الذي أمر بهذا الاعتقال هو الأخ نوري المالكي بالتحديد». وأضاف «لعل الاعتقال يصب في مصلحة الأخ رئيس الوزراء حسب ظني، لأنه يسعى إلى تأجيل أو إلغاء الانتخابات فاحذروا». ورأى أن «سبب الاعتقال يحتاج دليلاً» مؤكدًا أن «اعتقال الحيدري يجب أن يكون تحت طائلة القانون لا تحت نير الديكتاتورية». تأتي مواقف الصدر هذه من المالكي متناغمة مع الانتقادات الحادة التي دأب بارزاني على توجيهها خلال الأسابيع الأخيرة ضد رئيس الوزراء أيضًا، حيث حذر في تصريحات أخيرًا من أن البلد يتجه إلى كارثة وعودة الديكتاتورية. وانتقد في تصريحات صحافية الاستئثار بالسلطة في كل مرافق الدولة، وأشار إلى أنه لم يعد هناك مجال للمجاملات ولا للدبلوماسية، إما معالجة الوضع وإما مواجهة وضع لا يمكن القبول به، وفيه شخص واحد يستحوذ على كل مرافق الدولة، ويتصرف وفق إرادته ويهمش الآخرين، ثم يبقى رئيساً للوزراء، هذا غير مقبول على الإطلاق. وشدد على أنه «مهما كان الثمن لا يمكن أن نقبل بعودة الديكتاتورية إلى العراق، وإذا فشلنا في وقف الديكتاتورية فلن نكون مع عراق يحكمه ديكتاتور». وقد رد المالكي أمس على هذه الانتقادات في تصريحات لصحيفة كردية بالقول إن العديد من الأطراف الكردية أبلغته عدم رضاها عن مواقف بارزاني هذه. وحذرت الكتلة العراقية بزعامة أياد علاوي من أن استمرار الأزمة السياسية قد أخذ ينعش الفساد ويجعل المفسدين يعيشون في ربيع دائم. وأكد مستشار العراقية هاني عاشور أن محاربة الفساد وفضح المفسدين والاقتصاص منهم هو الذي سيعيد هيبة الدولة ويزرع الأمل لدى المواطن العراقي بضمان مستقبله، وأن الأزمات السياسية الأخيرة التي يمر بها العراق جعلت المفسدين يشعرون بالاطمئنان ويمارسون فسادهم علنًا ومن دون خوف وأنهم يعيشون ربيع الفساد في ظل الأزمات. وقال عاشور في تصريح صحافي مكتوب تلقته «إيلاف» اليوم إن إجراءات محاربة الفساد المالي والإداري في العراق أضعف بكثير من حجم الكشف عن ملفات الفساد التي تعلنها لجنة النزاهة البرلمانية، وإن إشغال الناس بأمور ثانوية وأزمات جانبية مفتعلة وعدم الاقتصاص من المفسدين أشعرت الشعب العراقي بالإحباط مع معرفة الناس بشكل يومي بحجم الفساد والأموال المنهوبة والمهدورة من ميزانية الدولة، وجعلت المواطن يشعر بأن الدولة أصبحت ضعيفة، وأن قوة المفسدين أقوى منها بكثير، مثلما أشعرت المفسدين بأنهم يعيشون ربيعهم الدائم. وأشار إلى أنه من غير المعقول أن وسائل الإعلام العراقية والمواطنين يتحدثون عن عمليات فساد بمليارات الدولارات من دون أن تحرك الحكومة ساكنًا، فيما يدفع العراقي حياته ثمنًا لهذا الفساد، معتبرًا قضية رئيس مفوضية الانتخابات وعرقلة الاجتماع الوطني وإنهاء الشراكة الوطنية وحملات الاعتقال محاولات لإشغال الناس عن قضايا الفساد الكبرى، التي لم يعد بعض المسؤولين يخجلون منها، بل أصبحوا يمارسونها علنًا وتتناقلها وسائل الإعلام كأنها أنشطة يومية لهؤلاء المسؤولين. وأضاف عاشور إن هيبة الدولة الآن مقرونة بقدرتها على ضرب المفسدين وفضحهم وكشف هدر ونهب مليارات الدولارات في مشاريع وهمية وعبر صفقات مزيفة تتم بحماية رسمية، مبينًا أن ضرب المفسدين مهما كانت مكانتهم في الدولة أهم من نشر القوات الأمنية للتعبير عن قوة الدولة وطمأنة الشعب، وتأتي تحذيرات العراقية هذه في وقت أعلنت لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي عن فتحها تحقيق في نفقات القمة العربية التي استضافتها بغداد في أواخر الشهر الماضي على خلفية شكوك في وجود فساد. وقال رئيس اللجنة النيابية بهاء الأعرجي إن لجنة النزاهة «فتحت ملفات الفساد الخاصة بقمة بغداد، ونحن في حاجة من أربعة أسابيع إلى عشرة أسابيع لحسمها». وأضاف في بيان إن «المشاريع الخاصة للدوائر والمؤسسات التي كانت طرفاً في تقديم الخدمات اللوجستية والتأثيث والبناء للاستعداد لمؤتمر القمة هي ملفات موجودة في لجنة النزاهة»، موضحًا أن اللجنة «فتحت كل الملفات في قمة بغداد، ولكن تحتاج كتبًا رسمية ومخاطبة الجهات ذات العلاقة». وأكد قائلاً «لدينا ما يشير إلى الفساد، ولكن نريد استكمال التحقيق لتحويلها إلى هيئة النزاهة، ومن ثم للقضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية». وطالب «القضاء بحسم هذا الأمر بشكل واضح وصريح من دون تلكؤ ومجاملات لجهات سياسية»، مشيراً إلى أن «هذه القضية ستضع مجلس القضاء الأعلى على المحك لإثبات صدق استقلاليته ونزاهته». وكشفت لجنة النزاهة النيابية في وقت سابق عن هدر كبير للمال طال عملية تأهيل خمسة فنادق في بغداد خصصت لاستقبال وفود القمة العربية أبرزها فندق عشتار شيراتون، الذي وصلت كلفة تأهيله إلى 48 مليون دولار، وفندق الرشيد بحوالى 80 مليون دولار. وقالت اللجنة إن الملفات الخاصة بتأهيل الفنادق وجد فيها فساد كبير، حيث أحيلت إلى القضاء في وقت سابق، لكن معنيين في شؤون مكافحة الفساد المالي والإداري في العراق أكدوا أن التصريحات الصحافية هذه غير المقترنة بالأدلة والإثباتات ستؤدي إلى إفراغ جهود مكافحة الفساد من محتواها وتحويلها إلى ملف سياسي. ورافقت عملية انعقاد قمة بغداد تسريبات وتأكيدات بوجود ملفات فساد رافقت المؤتمر، الأمر الذي أكدته لجنة النزاهة، التي أشارت إلى أن مصروفات القمة بلغت ملياري دولار، إلا أن رئيس الحكومة نوري المالكي نفى ذلك، وأكد أن المبلغ قد توقف عند نصف مليار دولار. يذكر أن العراق يعاني معدلات فساد كبيرة، تطال غالبية مؤسساته الرسمية، وقد احتلت البلاد المرتبة 175 من بين 182 دولة في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011. عن إيلاف