يطرح فيلم الرحلة الكبرى عدة موضوعات: موضوع السفر ومحاسنه والمتاعب التي تنجم عنه وموضوع الفرق الشاسع بين الأبوين والأبناء وموضوع أهمية الكعبة عند المسلمين. إن للسفر عدة محاسن. فالناس بطبعهم يحبون السفر لرؤية أشياء جديدة وأماكن مجهولة. والناس يسافرون لعدة أسباب ولتحقيق أهداف مختلفة: لتعميم المعرفة وللتعلم أو لظروف صحية أولأجل المتعة أو لأجل هدف مهني ومالي. لا أحد ينكر الفوائد العديدة للسفر. إن السفر يعتبر جزءا من تعليمنا، وتعليمنا يعد غير مكتمل بدون تحرك وترحال. ويمكننا التعرف على العديد من الأماكن، وعن طريق الزيارة يمكننا معرفة تاريخ هذه الأماكن وعادات أهلها، وتصبح دراسة التاريخ أمرا سهلا بتذكر هذه الأشياء. إن الأجسام والأجساد والأماكن تتجسد عند رؤيتها بعد القراءة عنها. إن السفر يسمح لنا بتوسيع نطاق أفكارنا وتهوية ثقافتنا والتمتع بحسن تدبير مع تقاليد وعادات الشعوب. وتفتح عيوننا على تجارب بلدان أخرى مختلفة عنا، يمكن استعمالها واستغلالها لتحسين ظروف عيش بلادنا واكتساب المعارف المحصل عليها. وبفضل السفر نتقاطع مع مسافرين آخرين نعرف منهم أشياء نجهلها ونعرفهم بأشياء يجهلونها. وحقائق نتبادلها عن ثمرة سفرنا. والسفر مليء بالأوهام وبالإغواء وبالإثارة وبالحكمة وبالتناقض، حسب الأشخاص وحسب المكان وحسب تقبل وتركيبة شخصية المسافر. إن الأمر الثاني المطروح في هذا الشريط، هو الصراع بين الجيلين: جيل الآباء وجيل الأبناء. وهذا الصراع قديم قدم الزمن ومستمر استمرار الحياة على هذه الأرض الفانية. واستغلاله يختلف حسب الحقب الزمنية. فمراهق القرن الماضي ليس هو مراهق الوقت الحاضر. وطبيعة هذا الصراع العناد والصدام. إن قول «لا» الملتصق بالمراهق هو جواب على «السلطة» الآمرة. وإنه تعبير لتحقيق الذات والبحث عن الشخصية. والمراهق في قرننا هذا، متوفر على آليات وعلى أساليب للمعرفة كثيرة. وتمرده قد يؤدي به إلى عمل أشياء محرمة وإدمان على المخدرات وعلى التدخين وعلى الخمر وارتكاب جرائم في حق ذاته وفي حق الآخرين، قد تصل إلى القتل. وأهم أسباب الصراع هو الاقتناع بأن «الآخر» لا يفهم. وأهم الأسباب كذلك هم الأشخاص أنفسهم الذين يعيشون ثقافات مختلفة، في سياق يتعايشون فيه رغم اختلافهم. وفي نهاية المطاف فالأب وابنه يتشابهون فهم خليط من أناس مهتمين وآخرين غير مهتمين ومخلصين ومنافقين وحنونين وكذابين وكسلاء ومجتهدين. لابد أن نكون على علم بأن الطبيعة الإنسانية هي كما هي، مختلفة في الزمان وفي المكان، لا يمكن التنبؤ بها. وبالطبع لا توجد خارطة تبين عيوب الإنسان وسبل التعرف عليها، ولكن هناك صفات سوسيوثقافية واقتصادية ودينية تؤثر بشدة على سلوك الفرد، أحاديا ووسط محيطه من العائلة الصغيرة إلى العائلة الكبيرة، إلى الشارع، إلى المدرسة، إلى المؤسسة وشركة العمل، إلى المجتمع ككل مع السلطة الرسمية والمجتمع المدني. إن أهمية الكعبة هو أهم المواضيع الذي طرح في الفيلم ولم يستطع المخرج أن يوصلنا إليه. إن الكعبة الشريفة هي قبلة المسلمين، وكل وجوه المسلمين في العالم موجهة إليها في صلواتهم، وتعتبر أقدس مكان على وجه الأرض، ويحج الناس إليها من كل فج بالملايين يؤدون فريضة الحج، الركن الخامس في الإسلام، وتسمى الكعبة والبيت والبيت العتيق والبيت المحرم والمسجد الحرام ويحتوي الركن الشرقي على الحجر الأسود الذي يعتبر ياقوت من الجنة. والكعبة هدف كل مسلم من جميع أنحاء العالم. هدف سامي وروحي قبل أن يكون هدفا ماديا. وزيارة الكعبة هي طموح كل مسلم مؤمن. وهذا ما برهن عليه المخرج في شخص محمد مجد الذي ذهب إلى زيارة مكةالمكرمة لمشاهدة الكعبة وحج بيت الله الحرام قبل مماته. إن فيلم الرحلة الكبرى كان يجب أن يسمى الرحلة الأخيرة. وهو فيلم المخرج إسماعيل فروخي مدته ساعة وأربعون دقيقة، ومن بطولة محمد مجد ونكولا كازالي... والفيلم يطرح مشكل الجالية المهاجرة في فرنسا وظروف عيشهم ومشكل الوالدين مع أولادهم الذين لا يتكلمون العربية رغم فهمهم لها. وطوال الطريق نرى الصراع الواضح بين الشخصين/بين الجيلين. ويبين الفيلم حكمة ورزانة الكبير/ الأب، وتهور وعدم ثقة الصغير/الابن. وبساطة الفيلم تحوله إلى قوة، وإلى سفر ممتع مليء بالمجهول، ولو أننا وددنا لو طال السفر لمعرفة كل هذه المناطق التي زارها المخرج عبر فيلمه، وعرفنا عاداتهم وتقاليدهم. لقد طرح الفيلم مشكل تعدد اللغات بتعدد المجتمعات وتعدد العادات بتعدد البشر. والهدف هو مكة، هو البيت الحرام، هو الكعبة الشريفة التي لم نر عظمتها في الفيلم ولم يعمل المخرج على توظيف هدفه وإبرازه بشكل يجعل منه النبراس والفانوس والهدف الأسمى لرجل متدين يريد زيارة هذا المقام قبل مماته، مصاحب لابن أرغمه على مصاحبته، لا يعي أهمية المهمة المنوطة إليه، ربما فهمها في الآخر ولكن قبل فوات الأوان. إن فيلم الرحلة الكبرى فيلم الصراع، إنه الصراع الدائم بين الخير والشر، بين القوي والضعيف بين السلطة والإنسان العادي إنه صراع البشر.